في 1936 كتب الروائي البريطاني الشهير، جورج أورويل، قصة «إطلاق النار على فيل»، وهي قصة كانت تدرس في المدارس ولقيت شهرة كبيرة. كانت بريطانيا تستعمر بورما، وكان أورويل يخدم فيها ضابطا في الشرطة، وقد كرهه السكان المحليون كما كرهوا الأوربيين جميعا لأنهم جاؤوا على ظهر الاستعمار. ذات صباح أبلغ السكان المحليون جورج بأن فيلا أُصيب بالجنون، كما يحدث للفيلة في فترة الشبق الجنسي عادة، وأن الفيل هاج وحطم الدكاكين في السوق، وبث الرعب في القلوب، وأنه كاد يقتل إنسانا أو أنه قتله بالفعل. حين وصل الشرطي أورويل إلى مكان الحادث كان الفيل قد سكن اضطرابه، وربض في سكون في الحقل يأكل العشب. لم يكن في نية أورويل إطلاق النار على الفيل، كان قد هدأ، ولم يعد يشكل خطرا، لكن الجمهور حثه على ذلك. يقول أورويل في روايته: «خطوت في أسفل التل أشعر بشعور الأحمق والبندقية على كتفي والجمع في تزايد واكتظاظ على أثري. وفي اللحظة التي رأيت فيها الفيل علمت بيقين كامل أنه لا يجوز لي أن أطلق النار عليه. فعن بُعد، وهو يأكل في هدوء يبدو كبقرة لا خطر من ورائها، وقد كانت نوبة جنونه قد زالت تماماً. واستقر رأيي على أن أتعقبه بعض الوقت كي أتحقق من أنه لن يبدأ الهياج من جديد ثم أعود إلى البيت. لكنني نظرت آنذاك إلى الجمع خلفي. كان هناك ألف ساكن محلي على الأقل، وكان آخرون ينضافون في كل لحظة. وكان الجميع على يقين بأنني أوشك أن أطلق النار. وكانوا ينظرون إلي كما ينظرون إلى ساحر. واستطعت أن أشعر بإرادتهم الجامحة تحثني بقوة، لا يمكن الصمود في وجهها. توقع الناس مني أن أطلق النار، وكنت مُجبرا على أن أُلبي رغبتهم. إن السيد يجب أن يسلك سلوك السيد، فيجب عليه أن يكون مصمما. إذا ابتعدت عن المكان في عجز سيسخر الجمهور مني، وهذا لا يؤخذ في الحسبان. كانت حياتي كلها صراعا دائما كي لا أكون محط سخرية أو شخصا ضعيفا». وأطلق أورويل النار، وعاد وأطلقها إلى أن سقط الفيل... يروي مرة أخرى: «عشت سنوات طويلة مع تأنيب الضمير، وخطر ببالي مرات عدة أن أحدا ربما لا يعرف أنني أطلقت النار فقط لكي لا يسخر مني من كانوا يحيطون بي، أو يتصوروا أني ضعيف أو أحمق...». انتهى الاقتباس، وهذا وجه الشبه بين فيل أورويل وزميلنا علي أنوزلا، القابع اليوم تحت دائرة استهداف حريته ومسدس قانون الإرهاب فوق رأسه. ليس ضعفا من وزارة العدل والسلطة عموما أن تكف عن إطلاق النار على مدير موقع «لكم»، ولا يجب أن تترك قرارها للغريزة ولا لتحريض الأحزاب التي أصدرت بيانات إدانة لا تساوي ثمن الورق الذي كتبت عليه. ما نشره علي من رابط لتنظيم القاعدة لا يشكل أساسا يقينيا لإدانته بقانون الإرهاب، قلناها ونكررها.. نشر أخبار الإرهاب ليس إرهابا، وهناك نقاش طويل عريض بين المهنيين حول أفضل طريقة للتعامل مع أخبار الإرهاب، لكن أحدا من المنظمات المهنية والحقوقية لا يدعو إلى وضع الإرهابي والصحافي في سلة واحدة، واعتبارهما قنفذين لا أملس فيهما. هذا خطأ، تماماً مثل خطأ إطلاق أورويل النار على فيل بورما تحت ضغط الذين كانوا متعطشين للقتل... إنها سلطة الجماعة على الفرد، وسلطة الغريزة على العقل، وسلطة الانتقام على العدالة... عندما كان علي أنوزلا يخط مقالات نارية في انتقاد السلطة والقصر وقرارات الملك ثم يرجع الصحافي إلى بيته في المساء دون أن يسأله أحد عما كتب، كانت جل المكاسب تذهب إلى الدولة التي تتسامح مع نقد كوخز الإبر، وكان الناس يعجبون بصبر السلطة أكثر من إعجابهم بشجاعة الصحافي، وكانوا يقولون إن هذه علامة قوة وليست مظاهر ضعف. الآن انقلبت المعادلة، صار عنف السلطة تجاه صحافي علامة ضعف وليس قوة، وصارت المكاسب من وراء حادثة السير هذه تصب في خانة القابع في الزنزانة لا في جيب السلطة... لنتأمل الصورة من هذه الزاوية.