انطلقت بمراكش صباح الاثنين 25 يناير أشغال مؤتمر حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية: الإطار الشرعي والدعوة إلى المبادرة، الذي تنظمه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بشراكة مع مؤسسة منتدى تعزيز السلم بإمارة أبوظبي، بمشاركة عدد من الشخصيات الرسمية و العلمية والدينية والأكاديمية . وتميزت الجلسة الافتتاحية بالرسالة التي وجهها جلالة الملك إلى المشاركين في المؤتمر والتي حملت مضامين قوية ترسخ الرؤية المتسامحة للدين، وتبرز معالم واجب التعايش الذي يوجه تعامل المسلم مع غيره من أتباع الديانات المختلفة . وقال جلالته في رسالته التي تلاها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد توفيق، إن موضوع حقوق الأقليات الدينية في البلاد الإسلامية ما كان ليطرح من الناحية المبدئية بالنظر لما هو معروف من أحكام الإسلام وهديه وتراثه الحضاري في هذا الباب، ولكن الوقائع التي دعت إلى طرحه في هذه الظروف تستدعي من المسلمين أن يوضحوا أنها وقائع غير مستندة إلى أي نصوص مرجعية في الإسلام. وأن يُبينوا، إن كان الأمر يحتاج إلى بيان، أن لبعض تلك الوقائع التي تقنعت بالدين سياقات وحيثيات لا تمت إلى الدين بصلة . وأوضح جلالة الملك في رسالته أن تاريخ المغرب عرف نموذجا حضاريا متميزا في مجال تساكن وتفاعل المسلمين مع أهل الديانات الأخرى ولاسيما اليهود والنصاري، ومن العهود المشرقة في تاريخ هذا التساكن ما أسفر عنه الالتقاء على صعيد بناء الحضارة المغربية الأندلسية حيث ازدهرت بين مختلف الطوائف، المبادلات التجارية والصناعات والفنون وتبادل ثمرات الحكمة والفلسفة والعلوم . وأضاف جلالته «إننا بوصفنا أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين نضع على عاتقنا حماية حقوق المسلمين وغير المسلمين على السواء ، نحمي حقوقهم كمتدينين بمقتضى المبادئ المرجعية الثابتة، ونحميهم كمواطنين بمقتضى الدستور ولا نجد في ذلك فرقا بحسب المقاصد و الغايات ..». وأكد جلالة الملك في رسالته أن المغرب كان سباقا إلى الحوار بين الأديان، مشيرا إلى أن تدبير الشأن الديني بالمملكة في الوقت الراهن يجعل من أهدافه الرئيسية منع العبث بتأويل النصوص الدينية، ولاسيما ما يتعلق منها بالجهاد الذي أصدر فيه علماء المغرب بيانا قويا . وألح جلالة الملك في رسالته على أهمية تعاون جميع الأديان وحتميته واستعجاليته، لمواجهة كل الأزمات التي تهدد الإنسانية، وذلك من خلال التعاون على كلمة سواء قائمة لا على مجرد التسامح و الاحترام، بل على الالتزام بالحقوق والحريات التي لابد أن يكفلها القانون ويضبطها على صعيد كل بلد . مستطردا أنه لا يكفي مجرد التنصيص على قواعد التعاون بل يقتضي قبل كل شيء التحلي بالسلوك الحضاري الذي يقصي كل أنواع الإكراه والتعصب والاستعلاء . داعيا جلالته المؤتمرين إلى إصدار بيان قوي في الموضوع . ويناقش المشاركون في المؤتمر مجموعة من القضايا المرتبطة بمحوره العام، من ضمنها التأطير والتأصيل لقضية الأقليات الدينية في الديار الإسلامية، والمواطنة والآخر في الرؤية الإسلامية، والتعايش في التجربة التاريخية الإسلامية، ومن النتائج العلمية المرتقبة لهذا الحدث الهام إصدار وثيقة إعلان مراكش. ويعتبر هذا المؤتمر إحدى حلقات مشروع تجديدي كبير يروم وضع تصور جديد للمواطنة في الدول ذات الأغلبية المسلمة، يوافق التراث الإسلامي ويتوافق مع السياق الحضاري المعاصر. و يتوخَّى المؤتمرالإثبات بالدليل الشرعي، أن اضطهاد الأقليات الدينية وكافة أشكال العدوان عليها، مخالف لقيم الإسلام الذي أقرَّ للأقليات الدينية حقوقها الدينية والثقافية والسياسية، ووفاء بتجربة الأمة في التعايش والتسامح مع الأقليات، فضلا عما تقتضيه الأخوة الإنسانية والمواطنة من مساواة في الحقوق والواجبات. ومن المنتظر أن يكون إعلان مراكش لحظة تاريخية فاصلة من أجل إبراز القيم الإنسانية والإسلامية في واجب التعايش والتعامل الحسن مع سائر أتباع الديانات البشرية، ويستنهض فعاليات المجتمعات المسلمة ويستحثها نحو خلق تيار مجتمعي عريض لحماية الأقليات الدينية في البلدان المسلمة، ويسعى هذا الإعلان أيضا بتأثيره المجتمعي إلى حض الأفراد والمجموعات والدول على ابتكار الصيغ والمبادرات التي تعزز ثقافة التعايش وحماية الأقليات. وسيصدر هذا الإعلان باتفاق ومصادقة جميع الحضور من العلماء وصناع القرار المسلمين وبمباركة القيادات الدينية من غير المسلمين..وبذلك يكون إعلان مراكش التاريخي بمثابة التفعيل المعاصر لوثيقة المدينةالمنورة على صعيد الممارسات . وتم التحضير لمؤتمر مراكش لكي يكون الأول في سلسلة من المؤتمرات يكون ثانيها حول الأقليات المسلمة في البلاد ذات الأغلبية غير المسلمة وواجب التعايش والاندماج الإيجابي، ثم مؤتمر يتجاوز قضية الأقليات إلى تقديم تصور جامع لقضية المواطنة وعلاقة الدولة الوطنية بالدين. هذه الحلقات تتكامل لإخراج إطار شرعي للمواطنة التعاقدية يصالح بين الانتماء الديني والدولة الوطنية المعاصرة . ويشارك في هذا المؤتمر ما يناهز50 عالما ومفكرا مسلما و40 من الوزراء والرسميين من مختلف دول العالم الإسلامي و100 من ممثلي الأقليات غير المسلمة بجميع طوائفها ومللها، ومن ممثلي الأممالمتحدة والمنظمات الدولية وممثلي الهيئات المدنية الناشطة في مجال حوار الأديان.