كشف كل من بنك المغرب ومكتب الصرف عن الوضعية الاقتصادية والمالية التي من المتوقع أن تباشر من خلالها حكومة بنكيران أشغالها. وأجمعت المؤسستان على أن الاقتصاد الوطني يعيش في ظل مؤشرات "مقلقة" تتطلب من الحكومة الجديدة إدخال تعديلات جوهرية على طريقة تدبير ملفات الاقتصاد الوطني. ومن مؤشرات هذا "القلق" استفحال أزمة العجز التجاري وأزمة عجز الميزانية، وثقل تكاليف صندوق المقاصة. وأبرز بنك المغرب بأن الاقتصاد الوطني سجل سنة 2011، نموا قدره 4.8 بالمائة. مبرزا في نشرته الشهرية حول الظرفية الاقتصادية والنقدية والمالية لشهر يناير 2012، أن هذا النمو يعكس تواصل المنحى الجيد للأنشطة الفلاحية وارتفاعا في الناتج الداخلي الخام غير الفلاحي من 4.1 إلى 4.9 بالمائة. من جهة أخرى ذكر بنك المغرب أن عجز الميزانية بلغ، في نهاية نونبر 2011، ما مجموعه 42 مليار درهم، أي بزيادة قدرها 11 مليار درهم مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2010. وأوضح بنك المغرب أن هذا العجز يعزى بشكل رئيسي إلى تكاليف المقاصة التي عرفت وتيرتها "سرعة أكبر من وتيرة العائدات". وأورد بنك المغرب على أن عجز الميزانية قد يستقرعند مستوى 5.6 بالمائة من الناتج الداخلي الخام في 2012 ما لم يتجاوز متوسط سعر النفط 100 دولار للبرميل. وقد يؤدي اتساع العجز لمزيد من الضغط على تمويل مشروعات الدولة التي تهدف لتوفير الوظائف في ظل شح السيولة بالنظام المالي المحلي. كما أن تباطؤ اقتصاديات الاتحاد الأوروبي باعتباره الشريك التجاري الرئيسي للمغرب، سيؤدي إلى زيادة إجراءات الضغط على عجز الميزانية خاصة في وقت ينال فيه من إيرادات الحكومة من الضرائب والجمارك واحتياطياتها من العملة الأجنبية. في ذات السياق، أظهرت البيانات الصادرة عن مكتب الصرف المغربي أن العجز التجاري للمغرب ارتفع بنسبة 25 بالمائة في 2011 ، ليسجل أعلى مستوياته على الإطلاق عند 185.7 مليار درهم بسبب ارتفاع واردات الطاقة والقمح. إن إيرادات السياحة ارتفعت 4.3 بالمائة في 2011 إلى 58.8 مليار درهم بينما ارتفعت تحويلات المغاربة المقيمين في الخارج ومعظمهم في غرب أوروبا 7.3 بالمائة إلى 58.4 مليار درهم. وتراجعت القروض والاستثمارات الأجنبية الخاصة 35 بالمائة إلى 25.5 مليار درهم. على صعيد آخر، سجل المغرب عجزا في المعاملات الخارجية يوازي 4.3 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2011. وبلغت احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية 166.4 مليار درهم بنهاية 2011 وهو يكفي فقط لتغطية واردات خمسة أشهر ونصف الشهر وهو الأقل منذ عدة سنوات. ويرجع نحو 40 بالمائة من الزيادة في قيمة الواردات، حسب أرقام مكتب الصرف، إلى ارتفاع قيمة واردات الطاقة التي بلغت نحو 91 مليون درهم في 2011 بزيادة 32.7 بالمائة عن عام 2010. وارتفعت واردات القمح بنسبة 48.3 بالمائة من حيث القيمة إلى 11 مليار درهم بينما زادت الكمية بنسبة 16.5 بالمائة إلى 3.78 مليون طن. وزادت صادرات السلع 13 بالمائة إلى 169.2 مليار درهم. وبلغ صافي صادرات الفوسفات والمنتجات الثانوية 47.28 مليار درهم بنهاية 2011 بزيادة 31.8 بالمائة عن عام 2010 وكانت قد ارتفعت 44.4 بالمائة على أساس سنوي في يونيو. واعتبر الخبير الاقتصادي ادريس بنعلي على أن مؤشرات الاقتصاد الوطني الذي تتسلم على إثره حكومة بنكيران تدبير الشأن العام" وضعية هشة"، معتبرا في تصريح ل "التجديد" على أن تدبير "مخلفات الحكومة السابقة" يتطلب إعادة النظر في طرق تدبير الاقتصاد الوطني. ولعل من الأولويات بالنسبة لبنعلي، ضرورة حل معضلة صندوق المقاصة (الذي استنزف سنة 2011 حوالي 52 مليار درهم من الميزانية العامة). كذلك حكومة بنكيران مطالبة، حسب بنعلي، بايجاد حل لمشكل تمويل الاقتصاد الوطني. مشددا على أن تكريس منطق الشفافية في تدبير ملفات الاقتصاد الوطني ومحاربة الفساد وبعث الثقة في الفاعلين بإمكانه أن يعيد جزء من الحيوية لمسار الاقتصاد الوطني.