يصب أحمد المسيح لعاشقي الزجل من معتق دنانه، أكوابا مشعشعة، كؤوس ضوء وتجليات وعشق وفناء، يصب من دمه ويبوح « قتلتني القصيدة »(1) وهو بوح رمزي لموت رمزي. قراءة هذا العمل الإبداعي غوص في تجربة زجلية شعرية باذخة خصبة بكل الأبعاد الجمالية والوجودية والدينية والفلسفية و الإنسانية. 1 – سؤال الموت هو سؤال البداية والنهاية ولا نهاية في الحقيقة كما تصورها لغة المسيح وشذراته.. ما هو «غير وسيلة إيضاح» باش نعرفو الوجود. الديوان شهادة اشتباك وتوتر هي بالقصيدة ومعها وبها ولها، إنها جديدة الفناء والوجود، الوجود العدم، الكتابة والبعث المسيح (يلا قتلاتو راها حياتو). الكتابة فناء ومحو وزوال، فناء في العشق ومحو للذات وزوال لظمأ ليتخلق ظمأ جديد، القصيدة تفني وتفنى إذ تحيا والزجال الشاعر طائر يقع في فخها حيث يختبئ الموت: كانت لي فخ في قصيدة: ويقول في شذرة أخرى: سوليني على الحياة نقول هي أنت، سوليني على الموت نقول هي أنت. في جدلية الكتابة والموت / الكتابة والمحو / تتحاور المرايا، يصير المسيح هو القصيدة والقصيدة هي المسيح. كوني قصيدتي نحيى بك، ونموت أنا باش نحييك نستحضر قول الحلاج: أنا من أهوى، ومن أهوى أنا نحن روحان حللنا بدنا (1) يتخذ المسيح من الإطار الصوفي وخصوصا موضوعة الفناء وعاء لتجربته الشعرية الزجلية. « إن جوهر تجربة الفناء الصوفي هو التسامي وتحقيق الكونية والشمولية» (2) 2 – الكتابة والفناء يقول المسيح: والكتبة فين غادية للحياة أو للفناء؟ الكتابة هي الوجود الحق لدى المسيح ومداده دمه عندما ينوح يوجد ولا يفنى « لكن بوحو كان رمادو» الفناء والمحو في بعديهما الفلسفي والوجودي يضفرهما ببعد « إيروتيكي يرتبط بنزعة الحب والعشق التي تجمع بين الصوفي وبين الألوهية والطبيعة وكائناتهما. هذا البعد يتولد عن إحساس الصوفي بجمالية العالم والطبيعة» (3) يقول لمسيح: إيلا كانت القصيدة شهوانية والورقة غواية شعالة الشاعر يوجد راسه للموت ص31 والكتابة صرة الأسرار مصب الوله، وسيرة الذات ونبوءة مبشرة. وكتب سره برماده. يثبت لمسيح الوجود بالفناء. 3 –المعجم الشعري: بتأمل في المعجم الشعري، ينشئ لمسيح لغته الزجلية العالمة انطلاقا من تزويج النار بالثلج والبرق بالهديل. والكتابة عند الزجال أحمد لمسيح وعند « كل مبدع حقيقي، تمارس كقلق وكهم، وتنفتح على الذات وعلى قضايا الإنسان وتحمل عمقا ورؤى متنورة ومتجددة» (4) وبتأمل راصد لمكونات المعجم نجد تردد ألفاظ ذات حمولة جمالية تتبلور من خلالها رؤيا الزجال وتنسج صوره الباذخة: حقل الفناء: ( الموت – الفناء – المحو – الكفن – الرماد) حقل الحياة والكتابة: ( لقصيدة – العشق – لمرايا – الضو – الطائر – الحلم – الكتبة ) 4 – التناص في (قتلتني القصيدة) الدخول إلى قصيدة أحمد لمسيح دخول إلى دغل وأجمة وأرخبيل وأفلاك غنية وثرية بالأضواء وبالحالات، لا تذوق لنص المسيح بدون معرفة بل بدون معرفة عالمه، لن ينجح تأويل نصه و إدراك جماليته، فهو يأتي محملا بمقروئه الوجداني والبصري وذكائه وحدسه الذي يفجر في الثنائيات البعد الثالث وفي العلاقات والمفاجآة المدهشة والمفارقات الغريبة: الموت قمار ادمس الكارطة، تخلطت لوراق وزول ورقتي . ص7 يذيب لمسيح بفنية عالية الأصول التناصية في بوثقة القصيدة، يفنيها فلا تلمح سوى طيف منها تصير نسغا، وهكذا نجد الأنواع التناصية التالية: النص الديني ( قصة أو سياقا) النص الثقافي، النص الشعبي، النص المتداول، الأمثال... أ – النص الديني: الموت ناوي و يلا ما جاش ف« الأعمال بالنيات » (ص12) قلت » ( علاش لا فاهم لكلام؟ علاش يكون هو اسماعيل اللي ما جاهش جبريل ؟« (ص62) ويلقاها في الكتابة « عذرا» تولدو باش يتصلب (ص64) وفي التناص المتكئ على النص أو المؤشر الثقافي نجد هذه الألفاظ « المنجد – الشفوي – وسيلة إيضاح ....) أحمد لمسيح الزجال من (طرز الماء) و(توحش راسو) وعاش (حال و أحوال) واحترق ب (حريفات) وكشف ( ظل الروح) واستظل ب ( خيال الماء) يقول ( قتلتني القصيدة). ذاك الزجال أتقن نسج القصيدة وصارت عالما يصب فيه كل كنوز أسفاره في المكان والزمان والمعرفة. *هوامش: 1 – ديوان الحلاج – الدكتور كامل مصطفىالشيبي- ط 1- 1974 بغداد ص 55. 2 – منصف عبد الحق – الكتابة والتجربة الصوفية – نموذج محيي الدين العربي – منشورات عكاظ –ط2- 2011 ص 303 3 – نفسه ص342 (4) محمد الراشق – أنواع الزجل بالمغرب – الجزء الثاني القصيدة الزجلية الحديثة – ط1- 2014- ص 156.