«إن الشعر باق وسيظل.. والصورة في السينما والإشهار لا تحقق النجاح إلا إذا كانت فيها لمسة شعر.. ثم إن الشعر ، وإن تراجع قراؤه، فإنه ملازم للإنسان.. والمهرجانات الشعرية مناسبة للتواصل بين الشعراء من جهة، ومن جهة ثانية، مناسبة أيضاً للتواصل مع أصدقاء الشعر الخلص والنقاد والمهتمين». هكذا عبر الشاعر محمد بوجبيري عن بعض انشغالاته الثقافية ، عن علاقاته بالشعر والشعراء وعن مامعنى المكان في الذاكرة.. تفاصيل هذه الأفكار التي سجلها بوجبيري في الحوار التالي: محمد بوبجيري شاعر، هل كان ذلك إرادة، بفِعل اختبار ثقافي أم ورطة أم قدر؟ في البداية كان الأمرُ قدراً، إذ وجدتُ نفسي أكتب من دون توجيه من أحد وأنا في المراهقة. كنتُ ساعتها في بيئة جبلية لغتها الأمازيغية. اطلعتُ آنذاك على بعض مؤلفات جبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي والمنفلوطي ولا مارتين. شُغِفْت بما يكتبون، ومن دون ترتيب وجدتني أخط بدوري أحاسيس وخواطر أتغنى فيها بالطبيعة الجميلة التي نشأتُ فيها وبالحبيبة كما رسمها خيالي الصغير. بعدها نزلت الى المدينة من أجل الدراسة في الثانوي قادتني الصدفة إلى الفقيه بن صالح سنة 1973، وبدأ يتسرب ما أكتب إلى المجلة الحائطية، وكان أحد المشرفين عليها الأستاذ الشاعر عبد الله راجع، الذي توسم خيراً فيما أكتبه، وبالتالي شجعني، صحبة أستاذي محمد العمري وأساتذة آخرين على المُضيِّ في الكتابة. هكذا كان وهكذا صار. لكن ما الذي تبقى بالفعل من الشعر اليوم، حيث يبدو أن السينما و الإشهار والصورة أكلت منه، بل حتى الواقع أصبح شاعريا في الشارع ا لعام ولم نعد بحاجة لأطلال تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد؟ الشعر باق وسيظل. فالصورة في السينما والإشهار لا تحقق النجاح إلا إذا كانت فيها لمسة شعر، أي الجانب الفتان السري فيها. ثم إن الشعر وإن تراجع قراؤه كم نفترض فإنه ملازم للإنسان. يكفي أنه يسمع الأغاني: أهازيج شعبية كانت أو قصائد، أو زجلا أو رابّاً. الشعر حاجة روحية. أما على مستوى الديوان فله قراؤه، وهناك من يبذل جهداً كبيراً لكي يظفر بما تيسَّر منه كلما ظهر إصدار جديد. ويكفي أن الشبكة العنكبوتية فيها الكثير من المساحات الخضراء استنبتها الشعراء لأنفسهم وللعشاق الزائرين لمواقعهم. المهرجانات الشعرية لا تثير احدا،باستثنائك انت ومن معك - وأنا منهم - لماذا هذا الإصرار عليها، هل هي نرجسية ام رفض للموت أم نزهة للاصدقاء المهرجانات الشعرية مناسبة للتواصل بين الشعراء من جهة، ومن جهة ثانية، مناسبة أيضاً للتواصل مع أصدقاء الشعر الخلص والنقاد والمهتمين. هي فرصة للإنصات والحوار. هل يكذب الشاعر على نفسه في ذلك؟ الشاعر يكذب على نفسه إذا كان لا يؤمن بجدوى المهرجانات ويذهبُ إليها. أما إذا كان يرى فيها كما قلت مناسبة للقاء والتفاعل وتابدل الآراء، فهي ضرورية لأن انتفاءها بالكل معناه إقصاء وموت. ثم لا ينبغي أن ننسى أن كثيراً من الصداقات تأسست بناء على هذه المهرجانات. لنكن صادقين، هل نعيش شعريا في عالم اليوم وفي حياتنا الخاصة؟ بشكل عام قد لا نعيش شعرياً في عالم اليوم، لكن في حياتنا الخاصة، نحن الشعراء وغير الشعراء من محبي الشعر، فإن حضوره أكيد، إذ لا يمكن أن يمر يوم بدون قراءة نص شعري، أو استحضار أبيات من خلال الذاكرة أو مرور طيف قصيدة يغري بالكتابة. الشاعر الحقيقي في حالة شعر دائماً حتى ولو لم يكتب. كم مرة شعرت بالحاجة الى الشعر لكي تقول شيئا عاديا مجرد شيء عاد دائما أشعر بهذه الحاجة. إلا أن التقاط العادي اليومي في قصيدة ليس بالأمر الهيِّن. لابد من زاوية نظر خاصة تنفذ الى ذلك الشيء البسيط لتحوله من العابر في اليومي الى المقيم في اللانهائي. ما آخر شيء، غير الدواوين، قرأته؟ كتاب عن «زارادشت الحكيم» فهو رحلة روحية في عالم الإيرانيين القدماء. كما قرأت كتاب »المعرفة والسلطة في المغرب« لكاتبه ديل إيكلمان. و »الرحلة الى الشرق« لهرمان هسه، و »يوميات الأذى« لسعدي يوسف و »الأعمال والأيام« لهزيود. وبين يدي الآن كتاب »من ديوان السياسة« لعبد الله العروي. وما هي الحكمة الأخيرة التي دخلت الى كتابتك؟ الحكمة هي أن أتصالح مع ذاتي، إذ في ذلك مصافحة وُدية للعالم الذي يحيط بي. ذاتي التي كانت حين تستعصي أُشعل فيها الحرائق وأتلذذ بعذاباتها. الآن كثير من السكينة الضاجة بهدير الزمن وهو يكتب ويمحو ويُعيد. - لماذا لا تتحول الى الرواية خاصة وان الشعر عندك فيه الكثير من الحكي ومن الطفولة؟ الرواية ليست أحداثاً وشخوصاً في فضاء وعلائق معينة. قبل هذا وذاك، هي رؤية خاصة للعالم من خلال منظور خاص يقاربُ اللغة بشكل يجعل منها إضافة نوعية. هذا أمر ليس بالشهد ولا يتوفر في كثير من الروايات، أنا لا أفكر في كتابة رواية، وإن كنت حب الحكي كثيرا، أميل في التعبير إليالاختزال والصورة والزمز. - المثقفون صامتون، وبعضهم دخل في غيبوبة نصية، فلا قضايا اللغة ولا قضايا السياسة ولا قضايا المرأة أصبحت تستوجب منهم الكتابة والنقل والتعبير، هل نوشك على الانقراض؟ المثقفون صامتون لأن الواقع أكبر منهم، البعض لا ذبالصمت لأنه - ربما - لم يعد يستوعب ما يجري حوله بعد أن انبت كل المفاهيم إلى ضدها أو علي الأق ل ميعت.. تداخلت الأوراق في لعبة السياسة مما أدى إلى شبه انطفاء كثير من القناعات التي كانت واعدة لكنها لم تعد للأسف. خبث السياسة و مكرها تسرب طيلة سنوات إلى جسم الثقافي فخربه علي مهل من الداخل فكثرت الهرولات والنط علي الحواجز فرأى الذين يحترمون أنفسم أن لا مناص من الوقوف والتريث أو الإنسحاب. وذا انقرضنا ماذا سنفعل؟ هذا افترضا إذا سلمنا به فإننا سنترك وصايا للأجيال القادمة كي تمجد قيم الروح والجمال بعد أن خسرت كل الحروب. لماذا يصر الشاعر على أن يكون اصدقاؤه المفضلون من الشعراء، هل هي القبيلة، ايت بودلير وبنو الطيب المتنبي واولاد سيدي روني شار؟ بالنسبة لي على الأقل، لا أصر على أن يكون أصدقائي من الشعراء فقط. لي صداقات أخرى - وربما كانت أهم في الحياة. ولكن مع ذلك لي صداقات مع شعراء، لا لأنهم من هذه القبيلة أو تلك، وإنما لأنهم أناس رائعون. بالقليل من الجدية، هل يشعر الشعراء اليوم انهم كتلة لا تاريخية معزولة واقلية تحرس النار؟ إنهم - كما تقول - أقلية تحرس النار. والنار - كما تعرف - من دلالاتها أنها تطابق القلب. فهي ترمز إلى الأهواء لاسيما الحب والغضب، و إلى الروح أو المعرفة الحدسية والخيال الملتهب. ويرى باشلار أن الحب هو الفرضية العلمية الأولى لتوليد النار الإنسانية، قبل النار المتولدة من الحطب. الشعر ضمير العالم حتى ولو غدا الشعرآء كتلة لا تاريخية معزولة. لماذا تظل قريبا من الطين،هل الانسان هو اية نفسه؟ الطين بداية ومنتهى، وأنت تعلم جيدا أنه رمز المادة ا لأولي المخصبة، فآدم جبل منها. الطين ارتبط بنشأتي الأولى وأنا طفل أعدو، مع أقراني، طولا وعرضا علي صفقات بحيرة بين الويدان.. كانت سعادة لا توصف حين نخرج من سباحات ونرتمي علي الطين نلهث. هذا الطين تسرب الى مسامي وظل عالقا بالذات، وإلى حد ا لآن كلما زرت بلدتي أحرص علي النزول إلى البحيرة وأمشى حافي القدمين علي ذات الطين الذي كان مرتعا من مراتع الصبا.. وفي النهاية أليس الطين هو ما يلفنا؟ أي تلك الكومة من التراب المبللة بماء الرحمة كي تكون كتلة عازلة لما تحت وما فوق أو بين عالمين. لماذا تظل قريبا من الطين،هل الانسان هو اية نفسه؟ بقي من قصائد الديوان الأول: «عاريا.. أحضنك أيها الطين» شغفي الدائم بعالم باديتي حلوان. فعناصر الطبعية التي أوظفها تشبعت بها روحي هناك إذا قضيت الطفولة والمراهقة بين أحضان جبل في تأمله الأزلي وغابات دائمة الهسيس كلما عنفتها الرياح وبحيرة مسالمة. هذا عدا الطيور ألوانا وأشكالا، المقيمة أو المهاجرة. أما الإنسان فقد كان أقرب الى صورته الأولى قبل أن تلوثه الحضارة.. أي البساطة في كل شيء، والعيش على إيقاع الفصول. وإذا ما كان تمة خلاف فإنه جوهري إذ يتعلق بالأرض. هل لك مدة زمنية في الكتابة، وهل تحتاج الى قاموس مثلا؟ في البداية كنت أكتب بسرعة، ربما كان السبب هو الرغبة في تحقيق الذات، والتواصل مع قارئ مفترض للشعر. الآن فقدت كثيرا من الحماس ولا أكتب إلا إذا ألحت علي القصيدة بإصرار. ربما أيضا لأن رؤيتي للكتابة تغيرت فأنا صرت أميل إلى الاقتصاد في اللغة، وإلى الشعر القريب من الشذرة أو الذي يختزل ما يريد قوله في أقل عدد ممكن من الكلمات. أما القاموس فأعود إليه كلما ساورني شك في كلمة. كأن أضبط دلالاتها المتعددة. ماهي ذكرياتك عن قصائد الآخرين؟ هي قصائد قرأتها ومازلت أعود إليها بين الحين والآخر بدءاً بالمعلقات، مروراً بالشعراء العرب على مر العصور، وصولا الى العصر الحديث والمعاصر.. دون أن أنسى قصائد لشعراء آخرين ينتمون إلى مختلف بقاع العالم. هل شعرت ذات يوم بانك تقرأ للآخرين أشياء منك، وبلغة أخرى، هل تمت سرقتك ذات ليلة شعر؟ حدث هذا على مستوى المعجم، بل هناك من دسَّ في قصيدته مقطعاً بكامله وذو بته بشكل مكشوف. في هذه الحالة أكتفي في قرارة نفسي بابتسامة عريضة. أريد أن اسألك عن محمد بنطلحة، ماهو السؤال الذي تريدني أن أطرحه؟ السؤال الذي كنت أود أن تطرحه علي هو: ما سر الصداقة بينك وبين محمد بنطلحة؟ الجواب هو التواصل الدائم بيننا، وذلك منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن.. كلانا يسأل عن الآخر عن طريق الهاتف والتراسل كلما صدر جديد، ثم اللقاء كلما سنحت الفرصة.. فسي محمد كلما وطأت قدماه الدارالبيضاء يتصل بي بالهاتف ونتواعد على اللقاء. وهذا يحدث لي أيضا كلما وُجدتُ في فاس.. بالإضافة الى الصداقة الشعرية ثمة العلاقة الإنسانية الأخوية الصادقة التي ليس وراءها أي مقصد، غير الحب والتقدير. وعبد الله راجع؟ السؤال هو: بعد مدينة الفقيه بن صالح، وأنت تلميذ آنذاك في الثانوي، كيف ظلت علاقتك بعبد الله راجع فيما بعد؟ بعد الحصول على شهادة الباكالوريا سنة 1975 توجهت الى كلية الآداب بالرباط، كنت أرسل إليه قصائدي وفي وقت وجيز يُعيدها إلي مصحوبة بملاحظاته. كما أنه كان يحدثني في رسائله عن الشعر والشعراء وقراءاته. كان شخصاً استثنائياً. بعد التخرج عُينت في ثانوية بالدارالبيضاء.. كما التحق هو الآخر بثانوية في نفس المدينة كحارس عام.. كنت أواظب على زيارته.. سواء في المؤسسة أو في البيت وأحيانا في المقهى الصغير المجاور للثانوية.. يقرأ لي دائما جديد إبداعه و يستفيض في الحديث، وهو الذي حثَّني على إصدار مجموعتي الشعرية الأولى. التحق بالكلية كأستاذ وظلت نفس العلاقة إلى أن أصيب بالمرض العضال، ففجعنا فيه لأنه رحل قبل الأوان مرت عشرون سنة على رحيله. من يذكر الآن من الشعراء الجدد ديوانه الفريد: الهجرة إلى المدن السفلى وغيره من الدواوين .لا أحد أعاد طباعتها ،ثم ماذا عن الأعمال غير المنشورة؟ متى يفك عنها الحصار؟ إنه بحق غبن وأيما غبن! السفر عند بودلير معرفة مرة، وبالنسبة لك، تبدو سعيدا دائما وأنت تقيم في البيت؟ صحيح ما قلت، أجدني سعيدا وأنا مقيم في البيت، وتحركاتي محدودة لكن هذا الغياب للسفر على مستوى المكان يقابله حضور لسفر من نوع آخر.. إنه السفر عبر القراء ة والمطالعة ومشاهدة الشاشة السحرية أسافر بين الحين والآخر داخل المغرب، في كل مرحلة أسعى إلى معرفة جهة من الجهات الاقامة في البيت تعفيك من ضجيج المدينة وصخبها، تعفيك من الإنصات إلى النميمة في المقاهي ومن الذين أدمنوا الازعاج حد الضجر. كم بلدا عربيا دخل قصيدتك؟ الشعر تجربة لم يتسن لي بعد زيارة أي بلد عربي لذلك لم يحضر أي بلد من هذه البلدان في قصيدة لي في المستقبل ربما إذا أسعف البصر والبصيرة. ومكن بلدا غير عربي؟ زرت المدن الأوربية التالية: غرناطة سنة 1987 ليون وبارس سنة 1990 ولييج وبروكسيل سنة 2004 وهي أسفار خارج اتحاد كتاب المغرب الذي يسافر من خلاله وباستمرار المحظوظون مع العلم أني عضو في هذا الاتحاد منذ سنة 1986. بصراحة. لماذا لا يحتفظ الشعراء بالصداقات يا أخي إلا مشفوعةبالنميمة؟ هذه النميمة تحركها دوافع عدوانية وإن كانت مبطنة بلغة المجاملة بل من هؤلاء من له لسان واحد للمديح وأنت معه وآخر للذم بمجرد أن تنهض من المائدة هناك من يقتات على النميمة. إنها سلاح العاجزين. إنهم الأصدقاء الآلداء على حد تعبير الصديق الشاعر ادريس الملياني. هل تشعر -فعلا- أنك ضروري للقصيدة المغربية؟ لا أتمنى أن يكون ما كتبته وسأكتبه عبارة عن صيحة في واد. لابد أن يبقى شيء ما يدل على الأثر العابر فضاء القصيدة المغربية .التاريخ أحيانا ينصف ويبعث من الرميم والمحو شاعرا لم يلتفت إليه زمانه. ما الذي غيرته فيك القصيدة، وبمعنى آخر ما الذي يجعل القصيدة منعطفا في الحياة؟ - منذ متى لم تقرأ ادونيس؟ عندما نتجاوز المراهقة الشعرية وحماس النشر والقراءات وهلم اندفاع، تصبح القصيدة نوعا من الإنصات إلى ذبيب العالم السري. أي السير الهادى باتجاه الدواخل بحثا عن مصالحة مع الذات وما حولها هذا السلم الداخلي لم يتحقق إلا بعد حروب كثيرة مع الأوهام وخسارات كان لابد منها من أجل إدراك أفضل للعالم. الحقائق لا تضيء إلا إذا نمت فينا يوما بعد يوم.. إنها كتابة التعاقب وما يمحوه على الدوام. - منذ متى لم تقرأ ادونيس؟ آخر شيء قرأته لأدونيس هو ديوان ليس الماء وحده جوابا عن العطش الصادر في أكتوبر 2008 ضمن كتاب دبي الثقافية، وهو كتابة تتقاطع فيها عدة تجارب شعرية ونثرية حكائية سردية وشذرية كما تتقاطع فيها عدة جغرافيات وأزمنة... إنه كتاب ممتع حقا وفيه نتعرف على وجه آخر من وجوه أدونيس أقصد الرسام التشكيلي. إذ صورة / لوحة الغلاف كانت من توقيعه تحت عنوان: كولاج وهي دالة وموحية وفيها ربما الذي استعصى على أدونيس شعرا وتنظيرا. حدثنا عنه ولو قليلا. قرأت له بفضل أساتذتي وأنا في مرحلة الثانوي اندهشت كثيرا لما قرأت له أول مرة لأنه كان يكتب بطريقة غير التي استأنست بها وأنا أقرأ في ذلك الزمن دائما للبياتي ونزار قباني وصلاح عبد الصبور وآخرين كنت .أقرأ دون السعي إلى الفهم. أدركت ساعتها أن عالمه الشعري يحتاج إلى وقت ومعرفة لكنني أذكر أنني أعجبت كثيرا بديوانه أغاني مهيار الدمشقي الذي كتب نصوصه سنتي 1960 - 1961 وكذلك الديوان: كتاب التحولات والهجرة في أقاليم النهار والليل (1961 - 1965). وخاصة قصيدة الصقر التي كنت أحفظ منها هذا المقطع الجميل: لو أنني أعرف كالشاعر أن أشارك النبات أعراسه، قنعت هذا الشجر العاري بالاطفال لو أنني أعرف كالشاعر أن أدجن الغرابة سويت كل حجر سحابة تمطر فوق الشام والفرات لو أنني أعرف كالشاعر أن أغير الآجال لو أنني أعرف أن أكون نبوءة أو علامة نصحت يا غمامه تكاثفي وامطري باسمي فوق الشام والفرات بالله يا غمامة بعد ذلك في الكلية استمعت إليه في قراءات شعرية وعدة محاضرات بعد إصداره لأطروحته «الثابت والمتحول» لكن أول تعارف شخصي كان في باريس حيث زرناه أنا ومجموعة من الأصدقاء في بيته في حي لات يفونس .كان ذلك في صيف 1992 بعد تلك الزيارة بيوم واحد زرته صحبة الصديق عثمان وقضينا معه الظهيرة كلها بعد ذلك خرجنا جميعا إلى محطة المترو وقد أدى ثمن التذاكر، ركب مشوارا ثم قبل أن ينزل لنا على محطة وودعنا بحرارة. كان تلقائيا كطفل عاملنا كما لو أننا نتعارف منذ زمان ينتقل من الجد إلى الهزل بيسر ومن غير عناء. كان سعيدا باقامته في La dèfence فهو حي حداثي في كل شيء.. خاصة على مستوى المعمار وبعض المنحوتات المؤثثة لفضاء العين وقد دلنا أدونيس على واحدة منها وهي لخوان ميرو. بعد باريس كان اللقاء في مناسبات عديدة زار فيها المغرب.