تجتاح المجتمعات العالمية اليوم تيارات فكرية متشددة تولد عنها التطرف والإرهاب والعنف ، مما دفع الكثير من الأصوات إلى تحميل المناهج الدراسية والمقررات والأساليب التربوية مسؤولية الفشل في تحصين الناشئة من التيارات الهدامة والتصدي لمظاهر الإقصاء والتطرف.وأمام هذه التحولات القيمية المجتمعية والتطرف الديني انبثقت عن بعض اللقاءات الفكرية والتربوية توصيات تدعو إلى إعادة النظر بجرأة في المناهج الدراسية والكتب المدرسية ومراجعة المضامين والكتب المدرسية لصالح قيم التسامح والاعتدال واحترام الآخر. وفي المغرب تأتي المبادرة الملكية في سياق دولي يتهدد الإرهاب والتطرف يوميا مجتمعاته ، ويشكل الأمر الملكي الموجه لوزيري التربية والأوقاف بمراجعة المناهج وبرامج تدريس التربية الإسلامية في التعليم العمومي والخصوصي حدثا متميزا لكونه يدعو إلى تكريس قيم التسامح والاعتدال في اتجاه إعطاء أهمية أكبر للتربية على القيم الإسلامية الداعية إلى الوسطية والاعتدال وإلى التسامح والتعايش مع مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية. كما يأتي الأمر الملكي على خلفية عدد من الدعوات المتجددة التي تحذر من تدريس التربية الدينية في المدارس المغربية وفق منهج قد يؤدي إلى نزعات متطرفة أو تشجع على الإرهاب، مما يستدعي تحصين الناشئة بالقيم الأصيلة للشعب المغربي والتشبع بمقومات الهوية الوطنية الموحدة الغنية بتعدد مكوناتها ، وتعزيز التفاعل الإيجابي والانفتاح على مجتمع المعرفة والحداثة ومستجدات العصر باعتماد مناهج ومقررات تهدف إلى ترسيخ الفكر العلمي والنقدي وبناء المواطنة، وفي هذا الاتجاه، دعا نداء مراكش التاريخي لحقوق الأقليات الدينية في العالم الإسلامي إلى ضرورة تأسيس تيار مجتمعي عريض لإنصاف الأقليات الدينية في المجتمعات المسلمة ونشر الوعي بحقوقها، وتهيئ التربة الفكرية والثقافية والتربوية والإعلامية الحاضنة لهذا التيار، وعدم توظيف الدين في تبرير أي نيل من حقوق الأقليات الدينية في البلدان الإسلامية. ودعا المؤسسات العلمية والمرجعيات الدينية للقيام بمراجعات شجاعة ومسؤولة للمناهج الدراسية للتصدي لأخلاق الثقافة المأزومة، التي تولد التطرف والعدوانية، وتغذي الحروب والفتن. كما ناقشت اللجنة الوزارية العربية المعنية بدراسة واقع التعليم العام في الوطن العربي خلال اجتماع انعقد مؤخرا بالأردن سبل تطوير التعليم العام و الارتقاء بالمنظومة التعليمية في الدول العربية ، في إطار توجه عربي مشترك لتقييم واقع التعليم العام في الوطن العربي ومعالجة الاختلالات ونقط الضعف والتحديات التي تواجهه لتعزيز مسيرته في بناء الأجيال العربية التي هي في حاجة إلى إصلاح منظومة التربية والتعليم والانفتاح على تجارب العالم والاستفادة منها، مبينة أن مسؤولية الأجيال تستدعي تحقيق النقلة النوعية في التعليم باعتباره قضية مجتمعية وطنية تحتاج إلى رؤية غير تقليدية تقود إلى تحسين نوعي في الأداء والإنتاجية،كما دعت إلى فهم عربي مشترك للتحديات التي تواجه التعليم والتصدي لمظاهر الإقصاء والإرهاب والغلو والتطرف وعدم قبول الآخر، والمبادرة إلى إعادة النظر في المناهج الدراسية في دولنا العربية لبناء أجيال محصنة ضد هذه المفاهيم الدخيلة على قيمنا ومجتمعاتنا، إلى جانب التركيز على قيم التسامح والحوار والنقد البناء والعيش المشترك ، كما شددت على أن إصلاح وتطوير التعليم لا يمكن أن يتم بالعواطف والمجاملات، بل من خلال الجرأة في اتخاذ القرارات العلاجية المدروسة والقدرة على تنفيذ قرارات الإصلاح في عالمنا العربي.