إذا كان الكاتب البريطاني جورج أورويل حدد للكتابة أربعة دوافع لخصها في حب الذات والإطراء (الأنا)، الرغبة في مشاركة القارئ تجربة يعتبرها هو نفسه قيّمة، الرغبة في اكتشاف الاشياء ، ثم الطموح الى التغيير، واعتبرتها الكاتبة الامريكية ماري جيتسكل هي» القدرة على توحيد قوى الأنا، والتعاطف مع من حولك في الوقت نفسه. فالتعاطف نداء، وتسخير أناك في عمل مبدع هي الاستجابة» ، فهي عند الكاتب المغربي مغامرة محفوفة بالمخاطرة إلا أنه يصر على خوضها مثل فارس نبيل يقف في المعركة وقد انفض المحاربون، شاهرا سيفه ضد الهزيمة. لماذا يصر الكاتب المغربي على الحفاظ على نضارة المعنى والمبنى رغم أن القارئ بلغ سن اليأس ، ويستمر بالكتابة؟ يكتب كي لا يتغضن قلمه وتغزو التجاعيد جبين الورق. يكتب كي يمسك بمعصم العقل ويعيده الى رشده حين يصاب الجنون وتجتاحه الفوضى ..كي يخرِج أسرار العلبة السوداء الى العلن وكي يكف العالم من حوله عن البحث عمن يكون، كما يقول الناقد محمد معتصم «بدون الأسرار الخبيئة لا تزهر شجرة النص». ... يكتب كي يوثق لحظة هاربة في زحام اليومي لا تعود بنفس الألق والعنفوان، مثل موظف أرشيف يخشى أن يصيبه الزهايمر، فتختلط عليه الأحداث. كي يحافظ لفنجان القهوة على مذاقه، ولقبلة الصباح على حرارتها، وللغياب على رائحته، وللحب على جذوته. يكتب كي يجد الآخر ظله وصوته حين لا يلتفت إليه أحد..كي يحمي ذاته من الصدأ ومن التصحر، كي يتجدد الدم في شرايين الكلمات ويحافظ على انتظامية جريانه مثل عملية حجامة تقليدية يبحث صاحبها عن خفة دم مفقودة. يكتب لحاجة في نفسه كما ينجذب الطفل الى الألوان فيرسم وجه أمه أو أبيه.. فقط لأنه يحبهما. حين تضيق كل ظلال الغابات عن احتواء صهده...حين يتقلص منسوب الاوكسجين في رئتيه، وتتثاقل خطواته في وحل اليومي وتشده الارض الى الحضيض. يكتب حين يورق القلب وحين يُقفر ..ويتغير مذاق الكرز في فمه... وحين يسكن الحزن مسام الجلد وتقاسيم الوجه.. حتى لا تضيع ملامحه مثل ملاح يعاند اتجاه الريح حتى لا يسرقه تيار جارف يكتب ويوغل في غيّ الكتابة في انتظار عودة الابن الضال: القارئ.