دعا المشاركون في أشغال مؤتمر "الأقليات الدينية في الديار الإسلامية..الإطار الشرعي والدعوة إلى المبادرة" مختلف الطوائف الدينية التي يجمعها نسيج وطني واحد إلى معالجة صدمات الذاكرة الناشئة من التركيز على وقائع انتقائية متبادلة ونسيان قرون من العيش المشترك على أرض واحدة، وإعادة بناء الماضي بإحياء تراث العيش المشترك ومد جسور الثقة بعيدا عن الجور والإقصاء والعنف. كما دعا المشاركون في ختام هذا المؤتمر، الذي نظم على مدى ثلاثة أيام بمدينة مراكش (25-26-27 يناير الجاري) وتوج بإصدار "إعلان مراكش لحقوق الأقليات الدينية في العالم الإسلامي"، ممثلي مختلف الملل والديانات والطوائف إلى التصدي لكافة أشكال ازدراء الأديان وإهانة المقدسات وكل خطابات التحريض على الكراهية والعنصرية، مؤكدين على عدم جواز توظيف الدين في تبرير أي نيل من حقوق الأقليات الدينية في البلدان الإسلامية.
وتضمن الإعلان، أيضا، دعوة علماء ومفكري المسلمين إلى أن ينظروا لتأصيل مبدأ المواطنة الذي يستوعب مختلف الانتماءات بالفهم الصحيح والتقويم السليم للموروث الفقهي والممارسات التاريخية وباستيعاب المتغيرات التي حدثت في العالم، وكذا مطالبة المؤسسات العلمية والمرجعيات الدينية بالقيام بمراجعات شجاعة ومسؤولة للمناهج الدراسية للتصدي للخلل في الثقافة المأزومة التي تولد التطرف والعدوانية وتغذي الحروب والفتن وتمزق وحدة المجتمعات.
ووجهت الدعوة أيضا إلى الساسة وصناع القرار لاتخاذ التدابير السياسية والقانونية اللازمة لتحقيق المواطنة التعاقدية، ودعم الصيغ والمبادرات الهادفة إلى توطيد أواصر التفاهم والتعايش بين الطوائف الدينية في الديار الإسلامية.
وشملت التوصيات، أيضا، دعوة المثقفين والمبدعين وهيئات المجتمع المدني إلى تأسيس تيار مجتمعي عريض لإنصاف الأقليات الدينية في المجتمعات المسلمة ونشر الوعي بحقوقها وتهيئ التربة الفكرية والثقافية والتربوية والإعلامية الحاضنة لهذا التيار.
وشدد المشاركون، من جهة أخرى، على ضرورة التعاون بين جميع أهل الأديان وحتميته واستعجاليته في ظل مختلف الأزمات التي تهدد الإنسانية، مبرزين أن هذا التعاون يتعين أن يقوم على كلمة سواء مبنية لا على مجرد التسامح والاحترام بل على الالتزام بالحقوق والحريات التي لا بد أن يكفلها القانون ويضبطها على صعيد كل بلد.
وأكد "إعلان مراكش" على ضرورة اعتبار "صحيفة المدينة" التي أقرها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لتكون دستورا لمجتمع متعدد الأعراق والديانات، الأساس المرجعي المبدئي لضمان حقوق الأقليات الدينية في العالم الإسلامي، مشيرين إلى أن مقاصد هذه الصحيفة تعد إطار مناسبا للدساتير الوطنية في البلدان ذات الأغلبية المسلمة وينسجم معها ميثاق الأممالمتحدة ولواحقه كإعلان حقوق الإنسان مع مراعاة النظام العام.
وتميز هذا المؤتمر، الذي نظمته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ومنتدى تعزيز السلم بالمجتمعات الإسلامية (الإمارات العربية المتحدة) تحت الرعاية السامية لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بمشاركة حوالي 300 شخصية من علماء المسلمين ومفكريهم ومفتيهم على اختلاف مذاهبهم وتوجهاتهم من أزيد من 120 بلدا، إلى جانب ممثلي الأديان المعنية بموضوع المؤتمر من داخل العالم الإسلامي وخارجه، وممثلي الهيئات والمنظمات الإسلامية والدولية.
وشكل مؤتمر مراكش، الذي تميز بتنوع ومستوى المشاركين، لحظة قوية لترسيخ روح الاعتدال ولاستدامة احترام حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية.
وشمل برنامج المؤتمر عددا من الجلسات العامة تطرقت، بالخصوص، ب"التأطير والتأصيل لقضية الأقليات الدينية في الديار الإسلامية" و"المواطنة والآخر في الرؤية الإسلامية" و"التعايش في التجربة التاريخية الإسلامية".
وتناول المشاركون خلال هذه الجلسات إلى جانب عدد من الورشات مجموعة من المواضيع همت "أسس المواطنة التعاقدية من خلال وثيقة المدينةالمنورة"، و"عرض أعمال المستشرقين حول وثيقة المدينة"، و"آفاق المواطنة في الفكر الإسلامي المعاصر"، و"الآخر في الرؤية الاسلامية"، و"ضمانات المواطنة لدى الأديان"، و"التجربة التاريخية للمملكة المغربية في التعايش بين الأديان"، و"أسس وأهمية الوئام والمحبة بين المواطنين والتضامن بين الأديان"، و"الإسلاموفوبيا وغيرها من أنماط الكراهية وآفاق العمل المشترك".