في الجزء الثاني من الحوار الذي أجرته «المساء» مع وزير الاقتصاد والمالية نزار بركة، يتطرق الوزير إلى صعوبة وضع الفرضيات التي يبنى عليها قانون المالية، وكذا الجهود التي تبذلها الحكومة لوضع نموذج اقتصادي جديد يركز على التصنيع وتثمين المنتوج المحلي وتعزيز تنافسية القطاعات المصدرة وتفعيل الحواجز غير الجمركية. كما يتحدث الوزير عن إصلاح صندوق المقاصة وتداعياته على الطبقة المتوسطة، وكذا أزمة السيولة في البنوك المغربية، والصعوبات التي تواجهها بورصة الدارالبيضاء، بالإضافة إلى أزمة القمح بالمغرب، وكيفية تدبير الحكومة لهذا الملف الشائك. - تتعرض الفرضيات التي يبنى عليها قانون المالية دائما لانتقادات الاقتصاديين والخبراء، ألم تحاولوا في الحكومة إعادة النظر في طريقة التعامل مع هذه الفرضيات؟ ما يمكن قوله في هذا الإطار هو أننا نعيش حاليا مرحلة خاصة من الاقتصاد الدولي، فاليوم أصبحنا نلمس خللا كبيرا في المنطق الاقتصادي الذي كان سائدا منذ سنوات، ومن أكبر تجليات هذا الخلل أن الطلب العالمي على المواد الأولية يعرف تراجعا ملموسا، في حين تسجل أسعار هذه المواد مستويات قياسية، وهذا يعني أن هناك عوامل أخرى تتدخل في هذه العملية مثل المضاربة والعوامل الجيوستراتيجية. كل ما سبق ذكره يطرح إشكالية وضع فرضيات صائبة للنمو الاقتصادي، فخلال السنة الماضية مثلا كان صندوق النقد الدولي يتحدث عن أن متوسط سعر البترول لن يتجاوز 95 دولارا، إلا أن ما نلمسه اليوم يؤكد أن معدل سعر النفط لم ينزل تحت عتبة 107 دولارات للبرميل، وهذا يعني أنه حتى المنظمات الدولية المتخصصة يصعب عليها وضع فرضيات مضبوطة للأسعار ونمو القطاعات الاقتصادية. وبطبيعة الحال، لا يمكننا، في المغرب، أن نكون استثناء في هذه المسألة، فبحكم أننا مازلنا ندعم مجموعة من المواد الأساسية التي تخضع لتقلبات السوق الدولية، والتي تؤثر على ميزانية الدولة، يصعب علينا وضع فرضيات مضبوطة لقانون المالية. غير أنه من الأمور التي نحاول الاشتغال عليها حاليا، والتي جاءت في منشور رئيس الحكومة الموجه إلى الوزراء، هناك مسألة عدم إدراج الفرضيات في عملية إعداد قانون المالية المقبل، وهو ما سيتيح لنا ضبطا أكبر لميزانية 2013، حيث سننتظر ما أمكن اقتراب المصادقة على القانون المالي ثم نقدم تلك الفرضيات اعتمادا على آخر التخمينات المتوفرة حول منحى تطور الأسعار في السوق الدولية. وهذا لا يعني أن هذه الفرضيات لن تتغير، خاصة مع ارتباط الاقتصاد الوطني بالمحصول الزراعي الذي يبقى عرضة للجفاف والعوامل المناخية التي لا يمكننا التحكم فيها. ومن الأمور الجديدة التي نشتغل عليها في الحكومة، كذلك، الاعتماد على التأمين على سعر البترول، رغم أن هذه العملية تكون مكلفة نسبيا، غير أنها ستمكننا من اقتناء النفط بأسعار محددة سلفا، ونحن الآن ننتظر الوقت المناسب من أجل استغلال هذه الآلية. - وماذا عن النموذج الاقتصادي الذي اختاره المغرب منذ سنوات? ألم تفكروا في إعادة النظر فيه، خاصة أن ارتفاع الطلب الداخلي هو السبب في العجز الذي يعيشه الميزان التجاري حاليا؟ لابد من الإشارة هنا إلى أننا، في الحكومة، قمنا بإعداد دراسة معمقة بخصوص النموذج الاقتصادي، وتوصلنا إلى العديد من الاستنتاجات. فكما تعلمون نحن في مرحلة تتميز بتراجع الطلب الخارجي تجاه بلادنا، وفي نفس الوقت هناك تطور مهم للواردات نتيجة التطور المهم للاقتصاد الوطني والتوسع السريع للطبقة المتوسطة، فالدخل الفردي ارتفع ب50 في المائة خلال العشرية الأخيرة، وهو ما انعكس على الاستهلاك بشكل كبير. لقد توصلنا من خلال هذه النتائج إلى أنه من الضروري الاستمرار في دعم الطلب الداخلي لتسريع وتيرة النمو، من خلال التركيز على دعم الاستهلاك اعتمادا على تطوير آلية التضامن أو ما يسمى «الأجر غير المباشر»، ومن جهة أخرى العمل على تطوير الاستثمارات من أجل توفير فرص الشغل وتطوير الاستهلاك الداخلي. بالإضافة إلى ذلك، ومن أجل ضمان إبقاء مستوى المخزونات من العملة الصعبة في حدود أربعة أشهر والمحافظة على تحكم المغرب في قراراته الاقتصادية، توصلنا إلى أنه ينبغي دعم مستوى صادراتنا، ولذلك قررنا أن نجعل من بلادنا أرضية للاستثمارات والتصدير، من خلال تشجيع القطاعات الصناعية التي تعتبر ركيزة الاقتصادات المتطورة، فالأزمة التي تشهدها أوربا حاليا تؤكد، بالملموس، أن الدول التي استطاعت مقاومة الأزمة هي التي تمتلك صناعة قوية مثل ألمانيا. ولابد أن أشير هنا إلى أن المغرب يملك نواة أولى لتطوير صناعة قوية اعتمادا على الأنشطة التي كانت الحكومة تدعمها سابقا، وهي النسيج والصناعات الغذائية وصناعة السيارات وصناعة الطيران وكل ما يتعلق بصناعة الفوسفاط والصناعات الكيماوية، وهو الشيء الذي جعل نمو الاقتصاد الوطني، باستثناء الفلاحة، في مستويات مرتفعة تصل إلى 4.5 في المائة رغم الأزمة. ونحن واعون، حاليا، بضرورة إعطاء دفعة جديدة لهذه الأنشطة الصناعية، والقيام بتعاقدات جديدة في قطاعات أخرى مثل صناعة الأدوية والصناعات الكيماوية وصناعات الصلب، لأن هناك إمكانيات أخرى يمكن استغلالها في هذا المجال. من جهة أخرى، ودائما في إطار النموذج الاقتصادي الجديد، اعتبرنا أنه من الضروري تقوية آلية التضامن عبر تطوير البرامج الاجتماعية، وعلى رأسها الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية والمساعدة الطبية، وكل ما يتعلق بإصلاح أنظمة التقاعد الذي قطعنا فيه أشواطا مهمة. بالإضافة إلى إصلاح نظام المقاصة، سواء الشق المتعلق بالدعم المباشر للأسر الفقيرة أو دعم الأسر عبر صندوق التماسك الاجتماعي، الذي استعطنا من خلاله تعبئة مليارين من الدراهم برسم السنة الجارية. وهناك نقطة أخرى في النموذج الاقتصادي تتعلق بالتنمية المستدامة والمجالية، والتي تهتم بتقليص الفوارق المجالية وخلق أقطاب جهوية متطورة والعمل على المحافظة على البيئة، وأخيرا اعتماد الحكامة الجيدة التي ستمكن من استغلال أمثل لموارد الدولة. - لكن ألا ترون أن التحكم في الطلب الداخلي وتوجيهه أساسا نحو المنتوجات المحلية هو الكفيل بحل مشكل العجز في الميزان التجاري؟ بطبيعة الحال، وقد وقعنا، كما تعلمون، العديد من اتفاقيات التبادل الحر، وبالتالي فالمغرب يعتبر سوقا مفتوحا، لكن هذا لا يمنعنا من دعم وتطوير المنتوج المحلي، ولذلك نحن في الحكومة نرى بأن الأولوية يجب ألا تعطى فقط للاستهلاك، بل للإنتاج كذلك، وبالتالي فمن بين الركائز الأساسية التي سنعمل عليها خلال ما تبقى من سنة 2012 إعطاء الأولوية في الصفقات العمومية لتشجيع الإنتاج المحلي وتحسين الجودة وتثمين المنتوج المحلي. كما سنعمل على تحصين السوق الداخلية من المنتوجات الأجنبية التي لا تحترم معايير الجودة والسلامة عبر تفعيل الحواجز غير الجمركية. - أين وصل إصلاح صندوق المقاصة؟ كما تعلمون هناك العديد من المتدخلين في عملية إصلاح نظام المقاصة، كما أن هناك مجموعة من المراحل التي وضعت من أجل الوصول إلى الإصلاح، ففي المرحلة الأولى ركزنا على إعادة النظر في تركيبة الأسعار، والتي مكنت من توفير 3 مليارات درهم، وفي المرحلة الثانية انتقلنا إلى مرحلة الاستهداف، التي انطلقت مع العملية النموذجية «تيسير» وبرنامج المساعدة الطبية «راميد»، من أجل تحديد الفئات الفقيرة التي ستستفيد من الدعم. بالإضافة إلى ما يسمى «الاستهداف القطاعي»، الذي يميز مثلا في قطاع النقل بين النقل الفردي والنقل المهني، ثم أخيرا التركيز على ما يسمى «استرجاع الدعم»، وفي هذا الإطار، قمنا خلال السنة الجارية بإنشاء صندوق التماسك الاجتماعي، ورفعنا من الضرائب المطبقة على السيارات، وخاصة منها تلك التي تهم اقتناء أول سيارة، كما قمنا بتفعيل استرجاع دعم السكر الموجه إلى شركات المشروبات الغازية. وحاليا يقوم الوزير المكلف بالشؤون العامة والحكامة بدراسة التجارب الناجحة في إصلاح أنظمة المقاصة في بلدان أمريكا اللاتينية. - سمعنا أن الحكومة ستتبنى التجربة البرازيلية في إصلاح صندوق المقاصة، هل هذا صحيح؟ المقاربة التي ستنهجها الحكومة لا يمكن إلا أن تكون مغربية خالصة، فالبرازيل، مثلا، لم تدعم سابقا المواد الأساسية كما هو الحال بالنسبة إلى المغرب، فالارتفاع الكبير في أسعار المواد الأساسية في البرازيل دفع الحكومة هناك إلى التفكير في طريقة للتخفيف من وطأة ذلك على المواطنين، الذين يعانون من تطبيق نظام حقيقة الأسعار، وبالتالي خصصت دعما مباشرا للأسر الفقيرة. في المقابل، الوضع مختلف كثيرا بالنسبة إلى المغرب، حيث يستفيد الجميع من الدعم الموجه إلى الدقيق والسكر والغاز والمحروقات، وهذا يجعل من الصعب على الحكومة المغربية التفكير في استنساخ التجربة البرازيلية، غير أن الذي يمكن فعله هو استغلال إيجابيات تلك التجربة في وضع نموذج مغربي خالص للإصلاح. وفي هذا الإطار لابد من الإشارة إلى بعض إيجابيات النموذج البرازيلي، الذي يركز أساسا على ما يسمى «الدعم المشروط»، وليس «الدعم المطلق»، أي أن الحكومة تقدم دعما للأسر الفقيرة، شريطة تعليم أبنائها مثلا. وهذا يخالف نظام الدعم المعمول به في إيران على سبيل المثال، الذي يعتبر دعما غير مشروط. ومن الأمور الأساسية التي يجب التطرق إليها في مسألة إصلاح نظام المقاصة أن هذه العملية ستعتمد بشكل كبير على حوار شامل بين جميع الفرقاء، سواء كانوا من الأغلبية أو المعارضة، بالنظر إلى الوقع المجتمعي للإصلاح المرتقب. - على ذكر الوقع المجتمعي للإصلاح، ألا ترون أن إصلاح صندوق المقاصة اعتمادا على استهداف الأسر المعوزة فقط ستكون له انعكاسات سلبية وسيؤدي إلى تفقير الطبقة المتوسطة؟ من الأمور التي دافعنا عنها ومازلنا ندافع عنها مسألة عدم تفقير الطبقة المتوسطة، وبالتالي من الضروري أن يبقى الدعم في مستوى متحكم فيه لا يؤدي إلى اضطراب في التوازنات الماكرو اقتصادية، مع توجيه نسبة من الدعم إلى الطبقات الفقيرة. وعلى العموم، فإصلاح صندوق المقاصة سيكون تدريجيا، ويجب أن يتم بالتوازي مع بعض التدابير المواكبة التي ستحافظ على مستوى عيش الطبقات الأخرى. - نريد أن نعرف بالضبط ماذا يجري في بورصة الدارالبيضاء؟ البورصة، كما تعلمون، عرفت تطورا سريعا، وقيمة العديد من الشركات المدرجة كانت في مستويات عالية، وهو ما أدى إلى فقاعة مضارباتية نتيجة التفاوت الكبير بين القيمة الحقيقية للشركات وقيمة أسهمها في البورصة. وفي مثل هذه الظروف هناك توجهان للبورصة: إما أن تتجه نحو الأزمة والرجة ثم بعد ذلك العودة إلى المسار الصحيح، أو الاستمرارية مع تحقيق خسائر بسيطة لمدة معينة، لتعود بعد ذلك إلى تحقيق المكاسب، وهذا الأمر هو ما يقع حاليا في بورصة الدارالبيضاء. ولابد من تفسير مسألة مهمة، هي أن تراجع بورصة الدارالبيضاء ناتج أساسا عن غياب إدراجات جديدة، فالجميع متخوف من الركود، وقد عقدنا في الوزارة عدة اجتماعات مع المسؤولين عن البورصة وتوصلنا إلى مجموعة من الحلول التي يمكن العمل بها للخروج من المأزق الحالي، ومن بينها وضع قوانين وتشريعات جديدة، والإعلان عن منتوجات جديدة، وتشجيع بعض الشركات الكبرى على الانخراط في البورصة. - لكن ألا ترون أن المستثمرين المؤسساتيين، وعلى رأسهم صندوق الإيداع والتدبير، تخلوا عن دورهم في تعزيز دينامية البورصة؟ هذا غير صحيح، فهؤلاء الفاعلون يقومون بعمل جيد في هذا المجال، لكن لا يجب أن ننسى أن هذه المؤسسات مؤتمنة على ادخارات المتقاعدين، وبالتالي لا يمكنها المجازفة باستثمارها في ظروف مضطربة، كما أن الخسائر التي يمكن أن تتكبدها هذه المؤسسات في البورصة ستكون لها تداعيات كبيرة على استقرارها المالي. إذن فهناك ضوابط معينة وإجراءات احترازية تقوم بها هذه المؤسسات، وعلى رأسها صندوق الإيداع والتدبير، من أجل الحفاظ على الادخارات العمومية. - هل يعيش المغرب حاليا أزمة في السيولة؟ صحيح، وخير دليل على ذلك تدخلات بنك المغرب في السوق النقدية، والتي بلغت في المعدل 70 مليار درهم أسبوعيا، لكن يجب أن نوضح هنا بأن البنوك هي التي تعيش أزمة في السيولة وليست الدولة، والدليل على ذلك أن بنك المغرب مازال يقوم بدوره في توفير السيولة لباقي البنوك. وأزمة السيولة التي تعيشها البنوك ناتجة أساسا عن تراجع الموجودات الخارجية. لكننا اليوم، كحكومة، نرى أنه من الضروري تقوية الثقة في الأبناك من خلال سن مجموعة من القوانين والإجراءات التي تعزز ثقة المواطن في المؤسسة البنكية، خاصة عبر ما يسمى «الإشعارات غير الحائزة»، التي تجعل من الضروري إخبار الزبون ومنحه جميع المعطيات قبل تسديده مستحقات مديرية الضرائب أو خزينة الدولة أو إدارة الجمارك. بالإضافة إلى وقف العمل بالسندات مجهولة الاسم. - أين وصل القانون البنكي الجديد؟ القانون البنكي الجديد هو اليوم في الأمانة العامة للحكومة، وقد فتحناه للنقاش علنيا عبر الإنترنيت، وسيقدم هذا القانون للمجلس الحكومي حالما يتم الانتهاء من إدراج الملاحظات والتعديلات اللازمة من أجل المصادقة عليه، وهذا يؤكد التزامنا السابق بإعداد هذا القانون في شهر شتنبر. - ما الجديد الذي تضمنه هذا القانون، خاصة في الشق المتعلق بالبنوك الإسلامية؟ القانون البنكي الجديد تضمن شقا خاصا بالبنوك التشاركية، وقد اعتمدنا في إعداد جميع المعايير المعمول بها على المستوى الدولي، كما تميزنا بمسألة أساسية، هي ما يسمى «شريعة بورد»، فالمعروف على المستوى العالمي أن كل بنك إسلامي يملك مجلس شريعة خاصا به، أما بالنسبة للمغرب فقد ارتأينا أن يكون هناك مجلس واحد تابع للمجلس العلمي، حتى لا يكون هناك ارتباط مادي بين البنك والعلماء الذين يقررون في جدية المنتوجات المسوقة. - يقول مجموعة من المهنيين إن الحكومة لا تتعامل بشكل مناسب مع أزمة القمح العالمية، ما ردكم على ذلك؟ لابد لنا اليوم أن نكون واقعيين، فالحكومة كان لها دائما توجه واضح في مجال حماية المنتوج المحلي، والحمد لله هذه السنة كان المحصول، رغم قلته، جيدا من حيث النوعية، وهو ما جعلنا نؤخر فترة الحصاد لمدة شهر إضافي، لضمان جمع كل المحاصيل، وكذا لتفادي اللجوء إلى السوق الدولية في هذه الفترة التي تتميز بارتفاع كبير في الأسعار. واليوم أي مستورد يقول إن الحكومة يجب أن توقف استيفاء الرسوم الجمركية على الحبوب لن يذهب إلى السوق الدولية لأن الأسعار خيالية، لذا ارتأينا تأجيل مسألة وقف الرسوم الجمركية إلى أواخر شهر شتنبر، وبالتالي لن يبقى المشكل مطروحا أمام المهنيين. - لكن مشكل تزويد السوق في ظل الأسعار المرتفعة سيبقى مطروحا. هذا صحيح، غير أن مشكل تموين السوق لن يكون مطروحا حتى نهاية شهر شتنبر، كما أننا بعد هذه الفترة سنفتح المجال أمام المهنيين للاستيراد المباشر من الأسواق الدولية بعد وقف استيفاء الرسوم الجمركية، غير أن الإشكال الذي سيبقى مطروحا بالنسبة إلى الحكومة هو السعر الذي سيباع به القمح، وهنا يجب التأكيد بأن الحكومة ستقوم بدعم سعر القمح عبر أداء الفرق بين الأسعار الدولية والأسعار المطبقة محليا عبر صندوق المقاصة، وبالتالي لن تعرف أسعار القمح أي تغيير، وستبقى أسعار الخبز في مستوياتها الحالية. - تتحدثون عن مشكل الأسعار، أما المشكل الحقيقي الذي يتخوف منه الجميع هو كيف ستضمن الدولة تزويد السوق في ظل ندرة القمح وعزوف بعض البلدان عن بيع محاصيلها؟ أنا أتفق معكم، فالحكومة يمكن أن تجد صعوبة في تزويد السوق مستقبلا، لكن أعتقد أن المحاصيل في أوربا، وخاصة في فرنسا، ستغطي جزءا من حاجيات المغرب، كما أن بعض دول أمريكا اللاتينية مازالت تجمع محاصيلها، وأظن أنها ستساهم نوعا ما في تخفيف الأزمة.
نجتمع بصفة دورية لحل خلافات الأغلبية - تتناسل العديد من الأنباء حول غياب الانسجام في الفريق الحكومي الحالي الذي يرأسه عبد الإله بنكيران، وأن بعض أحزاب الأغلبية يمكن أن تغادر التشكيلة الحكومية في أي وقت. ما مدى صحة هذه الأنباء؟ لابد من التذكير أولا أنه منذ انطلاق المشاورات من أجل تشكيل الحكومة الحالية، قررت الأحزاب المشاركة فيها، وبإيعاز من حزب الاستقلال الذي أنتمي إليه، وضع ميثاق للأغلبية ينص على مجموعة من الضوابط، ويتضمن الأهداف المسطرة والآليات الضرورية لتحقيقها، بالإضافة إلى التدابير الواجب اتخاذها في حالة ما وقعت أزمة حكومية، أو أزمة بين الأحزاب. وفي هذا الإطار نقوم باجتماعات دورية من أجل حل الخلافات التي تطفو على السطح بين مكونات الأغلبية، ومن المنتظر أن نعقد آخر هذا الأسبوع اجتماعا بهذا الخصوص. اليوم وضعنا خارطة الطريق التي تشمل أهم عنصر هو البرنامج التشريعي، بناء على الدستور الجديد، وقد قمنا بمجهود تشريعي كبير طيلة المرحلة السابقة، وقد اشتغلنا في وزارة المالية ، كذلك، في نفس الإطار على مجموعة من التشريعات، أهمها القانون التنظيمي للمالية، بتنسيق مع جميع الفرقاء، ونعتبر بأن هذا ليس فقط عمل الوزارة، بل هو عمل الحكومة ككل. ومن بين الأمثلة كذلك على التنسيق بين مكونات الأغلبية خلق اللجنة التي سهرت على إعداد دفاتر التحملات بتشاور مع جميع المتدخلين. وعموما، أقول إن الحكومة الحالية تواجهها تحديات كبيرة، لكن أعتقد بأن هناك رغبة حقيقية من طرف جميع الفرقاء في مواجهة تلك التحديات والاستجابة لتطلعات المواطنين والمواطنات.