يتجه السويسريون يوم 28 من الشهر الجاري إلى صناديق الاقتراع من أجل التصويت على مبادرة منع المضاربة في المنتجات الأساسية، كالقمح والأرز والزيت والقهوة والسكر والقطن، في البورصة لاعتبارات مالية محضة. وتعتبر المبادرة، التي طرحتها الشبيبة الاشتراكية وتبنتها الأحزاب الاشتراكية واليسارية والخضر وهيئات حقوقية واجتماعية، أن سوق العقود الآجلة للمنتجات الغذائية تحولت إلى كازينو للمراهنة بدل أداة لضمان استقرار الأسعار والتموين، وبالتالي أصبحت تتلاعب بحياة الملايين من البشر بهدف تحقيق الأرباح. وتشير أصابع الاتهام بالدرجة الأولى إلى المصارف العالمية الكبرى التي حولت العقود الآجلة إلى أدوات مالية صرفة لا علاقة لها بالعرض والطلب الحقيقيين على المنتجات الغذائية. وأثارت المبادرة نقاشا حادا في سويسرا، بين اليسار واليمين، بين مدافع ومنتقد لها، خصوصا عند طرحها على أنظار البرلمان والمجلس الفدرالي اللذان قررا رفضها بأغلبية الأصوات. وأصدر المدلسين بيانا يوصي المواطنين بالتصويت ضد المبادرة خلال عرضها على الاستفتاء الشعبي يوم 28 فبراير الحالي، معتبرين أنها ستضعف المركز المالي السويسري، مشيرين إلى أن المنع في سويسرا وحدها لن يكون له أثر على ما يجري في الأسواق العالمية، كما يتطلب الأمر إحداث هيئة بيروقراطية ثقيلة من أجل المراقبة. وتعتبر سويسرا من بين البورصات العالمية الأولى للمواد الأولية الزراعية، إذ تمر عبرها 35 في المائة من الصفقات المتعلقة بالقمح، و50 في المائة من صفقات السكر و65 في المائة من الصفقات الدولية للقهوة. وتصدت العديد من الهيئات السياسية والإعلامية والعلمية في سويسرا (منها جامعة بازل التي ارتبط اسمها بالقواعد الاحترازية للبنوك) لدحض وانتقاد المبادرة، معتبرين أن ما يجري في سوق المشتقات المالية الناتجة عن العقود الآجلة للمنتجات الزراعية لا يؤثر على أسعارها في السوق الحقيقية. ويرى المعارضون للمبادرة أن الأسواق الآجلة للمنتجات الزراعية تهدف بالأساس إلى ضمان استمرار التموين والوقاية من تقلبات الأسعار، رغم اعترافهم بأن جزءا من المنتجات المالية المشتقة تتحول إلى المضاربة. فالدول المستوردة للقمح تحتاج إلى وضوح رؤيا حول التموين والأسعار التي سيتم بها خلال عدة سنوات مقبلة، لذلك فهي محتاجة إلى السوق الآجلة لتحقيق ذلك. في حين يرى المدافعون عن المبادرة أن السوق الآجلة حادت عن الغرض الأول منها، وهو استقرار الأسعار والتزويد، وأصبحت المشتقات المالية المتداولة فيها منفصلة تماما عن الواقع، وتحولت إلى مجرد أوراق مالية يتم تداولها من طرف الأبناك السويسرية الكبرى بهدف المضاربة وجني الأرباح. وتنقسم سوق المنتجات الزراعية إلى قسمين. في القسم الأول تجري عمليات البيع الآني، حيث يباع القمح الحقيقي ويتم التسليم والأداء مباشرة بعض إتمام الصفقة. وهناك القسم المتعلق بتداول المشتقات المالية، وهي عبارة عن عقود تسليم لآجال تتراوح بين بضعة شهور إلى ثماني سنوات. وتتميز هذه العقود بإمكانية تداولها في السوق طيلة هذه المدة، ويجري بيعها وشراؤها حسب توقعات المتعاملين ورهاناتهم. وفي النهاية يمكن أن تسدد نقدا بدل تسليم القمح أو المادة الزراعية التي تمثلها. ولاحظ المدافعون عن مبادرة منع المضاربة بأسعار الأغذية أن تداول هذه "المنتجات المالية المشتقة" في البورصة والرهانات التي تتم حولها تؤثر بشكل كبير على أسعار المنتجات الزراعية في السوق الحقيقية وتؤدي إلى تقلبها واضطرابها تبعا لتلاعبات المصارف الكبرى وصناديق الاستثمار. واعتبروا أن هذه المضاربة هي التي كانت وراء الارتفاع الصاروخي لأسعار المنتجات الغذائية خلال 2008-2009 و2011-2012، والذي جعل الملايين من البشر غير قادرين على اقتناء قوتهم وتسبب في موت الكثير منهم جوعا، وهو ما أكدته العديد من الدراسات، منها تقرير صادر عن منظمة الأممالمتحدة للتجارة والتنمية الاقتصادية خلال سنة 2011.