احتضنت المكتبة الوسائطية بالمحمدية يوم الجمعة 18 مارس 2006، لقاء من تنظيم مركز أجيال 21 خصص لتقديم وتوقيع رواية «جراء» جديد الكاتب والشاعر والتشكيلي المصطفى الغزلاني.وقد أدار اللقاء الذي حضره الاساتذة عبد الغني عارف، حميد المصباحي، الصحفية عن جريدة «الاتحاد الاشتراكي» حفيظة الفارسي، أداره باقتدار وفي جو حميمي، الأستاذ الجيلالي بوجو الذي رحب الحضور الذي لا مازال متعطشا للفعل الثقافي، باحثا عن جديده. في البداية ،أثارت الصحفية حفيظة الفارسي، وفي ورقتها التقديمية للقاء، وفاء الكاتب المصطفى غزلاني، كدأبه في كل أعماله الشعرية، الروائية، التشكيلية على وشيجة المكان دافئة، حيث في روايته الجديدة «جراء» حاول الغزلاني سلخ المكان (فضاء القرية) من مورفولوجيته ليصبح حالة اجتماعية وثقافية يتبناها المؤلف ليصدر رؤيته للأشياء وللمجتمع ، مشيرة الى ان الكتابة عن المكان بمعنى من المعاني، تكون أشبه بالهروب منه من الموت، لتتبدى من خلالها العلاقة بالتاريخ وعلاقة الذاكرة بالذات الانسانية. وركزت في مداخلتها على تيمة المكان التي تتكثف من خلال فضاء «ولاد غلام» ، حيث منشأ حكاية عشق ستشكل سنم الرواية من خلال فضاءات «المالحة، سهب لعجول، القصعة، سيدي هوماد» التي حاول من خلالها الكاتب إعادة الاعتبار لفضاء القرية الذي ظل لمدة غير يسيرة مهمشا في المنجز الروائي المغربي لحساب فضاء المدينة الذي شكل للكتاب مشتلا خصبا ومناسبا لتوليد الاحداث، لأنه يمنح مساحة أكبر لتحرك الشخصيات. كما أثارت اعتماد الرواية على تقنية الكاتب السارد الذي يتماهى مع شخصياته ، يتحاور معها، ينفعل، يصمت ليصبح أحيانا جزءا من المكتوب، مشيرة الى أنها طريقة في إدارة السرد تنم عن رؤية وتصور جماليين يقطعان مع أسلوب السرد التقليدي لصالح سرد متواز وتناوبي يروم تحويل الواقع الى نص مجازي له قوة الواقع. ولم تفوت الصحفية حفيظة الفارسي الفرصة دون تسجيل حضور الكتابة وأسئلتها داخل الرواية ووضعية الكتاب وأزمة القراءة ومسألة الكتابة والاخلاق، لتتطرق في الأخير الى موضوعة الحب والحرية داخل الرواية ، مؤكدة ان الحديث عن أحدهما لا يستقيم في غياب الآخر. الاستاذ حميد المصباحي، أستاذ الفلسفة والمتخصص في علم الاجتماع، انطلق في قراءته لرواية «جراء» من التمييز بين تصورين في الكتابة: واحد عالمي كوني والثاني مغربي عربي، وداخل هذا التميز المغربي في العالم العربي - رغم تحفظه على تسمية أدب مغربي - بدأت بعض التمايزات في السنوات الاخيرة تخط ملامح وإن كانت عامة، فهي تمضي في اتجاه بروز لغة وفي اتجاه أشكال تجريدية ترسم حدودا فاصلة بين الكتابة العربية وبين الكتابة الشمال الافريقية، مضيفا أن هناك مشكلا تعيشه الرواية ويظهر من خلال طرح السؤال: هل الروائي مؤرخ ؟ هل سيدخل إلى التاريخ من باب الكشف عما ظل خفي لسنوات أو من أجل الكشف عن تناقضات الأحداث التي عاشتها البشرية؟ و هل من الضرورة للروائي أن يتحول إلى شاعر؟ وألا نجد في الرواية إلا التعبير عن كل ما هو جميل مع تجاهل تام وقصدي في العالم لما عرف بقتل الحكاية، متسائلا: هل الفكر كما قيل قديما ابن المدينة والفلسفة ابنة المدينة، وضمن هذا التصور التمييزي، اعتبرت القرية لا تنتج الرواية وهذا رهان بدأ في مصر وتوفقت فيه، وامتد الى شمال افريقيا وهذا الرهان هو ما تراهن عليه رواية «جراء» للمصطفى الغزلاني كما راهن عليه في « بيض الرماد « من قبل، وذلك يعني أن هذه القرية التي يتحدَث عنها خارج الحضارات، يمكن أن تكون حافزا عن الابداع بعلاقاتها بوقائعها، بل حتى جذور الكتاب، مستحضرا القرية كدافع وكموضوع للتفكير الروائي من حيث اللعب على الشخص المضاعف الذي يظهر في شخص السارد (اسمه يوسف واسمه «لمهف» واسمه ولد «الشيظمي»)، وكأنه عندما يكون واقفا يتخذ اسما وعندما يكون جالسا يتخذ اسما لا ، وعندما يتخذ الكرسي الرباعي ويضع رجلا على رجلا أنذاك يتحول الى يوسف وتصير له سلطة هؤلاء الذين يكتبون أو يجلسون على المكاتب ، معتبر أن الرواية تجربة تريد أن تكتب عن الحب في هذا المدى اللادينامي في القرية الذي يحتاج معه الانسان الى هذه العواطف لكي لا يأسر نفسه، مشيرا إلى أن هذه المضاعفة تنحو الى المفارقة حتى في الكتابة التي ستعيش هذه المضاعفة من خلال رسم مستقبل الشخصيات بناء على الماضي لهذه الشخوص وهو ما يدفعها الى التمرد، ويدفع الكاتب الى التدخل بين الفينة والاخرى ليطل بمنظار المنظر الناقد الأدبي، مثيرا مسألة عدم التفكير بالشخوص داخل الحكاية. في مداخلته الموسومة ب»من ينتصر في الكتابة الروائية: الكاتب أم الشخصيات؟»، اعتبر ذ. عبد الغني عارف رواية «جراء» نصا يشتغل على ذاته لأنها تلقي الضوء على المنطقة الظليلة من فعل الكتابة بكل ما يختمر داخل هذا الفعل من صراع ودهشة وتوتر ومفاجآت، أي في ما يمكن تسميته في النهاية عصارة الإبداع. فلكي يتحكم الكاتب في الصعوبات التي يطرحها الاختيار الفني الذي تبناه، فقد التجأ إلى توظيف تقنية السرد المتداخل، باعتبارها نوعا من السرد تتعدد فيه الأصوات التي تنتج فائض الحكي. وبناء عليه يمكن أن نصنف الرواية من هذا الزاوية ضمن ما تسميه بعض الدراسات بالميتارواية، على غرار الميتالغة، أي أننا بصدد رواية تتحدث عن صنعة الرواية في الجانب المتعلق بخلق الشخصيات وتوزيع الأدوار بينها. «إننا أمام سرد ثنائي الاتجاه، رواية تُحكى داخل رواية، والخيط الرابط بينهما هو الشخصيات التي تتوزع بين فضاءين حكائيين متوازيين ومتداخلين في الآن نفسه. وهذا النوع من الكتابة يستدعي يقظة فائقة لدى القارئ المتلقي من أجل تجميع خيوط السرد عبر آلية التأويل المستمر للأحداث، مركزا على البناء الفني لهذا النص، وأساسا بنقطة حساسة في الكتابة الروائية وتتعلق بالكيفية التي يتم بها بناء الشخصيات وتشكلها في عمل روائي ما، ومقرا بأن رواية «جراء» على الرغم من صغر حجمها الظاهر شكلا، فإنها متعبة على مستوى التلقي والقراءة، ليس بالمعنى السلبي للكلمة، ولكن بالمعنى الذي يفيد أن قراءتها، فضلا عن كونها ممتعة ومدهشة وجذابة، فهي تتطلب حضورا ذهنيا يقظا لدى القارئ، بالنظر إلى طبيعة اللغة التي استخدمها الروائي في نسج متواليات الأحداث، متسائلا عن طبيعة المعجم الذي كتب به هل هو معجم تراثي أم معجم «حديث «.. بالإضافة الى دهشة العنوان: «جراء» الشخصية المحور في الرواية، مشيرا الى أن من المهام الصعبة أيضا التي تواجه عادة الروائي هي خلق الانسجام بين شخصياته. ...هذه الشخصيات التي في كثير من الأحيان تفضح الكاتب وتعري نواياه أمام القارئ حينما تكون ناطقة بما لا يريد أن ينطق به، أو بما لا يريد أن يحسب عليه تصورا وموقفا، وهي بذلك تزيح الستار عن المنطقة المعتمة في وجدان وفكر الكاتب الروائي. وفي هذا الصراع، يشعر الكاتب أنه انتصر وأن شخصية من شخصياته أصبحت طوعا ، لكن في الصفحات الأخيرة من الرواية ، سيفتضح أمر الكاتب الذي كان يتوهم أنه تحكم في شخصياته ويرسم مساراتها وينحت كينونتها ليكتشف في الأخير أنه أصلا لا يعرف عنها شيئا. تنفلت شخصياته من عقال تحكمه، تمضي نحو أقدارها بمحض إرادتها. ذ. عارف طرح في الاخير سؤالا مفتوحا: في الكتابة الروائية من يخلق حقيقة الآخر؟ .. هل الكاتب هو الذي يخلق شخصياته أم أن الشخصيات هي التي تصنع الكاتب؟ ليخلص الى ان الكاتب والشخصيات في جراء ينهزمان معا لينتصر فعل الكتابة، مختتما مداخلته بأن المغامرة التي تكشف عنها رواية «جراء» لا تنحصر فقط في كونها مغامرة الكتابة، ولكن أيضا هي مغامرة صناعة الحب. الكاتب المصطفى غزلاني، اختتم اللقاء بورقة شاعرية عن دوافع اختيار العنوان، ذات حلم أزرق، ليمر الى حفل توقيع روايته متمنيا للجميع قراءة ممتعة بصحبة «جراء». (صحفي متدرب)