قرأت خبرا في إحدى الجرائد الالكترونية يقول إن وزارة الثقافة اتخذت هذه السنة تدابير مشددة لتفادي دخول الكتاب المتطرف الى المغرب ومنه الى معرض الكتاب الذي سيقام منتصف شهر فبراير الحالي . و المقصود بالكتاب المتطرف هو كل كتاب يحمل بين دفتيه ثقافة التحريض على الكراهية والعنف .ونتساءل هنا كيف ستتوصل وزارة الثقافة الى معرفة أن كتابا ما يحمل فعلا افكارا متطرفة ضمن عدد هائل من الكتب وتحكم عليه بعدم الدخول الى التراب الوطني ومن ثم عدم المشاركة في المعرض؟، هل انطلاقا من مرجعيته ام من اسم صاحبه أم من عنوانه ام من تأويلات قارئه أم أن الوزارة تتوفر فعلا على قائمة مضبوطة للمؤلفين المغضوب عليهم رسميا في جميع الدول العربية والاسلامية والذين عرفوا في الاوساط الثقافية والدينية على الخصوص بنزوعهم الفكري والديني المتطرف، وبالتالي أصبحوا علامات بارزة ومعروفة في الساحة وجب التضييق على تحركهم وامتدادهم في المشهد الثقافي ؟ وحتى اذا سلمنا جدلا بأهمية وضع الكتب المتدفقة نحو المغرب بمناسبة معرض الكتاب تحت عيون أجهزة السكانير الكاشفة قبل أن نضع عليها طابع تأشيرة الدخول إلى بلادنا ومن ثم إلى معرض الكتاب، كم يكفينا من وقت ومجهودات ووسائل كي نصفي ونعزل وننتقي أملا في ضبط الكتاب والمفكرين المتلبسين داخل الكتاب بتهمة التطرف؟ الدراسات والمقالات التاريخية والأبحاث المعرفية في العديد من المجالات ادبية كانت أم علمية كتبها شبه مكشوفة وعارية في منطوقها ومضمونها ، لكن عندما يتعلق الأمر ببعض المتون الروائية والقصصية المتشعبة والمركبة وبعض القصائد الشعرية الغائمة يصعب علينا ضبط واستخراج ما يثوي تحتها من ارهاب فكري . حقيقة أن أغلب معارض الكتاب السابقة التي نظمت بالدارالبيضاء منذ أكثر من عقد من الزمن تقريبا كانت نسبة الكتب الدينية تكتسح مساحات شاسعة من المعرض بعناوين مختلفة من داخل المغرب وخارجه كوجه من أوجه احترام تراثنا الفكري الأصيل وعقيدتنا السمحاء ، كتب لها دور نشرها وعارضوها وزبناؤها وتجارها من المشرق والمغرب ، يأتون لاقتنائها من جميع مناطق المغرب وبكميات وافرة بدون مشاكل ، الى أن بدأ فيروس الارهاب الفكري يتسرب كالقرضة وبدأت تظهر علاماته على السطح بشكل سافر (الاستقطاب الفكري المتطرف المباشر) الى درجة بدأ يصعب معها الحياد أو الصمت . لذلك فالدعوة إلى وضع حركة الكتاب المتطرف تحت المراقبة المباشرة مسألة مهمة تخدم مصلحة الفكر المغربي والعربي الاسلامي المتنور بإخراج هذا النوع من الكتب من سياسة الملاينة faire laisser passer laisser أي الانتقال من سياسة ترك الكتاب اامحشو بالسموم يتحرك طليقا حرا مهملا يفعل فعله في الظلمة كالمصاب بالسيدا ،الى سياسة الكشف عنه وفضح أمراضه وفيروساته ، وما نقوله عن الكتب الدينية المتطرفة ينسحب أيضا على بعض الكتب ذات الفكر المتطرف والأدب السوقي الصفيق المدعو ظلما «حداثي « الذي يكاد يشبه في قبحه ونتانته ادب المراحيض .لكن هذه السياسة البوليسية المحاصرة لحركة الأفكار المتطرفة في الكتب، والتي تسري أفكارها سريان السم في الأوصال ويصبح السكوت عنها تواطؤا هجينا يبعث على الخجل ، تظل سياسة غير كافية ، فالإرهاب الفكري أضحى وشما بارز الترحال على وسائل الاعلام والتواصل الحديثة، له مريدوه وتجاره وعشاقه المسهبون في انتاجه وترويجه على امتداد ااوطن العربي والاسلامي والعالم أجمع ،لا نستطيع إيقاف تناميه في بلادنا من دون معرفتنا به وقدرتنا على فك طلاسمه .فلا شيء أفظع من أن يتنكر أو يختبئ مفكر أو أديب أو مثقف بصفة عامة داخل جبة كتاب أنيق يخترق عقول الناشئة وأفئدتهم بما شذ من المحتويات السخيفة والخطيرة بنوع من الوفاء والجدية والإصرار حتى لنحار أين نصنفه .وفي ظننا أن ما ينجزه الارهابيون من تخريب سواء على مستوى الفكر أو على مستوى الواقع الفتاوى الحمقاء والتفجيرات الدامية ،يكشف الى حد كبير مدى حاجة المفكرين والمثقفين العرب والمسلمين الآن الى المزيد من روح التضامن والتعاون وتقريب المسافة بينهم حتى لا يرتكبوا أخطاء فادحة أخرى في حق الأجيال المقبلة .