تجاذب المرجعيات في السرد القصصي النسائي إذا كان الإلتباس حاصلا في أن ما ينتجه القاص(ة) المغربي(ة) يمكث بعيدا عن الواقع والمجتمع، نجد أن القاصة المغربية تحاول في حكيها النظر إلى واقعها ومجتمعها انطلاقا من مرجعية عامة رهنت واقع النساء المغربيات، وما تزال تحدد تحركات القاصة، كما تحدد مفهوم التلقي للأدب النسائي، فالقاصة تُشْعِرُك بمعاناتها وهي تصف علاقتها الحميمية مع الأشياء، لقد حكت القاصة المغربية الزهرة رميج، فوظفت الصورة التي ينظر منها الرجل للمرأة واستدمجتها عبر التخييل القصصي، وهي نظرة ذاتية لهذا الواقع ولكنها تختزل الوعي النسائي العام اتجاه هذا الواقع الذكوري، فاستطاعت بذلك أن تبني بعدا تخييليا خاصا بها نجحت في أن تهز به ذاكرة المتلقي، وتخلخل اطمئنانه إلى القيم الذكورية الموروثة التي تشبَّع بها وتعصب لها دون وعي منه. ويكمن نجاح التخييل القصصي للزهرة رميج، في زعزعته قناعات المتلقي الذي لا يرى في المرأة سوى جسدا فاتنا يفيض إغراءا وشهوة، ففتحت المتخيل على عالم المرأة الداخلي من بيت ومطبخ وتجارب الحمل والوضع والرضاعة، وعلى علاقة الأم بأطفالها، فكان هاجس «أنين الماء» هو التوجه نحو الشأن العاطفي والداخلي للمرأة، وما اشتغالنا على مجموعة الزهرة رميج إلا مضاعفة الاهتمام النقدي الذي نتبناه والمشتغل على توظيف مقاربة النوع، على المستوى التطبيقي لاكتشاف البعد التخييلي واللاواعي في النص النسائي، من أجل الوصول إلى البؤرة التي تحدد هوية الأنثى داخل المنطق الذكوري العام، الذي يفرض عبر آليات رمزية ثبات هويته واستمرارية خطابه. مرجعية الخطاب السردي عند الزهرة رميج إن التناول النقدي للكتابة القصصية يعد فعلا تأويليا محايثا للنص الأصلي، من حيث أن التعاطي مع الكتابة السردية بما هو فعل حكي، يفترض استحضار المنطلقات الفكرية والاجتماعية التي سبقت فعل الكتابة أو تزامنت معه، ولعل تناول المرجعية القصصية تناولا دلاليا يفترض منا الوقوف على مجمل النسق الفكري والأدبي واللغوي المحيط بالمبدع نظرا لما يشكله ذلك النسق من فضاءات للتدليل داخل النص، حيث يتم تدشين الخصوصية الدلالية والجمالية وتذويب تلك المسافة القائمة ما بين: أولا :المرجعية الاجتماعية للحكي. ثانيا: التقنيات التي تخطت فيها القصة القصيرة أطرها التقليدية وعملت على تقنية الاختزال، وانفتحت على تقنيات الحساسية الجديدة والمنولوج الداخلي، والحضور القوي للأحلام مع تداخل الأزمنة التي كسرت نمطية الحكي فتفتت معها الأحداث والشخصيات، وتجاوز اللغة المنتمية إلى ذاكرة التلقي التي تنتمي إلى آليات السرد الداخلي، والرؤية بعين الباطن والحدس، فحلت التفاصيل محل الشخصية واللغة الشعرية محل السرد المباشر، وتشظي المعاني محل وحدة الدلالة. ثالثا: فعل التخييل الذي يلقي بظلاله على مسافة النص التي نهلت من المرجعيات المجتمعية بكل ضروبها الاجتماعية والثقافية والسياسية والفكرية والتي تؤثر بدورها على ما يمكن للذات أن تختزنه، وما يمكن أن تمنحه لمسافة المتخيل كمعطى قبل- نصي، عبر رؤية وتصور لا يمتلك فيهما الكاتب سوى الرؤية الخاصة التي يحققها النص، وتعتبر الذات الفاعلة من بين المعطيات الماقبل نصية التي يناط بها لوحدها تحديد فعل التخييل وتحقيق جدواه، وهي تنخرط في النص على المستوى الفني والأسلوبي، ويبقى أن الذات المبدعة تنتهج أسلوبها الخاص في التعامل مع اللغة عبر تفعيل نسق خاص من العلامات تمنحه الذات شرعيتها بحسب تجاوزها مركزية النسق اللغوي، لتأسيس الانسجام ما بين موضوع النص وما بين الأساليب الفنية المكونة لنسيج النص، ولو كان ذلك الانسجام بعيدا عن التحقق والحضور وقريبا من الانفلات المائز الذي تحققه اللغة الشعرية لتُبعد موضوع النص من مباشريته. ولئن شكلت العلاقة بين الذات والجنس الأدبي خصوصية ما يمكن أن يربط في علاقة وشيجة بين هذين المكونين، يبقى للبعد الاجتماعي للأنواع دورا منهجيا ومرجعيا يغطي على دور الذات المبدعة في تحقيق تلك الأنواع. ويعتبر الجنس الأدبي من بين المعطيات ما قبل نصية بالنسبة للمتلقي والناقد على حد سواء، وهو الأمر الثابت الحضور تقنيا وفنيا، لكن معطى الذات المبدعة لا يستسيغ السكون فهو يجدد إمكاناته التجريبية غير المحدودة باستمرار. والقاصة الزهرة رميج في مجموعتها «أنين الماء» استطاعت في عدة مرات أن ترسم لنا صورة عن المجتمع المغربي وفق هندسة سردية واضحة الخطوط والألوان، تتماشى مع الغاية من الحكي كحصول المتعة لدى المتلقي بالقصص التي تقدمها لنا الحياة بطرق عميقة في تباينها. كما نجد بين المجموعة مساحة شاسعة من الاشتغال على تقنية اٍلتقاط التفاصيل ومفارقات الحياة اليومية، ومحاولة تعرية غوامضها ليظهر أنه بالإمكان الإخلاص لقضية المرأة بين ثنايا عمل فني، سردي يرصد استلاب الأنثى ومصادرتها كهامش من طرف المركزية الذكورية، وبالتالي العمل على إخراجها من مُسْحَة الاغتراب ورومانسيته التي مست ذات الأنثى ومحيطها. ولقد صورت القاصة الزهرة رميج سيادة الفكرة في قصصها بشكل ملفت للنظر، في رؤية مجتمع النساء المغربيات، في صراعهن ضد الصور النمطية التي بناها المجتمع عن حيواتهن الإجتماعية، حيث كل شيء محفوظ في قارورة الذاكرة الإجتماعية العامة، وحيث تنعدم صفة أن تكون المرأة ذات خيال وقدرة على الابداع. لكن متعة التلقي التي تتركها قصص الزهرة رميج في نفسية المتلقي، هي الموقف الإنساني الذي تعبر عنه هذه المجموعة «أنين الماء» حيث ينخرط المتلقي في بنية الحكي ويستمتع بصورته الخاصة التي يكونها من خلال هذه القصص المتعددة السطوح، ومن الفرضية التي تتشكل بفعل القراءة، وخاصة بعد أن تنكشف خطة الحكي الأساسية التي تجمع بين الشخصيات والأحداث، هذه التقنية التي استطاعت القاصة أن تحدث بها علاقة وطيدة مابين التكثيف اللغوي وكثافة الأحداث والفكرة والموضوع حيث استطاعت أن تجعل من العالم المسرود وحدة كتابية قصيرة : unité d'écriture Petite. فإذا بحثنا عن مرجعية القصة القصيرة عند الزهرة رميج التي تستقي منها الكاتبة فرادة خطابها الذي يمنح المتلقي آليات فهمه، نجد أن علاقة القاصة بالمرجعية الإجتماعية تمنح المرجع النصي تشكله الشخصي كي يصبح مستقلا عن المرجعية ذاتها لكاتبه ولا يحيل في فهمه واستيعابه على ما يوجد خارجه. ولهذا نجد أن البناء السردي في قصص «أنين الماء» لا يدعو لتغيير المجتمع بالمفهوم الوعظي، بل ينسج ذاته انطلاقا من مرجعية ذاتية تحاول أن تجعل من تقنية السرد أفقا للمغايرة، والتي تجعل القصة مرجع ذاتها ولا تعكس إلا ذاتها. ففي قصص الزهرة رميج «أنين الماء»، نلمس ذلك الاهتمام بالحياة الإجتماعية وبأنماط سرد ينطلق من رؤية خاصة للقاصة تجعلها تتجه نحو الفرادة والتفرد، برصد علاقة السارد(ة) لديها، بحكي من وجهة نظر مؤنثة، تعتنق التفاصيل لتخيط منها عالما نسائيا يحتل فيه الجسد الأنثوي دليلا لتحرك الذات، بالرغم من أن جل قصص «أنين الماء» لا يمكن اختزالها في الإستيهامات الجسدية التي يتلقاها القارئ وترتسم في ذهنه. إن القصة سرد لأحداث منظمة في زمنها وزمن وقوعها كما يقول فورستر، وهي كذلك كذبة يتفق على صدقها القاص والمتلقي حسب تعبير أنطوان تشيكوف، هذه الكذبة السردية التي لا تخلو عند الزهرة رميج من نقل وقائع اجتماعية فيها الكثير من الحقيقة والنزوع المتنامي للمساءلة والبحث في الهوية والذات والمجتمع، وهي كلها أسئلة نستطيع الآن أن نقارب بها القصة النسائية المغربية القصيرة، وأن يكون النقد الجندري المعتمد على مقاربة النوع منتجا للدلالة العميقة التي يزخر بها الأدب القصصي النسائي، ويجعل الخلفية الاجتماعية ذات علاقة بمستويات النص القصصي فكريا وفنيا ووجدانيا. وبالتالي علاقة النص بالتحولات الممكنة في المرجعيات المتوقعة والمتخيلة للمتلقي وخاصة التطور اللغوي للمفاهيم والسياقات.