لم تمض سوى ايام قليلة على تهميش واقتلاع رأس تمثال الشاعر والفيلسوف العربي الخالد ابو العلاء المعري في مسقط رأسه بمعرة النعمان السورية ، من قبل عصابات الارهاب الظلامية الوهابية السلفية المتطرفة ، التي تتستر وراء عباءة الدين ، والدين منها براء ، المعادية لكل فكر تقدمي وحضاري واصلاحيي متنور ، والمفارقة لروح زماننا ومعناه الثقافي، واذا بالايدي الآثمة نفسها تطال تمثال رمز آخر من رموز الثقافة والفكروالابداع، هو عميد الادب العربي، والمفكر المصري العظيم ، ومبدع السيرة الذاتية في كتابه "الايام" ، الدكتور طه حسين ، القائم وسط الميدان في شارع كورنيش النيل بالمنيا ، حيث قامت ثلة من الملثمين الخارجين من كهوف الظلام بتشويه رأس التمثال وقطعه ،والاعتداء على تمثال سيدة الغناء العربي ام كلثوم في المنصورة وتغطيته بالنقاب. ولا ريب ان هذه الاعمال الاجرامية التترية هي جزء من الهجمة الظلامية، وامتداد للممارسات الغوغائية الاقصائية ، التي تقوم بها الجماعات الاصولية والاخوانية المتشددة والمتطرفة، بحق رجالات وعمالقة الفكر التنويري النهضوي والحداثي التحرري،وضد اعلام النهضة والثقافة الديمقراطية الاصلاحية والعقلانية،بهدف اغتيال فكرها، وماضيها المؤسس للغد الباسم القادم، وازهاق ابداعها الحرالخلاّق . وفي الحقيقة ، ان الهجمة ضد الاديب والمفكر الدكتور طه حسين لم تتوقف منذ ان وضع كتابه "في الشعر الجاهلي" المثير للجدل ، الذي احدث ضجة كبرى ، وأثار حفيظة القوى الرجعية والتقليدية المتعصبة ، التي اتهمته ب"الردة"و"الالحاد" و"الكفر" و"الاساءة "المتعمدة للدين والقرآن الكريم . ولجأ الازهر في حينه، الى المحكمة لبحث هذه القضية ، لكن المحكمة برأته من هذه التهم الممجوجة والمفتعلة ، وقام طه حسين بنفسه باجراء بعض التعديلات على الكتاب وحذف بعض العبارات ، التي اخذت عليه ، وتغيير اسمه فاصبح " في الادب الجاهلي". ومثلما لوحق طه حسين في حياته، فقد طورد في مماته وفي قبره ، باعتباره واحداً من رواد التنوير والاصلاح الديني ، واحد اهم الشخصيات الفكرية والادبية العقلانية في الحياة المصرية والعربية ، وها هي القوى ذاتها تواصل اليوم ملاحقته بتحطيمها واقتلاعها لتمثاله الرمزي ، مستهدفة ارائه التجديدية العصرية وافكاره المستنيرة العقلية والاصلاحية ، الداعية الى وجوب النهضة الفكرية والادبية ، وضرورة التجديد والتغيير والاصلاح، والانفتاح على الآخر ،والاطلاع على ثقافات انسانية جديدة . ان الاعتداء البربري الآثم على تمثال الرمز عميد الادب العربي الدكتور طه حسين يأتي وسط الفوضى الخلاّقة والهدامة التي تعيشها مصر ، التي لم تشهد اعتداءً مثله عبر تاريخها الماضي . وهو بمثابة اعتداء صارخ على الثقافة والابداع الحقيقي الاصيل والرفيع ، واعتداء على عقل شعب وتراث امة ، ويدل على عجز وفشل القوى السلفية المتأسلمة المنضوية تحت تيار "الاسلام السياسي " في مواجهة فكر طه حسين وغيره من رموز الفكر المستنير والعقل المضيء الواعي. وازاء هذه الجرائم ، التي تستهدف الفكر التقدمي النير، والثقافة الانسانية المتحررة، والابداع الملتزم، والفن الاصيل ، يجب ان يرتفع عالياً صوت المثقفين وكل اصحاب القلم المؤمنين بشرف وقدسية وحرية الكلمة ، للتنديد والتصدي لعربدات الظلاميين وممارساتهم البلطجية ضد كنوز الوطن وطلائع الثقافة وروادها . وانني اقولها بملء فمي : اذا كانت خفافيش الظلام ، التي خرجت من الكهوف والمغر المكفهرة قد نجحت باقتلاع التمثال الرأسي لطه حسين ، ف" فشرت" بأن تنال منه اوتهزم فكره،فهو اقوى من كل زعرناتهم وخزعبلاتهم وطغيانهم وطغمتهم .انه عقل موزع وممتد وراسخ ومنزرع في كل العقول.