الإقتصاد الوطني يواجه الأزمات باختلالات مزمنة ومكامن ضعف هيكلي. إلي جانب أزمة الموسم الفلاحي التي دفعت الحكومة إلى مراجعة توقعاتها للنمو الإقتصادي هذا العام، هناك أيضا أزمة اليورو التي تنذر بتراجع الصادرات وانخفاض أنشطة السياحة وتحويلات المهاجرين المغاربة، وهو ما قد يتسبب بدوره في تراجع معدل النمو المتوقع وإحداث نزيف حاد في احتياطي البلد من العملة الصعبة نمو مضطرب منذ تنصيبها قبل بضعة أشهر عدلت الحكومة توقعات النمو برسم العام الجاري أكثر من مرة. فأحزاب الأغلبية المشكلة للإئتلاف الحكومي وعدت الناخبين في حملاتها الإنتخابية الأخيرة بخلق نسبة نمو اقتصادي في حدود تتراوح بين 6 و 7 ٪، إلا أنها سرعان ما خفضته إلى 5 ٪ بمجرد تشكلها، متدرعة في ذلك بتداعيات الأزمة الإقتصادية العالمية، وخاصة بمنطقة اليورو . حالة الإرتباك في تحديد توقعات النمو لسنة 2012، لم تتوقف في عهد حكومة بنكيران عند هذا الحد، بل تواصلت حينما لاحت في الأفق بوادر موسم فلاحي ضعيف، أشر عليه تأخر التساقطات المطرية وتأثر منتوجات الحبوب والبطاطس وقصب السكر وغيرها من المزروعات الفلاحية الهامة، بموجة الصقيع التي عصفت بحصص غير يسيرة من هذه المحاصيل، ليتراجع بذلك المعدل المتوقع للنمو إلى 4,2 ٪، قبل مراجعته إلى 3,2 ٪، ثم 3,4 ٪ في نهاية المطاف. شغل ضائع هل تنجح حكومة بنكيران في خلق مناصب الشغل الكفيلة بامتصاص أفواج الوافدين على سوق العمل بمعدل نمو في حدود 3,4 ٪؟ تبدو مهمة صعبة، إن لم نقل مستحيلة في ظل إكراهات الظرفية الإقتصادية الراهنة. فمؤشرات الأرقام تفيد بأن الحكومة فقدت أزيد من 100 ألف منصب شغل في غضون ثلاثة أشهر فقط من بداية ولايتها، وهو ما يضع الجهاز التنفيذي في وضع حرج، يدفع إلى التساؤل حول مدى قدرة الحكومة على تعويض هذا النزيف بمعدل نمو ضعيف لا يتجاوز 3,4٪ ، في الوقت الذي تؤكد فيه تقارير بعض المؤسسات الدولية، بأنه لن يتجاوز سقف 2 ٪ في أحسن حالاته. فتداعيات ضعف الموسم الفلاحي وتردي أحوال الطقس مع مطلع العام الجاري تسببت لوحدها في فقدن قطاعي الفلاحة والصيد والبحري لما يناهز 157 ألف منصب عمل، انظافت إليها مناصب الشغل الضائعة بقطاع البناء والأشغال العمومية لتبلغ حاجز 42 ألف منصب مفقود، في الوقت الذي لم يقو فيه عدد 86 ألف منصب شغل جديد الذي أحدثه قطاعي الصناعة والخدمات على تعويض الفرص الضائعة بقطاعات الفلاحة والصيد والبناء والأشغال العمومية باعتبار أنها توفر لوحدها 55 ٪ من إجمالي فرص العمل التي يتيحها سوق الشغل بشكل سنوي. مقاصة مختلة الزيادة التي فرضتها الحكومة قبل يومين على أسعار المحروقات تؤشر بالملموس على أن صندوق المقاصة على عتبة الإنفجار. فالإعتمادات المالية المرصودة له في تزايد من سنة إلى أخرى والحكومة عاجزة عن بلورة حلول جذرية لإشكالاته المرتبطة أساسا بسوء وخلل الإستهداف، في الوقت الذي تشهد فيه النفقات الإجمالية للدولة ارتفاعا ملفتا، جعل هامش التحرك الحكومي يرتكز على الإستدانة من الخارج في خطوة لحصر عجز ميزانية الدولة بعدما تجاوزت نسبته خلال العام الماضي حدود 7 في المئة من الناتج الداخلي الخام. الحكومة ارتأت بأن خيار الزيادة في أسعار المحروقات كان ضروريا للتمديد في الميزانية لفترة شهر ونصف،حيث اعتبر نجيب بوليف وزير الشؤون العامة والحكامة بأن سعر البرميل من النفط لم يكن يتجاوز 65 دولار خلال سنة 2006، وأضحى يناهز حاليا 106 دولارات للبرميل، وهو ما يشكل عبء كبير على ميزانية الدولة التي رصدت لصندوق المقاصة خلال هذا العام ما يقارب 33 مليار درهم، تم التهام 80 ٪ منها إلي حدود متم شهر ماي المنصرم، في الوقت الذي أكد فيه بوليف أن المبلغ المرصود للصندوق كان من الممكن استنفاذه خلال شهر يوليوز في حالة ما إذا لم يتم اللجوء إلى هذه الزيادة التي ستمكن الحكومة من اقتصاد حوالي 5 مليارات درهم خلال الشهور السبعة المتبقية من هذا العام حسب ما أشار إليه فؤاد الدويري وزير الطاقة والمعادن. سياحة تشكو أزمة اليورو مهنيو القطاع السياحي يشتكون من أزمة اليورو، والوزارة الوصية تطالبهم بضرورة تنويع المنتوج وابتكار آليات جديدة لتسويقه بالخارج والبحث عن أسواق جديدة للحد من تداعيات هذه الأزمة. المهنيون يردون على الوزارة بضرورة رفع ميزانية الإنعاش السياحي لإنجاح البرنامج المرتبط بآليات التسويق هاته، والأخيرة تضعهم أمام إكراهات الميزانية، لتقول لهم لا زيادة في هذه الميزانية هذا العام العام، والحديث عنها خلال السنة المقبلة قد يكون ممكنا. كان هذا هو سيناريو الجدل الساخن الذي احتدم مؤخرا بين المهنيين ووزارة السياحة، مدفوعين في ذلك بتهاوي مؤشرات القطاع إلى مستويات لم يسبق لمهنيي القطاع استشعارها منذ سنوات. فأعداد السياح الوافدين على المغرب، شهد تراجعا بناقص 5 ٪ إلى غاية متم شهر أبريل، بالمقارنة مع الفترة ذاتها من السنة الماضية. تراجع هم بالأساس السياح الإيطاليين، بناقص 21 ٪، متبوعين بالفرنسيين بناقص 7 ٪، والألمان بناقص 5 ٪، والبلجيكيين بناقص 4 ٪. وانعكس ذلك على ليالي المبيت، التي تراجعت خلال الفصل الأول من العام الجاري بناقص 11٪، حيث همت بالدرجة الأولى ورزازات، التي تراجعت بها ليالي المبيت بناقص 28 ٪، تليها أكادير بناقص 19 ٪، ثم مراكش وفاس بناقص 14 ٪. بالمقابل، سجلت طنجة تحسنا، إذ ارتفعت ليالي المبيت فيها بنسبة 8 ٪، كما سجلت الدارالبيضاء ارتفاعا بنسبة 1 ٪. وسجلت ليالي مبيت السياح العرب ارتفاعا بنسبة 25 ٪ . ميزان تجاري عاجز لا توجد عبارة أبلغ من “العجز المزمن” لوصف الحالة التي يوجد عليها الميزان التجاري لبلادنا منذ سنوات. فعجز الميزان التجاري المغربي تفاقم في متم شهر أبريل الماضي، ليقترب من 49 مليار درهم مقابل 43.1 مليار درهم المسجلة خلال الشهر ذاته من 2011، أي بفارق 5.6 ملايير درهم ، وهو ما جعل معدل تغطية الصادرات للواردات يتراجع بدوره ليستقر في حدود 47.6 ٪ بدل 49.6 في المائة المسجلة خلال الفترة نفسها من العام الماض استفحال عجز الميزان التجاري جاء نتيجة لاستمرار وتيرة ارتفاع سلة الواردات مقارنة مع سلة الصادرات، حيث ارتفعت قيمة الواردات خلال مارس 2012 بمعدل 8.8 في المائة مقارنة مع شهر أبريل 2011 لتصل إلى 93.2 مليار درهم بدل 85.6 مليار درهم، هذا في الوقت الذي نما فيه معدل الصادرات بسرعة أبطأ لا تتجاوز 4.3 ٪ لتصل قيمة الصادرات المغربية في 30 مارس الأخير إلى 44.3 مليار درهم مقابل 42.5 مليار درهم أي بتحسن لم يتعد 1.8 مليار علما بأن وتيرة الواردات تحركت بزيادة 7.5 مليار درهم بين الثلاثية الاولى من العام الجاري ونظيرتها من 2011 . تنافسية ضعيفة لم يقو المغرب في الأعوام الأخيرة على جني ثمار اتفاقيات التبادل الحر التي وقعها مع أكثر من طرف. ليس هناك من دليل أقوى من واقع العجز التجاري الذي ما فتئت هوته تتسع من سنة إلى أخرى، لفائدة البلدان الشريكة للمملكة في إطار هذه الإتفاقيات التجارية. المحللون يرجعون ذلك إلى ضعف تنافسية المنتوج المغربي، وهو ما يجعل انعكاسات هذه الاتفاقيات على رفع دينامية التصدير جد محدودة. وعلى الرغم من البرامج التي اعتمدت خلال السنوات الأخيرة لتحسين تنافسية الاقتصاد الوطني، لم يسجل ترتيب المغرب تحسنا في هذا الإطار، بل عرف تراجعا متواصلا للسنة الثانية على التوالي في مجال التنافسية، إذ صنف من طرف تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي في طبعته الأخيرة، في الرتبة 75 من ضمن 139 بلدا، وذلك بعد احتلاله سنة قبل ذلك، للرتبة 73، علما أنه كان يحتل الرتبة 64 في تصنيف 2007/2008. أضف إلى ذلك، كون الاستراتيجيات القطاعية التي اعتمدتها الحكومة لتحسين تنافسية الاقتصاد الوطني، لم تنجح في رفع تنافسية المقاولات المغربية وتحسين أداء الاقتصاد الوطني، بل لم تتمكن حتى من الحفاظ على المستوى الذي كان فيه المغرب في السنوات السابقة، يؤكد محللون اقتصاديون. هؤلاء يرجعون ذلك، إلى فشل المغرب في محاربة ظاهرة الرشوة والتقليص منها، فهي لازالت تعرف استفحالا والمغرب يتراجع سنة بعد أخرى في الترتيب الدولي لمحاربة الرشوة التي تعد السبب الرئيسي في تعثر المغرب على مستوى التنافسية. فلاحة متعثرة بعدما سجل الموسم الفلاحي المنصرم محصولا في حدود 80 مليون قنطار من الحبوب، يرتقب أن يتراجع مستواه إلى أقل من 48 مليون قنطار خلال الموسم الجاري حسب الإحصائيات الرسمية لوزارة الفلاحة والصيد البحري. المندوبية السامية للتخطيط وعلى ضوء هذا الواقع الذي يؤشر على تراجع القيمة المضافة للأنشطة الفلاحية، توقعت أن يشهد النمو الإقتصادي خلال الفصل الأول من العام الجاري تراجعا إلى حدود 2,2 في المئة، وذلك بعدما لاحت في الأفق بوادر موسم فلاحي ضعيف، يتسم بتأخر التساقطات المطرية واجتياح موجة الصقيع التي أضرت بالمحاصيل الفلاحية بالعديد من المناطق الفلاحية، ودفعت بالحكومة إلى رصد مليار و500 مليون درهم لحماية الماشية من شبح الجفاف الذي خيم على واقع الفلاحة ببلادنا مع مطلع العام الجاري، إلى جانب برامج موازية أخرى تروم دعم أسعار البذور وغيرها. سيولة شحيحة رغم تدخلات بنك المغرب لضخ مزيد من السيولة في شريان النظام البنكي، والتي بلغت حدود 55 مليار درهم عند متم أبريل الماضي، فإن حاجة الأبناك لها تزايدت، لتبلغ سقف 65 مليار درهم، مهددة بذلك استقرار الاقتصاد الوطني. عجز مرتبط أساسا بتراجع احتياطي العملة الصعبة جراء أزمة الشريك الأوروبي، وهو ما تسبب في انهيار الميزان التجاري للمغرب وتدهور ميزان أداءاته، حيث أن نسبة تغطية هذا العجز بالمداخيل المتأتية من تحويلات مغاربة الخارج والسياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة ما فتئت تتراجع بشكل مقلق. سرطان شح السيولة لم يصب البنوك لوحدها، بل طال أيضا صناديق التقاعد، فاللجنة التقنية لإصلاح أنظمة التقاعد كانت قد توصلت إلى أن أزمة الصناديق قد تتفاقم مستقبلا، وتبدأ في الظهور في عام 2013 في حال عدم التدخل لإنقاذها من شح مرتقب في السيولة النقدية وارتفاع أعداد المحالين على التقاعد، وهو ما جعل الحكومة السابقة تسند دراستها إلى مكتب الخبرة الفرنسي “أكتوريا”، توصل إلى وجود صعوبات تهدد الاستقرار المالي لصناديق التقاعد في المغرب قبل حلول عام 2020، مع عجز واضح في تمويلات صندوق القطاع العام قبل ذلك التاريخ. سنة استثمارية بيضاء . عاشت بورصة الدارالبيضاء خلال سنة 2011، على إيقاع سنة بيضاء. لم تشهد خلالها أية عملية إدارج للشركات خلال سنة 2011، في الوقت الذي سبق فيه لمسؤولي هذا المركز المالي أن راهنوا على إدراج ستة شركات في أفق بلوغ 150 شركة قبل متم عام 2015. الإيقاع الذي ترنمت عليه المركز المالي للعاصمة الإقتصادية لم يهم فقط انعدم عمليات الإدراج، بل طال أيضا المؤشرات، حيث أفاد كريم حاجي المدير العام للبورصة في إحدى تصريحاته السابقة، بأن هذه المؤشرات الأساسية لهذه الأخيرة قد سجلت تراجعا خلال سنة 2011، في إشارة منه للإنخفاض الذي لحق بالأساس مؤشر “مازي” بنسبة أن 12,86٪، تزامنا مع تراجع رسملة البورصة بنسبة 10,85٪، مقابل انخفاض بنسبة 13,81٪ في حجم التداولات. توقع وزير الفلاحة والصيد البحري، عزيز أخنوش، أن ينخفض إنتاج المغرب من الحبوب بحوالي النصف، خلال الموسم الفلاحي الحالي، بسبب التساقطات المطرية الضعيفة التي عرفها المغرب خلال هذا الموسم. وأكد أخنوش، في كلمة ألقاها خلال افتتاح أشغال المناظرة الخامسة للفلاحة التي نظمت بمكناس، الثلاثاء الماضي، بعنوان “الفلاحة في قلب التنمية القروية”