لماذا يتوقف الكاتب عن الكتابة؟ هل يتطلب قراره هذا شجاعة استثنائية للإقلاع عن إدمان رائحة الورق؟ هل هناك إبداع طارئ لا يلبث أن يزول بشفاء أعراضه؟ هل الكتابة حاجة ذاتية أم عادة أم موقف من الأشياء والعالم؟ بالنسبة لي هي كل ذلك، هي المروحة التي تلطف صهد اليومي، العابر والمقيم، هي حصان المعركة التي يخوضها الكاتب ضد العدم. وحين يترجل عن صهوة هذا الحصان، فاعلم أنك أمام أمرين: أولهما أن الحصان بلغ به اليأس عتيا، ولم يعد قادرا على مجاراة المسافات الطويلة في سباق مفتوح على كل الاحتمالات، وبلا نهاية. ثانيهما أن الفارس لم يعد قادرا على المقاومة، أو يئس من جدواها. نقول إن الكاتب يتنفس من رئة النص، وإن الكتابة مشيمته التي تجعله دائما على حدود التماس مع الواقع، فهل يمكن أن تنقطع هذه المشيمة ويستمر بالعيش خارج سراديبها ودهاليزها؟ أسئلة تجد جوابها في توقف بعض الكتاب المغاربة عن الكتابة بعد التجربة الاولى أو الثانية، رغم ما حققوه من نجاح مثل القاصة عائشة موقيظ صاحبة "البوم" و"رمال عازفة"، "برد دسمبر"، حسن مستعد، محمد بنصافي، بوشعيب بومليك، مصطفى سهماني، محمد الكعبوني، فاطمة المغضاوي.. فهل كان خوضهم لتجربة البوح الأدبي مجرد تفريغ لحاجة نفسية عابرة ارتوت بماء النص الأول، ولم تجد ما يستفز رغبة ثانية في اللقاء مع الورق ومن خلاله الآخر، أو لأن صدى التجربة الأولى لم يكن بحجم توقعاتهم، وربما أنهم أخطأوا في تقدير جدوى الكتابة؟ هل تصل الكتابة سن يأس في لحظات معينة، ولا يعود بمقدور الوقائع والصور والمشاعر، بجمالها وقبحها، تخصيب بويضات الخيال، فيصبح معها كل مشروع باختراق البياض، مجرد اجترار أو تآكل لجدار المكتوب قبلا، أم أن عملية الكتابة كما عرفها الياس كانيتي" بها شيء ما لانهائي. على الرغم من أنه تتم مقاطعتها كل ليلة". قد يقتنع كاتب ما بأنه لم يعد بوسعه تقديم الأفضل، فيقلع عن الكتابة احتراما لها ولقارئه، كما قد يستمر آخر في تجميل وجه غزته التجاعيد أملا في صبا جديد، فتكون نهاية عمليته التجميلية، تشوها ينسى معه القارئ ملامح وجهه الأصلية.