انتهت أول أمس السبت الحملة التي أطلقتها «الكيبيك» على امتداد ترابها، والتي همّت مقاطعة التدخين لمدة أسبوع، انطلاقا من يوم الأحد 17 إلى غاية يوم السبت 23 يناير 2016، تحت شعار «أسبوع من أجل كيبيك بدون تدخين»، وذلك للتحسيس بمخاطر هذه الآفة وانعكاساتها اليومية على صحة المعنيين بفعل التدخين وعلى محيطهم، أشخاصا وبيئة. حملة جاءت في سياق اعتزام حكومة «كيبيك» اعتماد إجراءات أكثر تشددا في منع التدخين في الأماكن العامة، فبعد أن أعلنت عزمها على تأطير وتنظيم استعمال السيجارة الإليكترونية، ومنع التدخين في شرفات المطاعم والسيارات في حال وجود أطفال فيها، تسعى حاليا إلى إقرار المزيد من الإجراءات، من قبيل منع تدخين السجائر بما فيها السجائر الإلكترونية في الملاعب المخصصة للأطفال وفي المسابح العامة، حماية للأطفال من أضرار التدخين ومن أجل إبعاد صورته السلبية عنهم. وإذا كانت مبادرات ال «كيبيك» متقدمة بشكل كبير مقارنة بوضعنا في المغرب، فهي ستبدو بسيطة أو غير ذات جدوى إذا ما قورنت بخطوة «تركمنستان»، فبعيدا عن أية تفاصيل أخرى مرتبطة بهذا البلد، الذي يقع في آسيا الوسطى، والذي كان إحدى الجمهوريات التابعة للاتحاد السوفياتي سابقا، لايمكن إلا التصفيق لقرار إصدار مرسوم يمنع الاتجار في كافة أنواع التبغ، لتصبح بذلك أول دولة في العالم تلجأ للحظر الكلي للتدخين، متجاوزة الدول التي حظرته جزئيا في الأماكن العامة، وهو ما يعني أيضا الانعتاق من أغلال القيود الاقتصادية، لأجل الصحة العامة وتداعياتها الإيجابية على الفرد والمجتمع، والتي لها صلة أيضا بالجانب الاقتصادي، على اعتبار أن كلفة الإنفاق الباهظة من أجل تحمل تداعيات التدخين سيتم التخلص منها أيضا، في الوقت الذي نصّ المرسوم المذكور أيضا، على فرض غرامات تصل إلى 1700 دولار أمريكي على أي تاجر يتم ضبطه يبيع التبغ في البلاد، في الوقت الذي بثّ التلفزيون الحكومي صورا تظهر إحراق آلاف علب السجائر. نموذجان يجد المرء صعوبة في الوقوف على حقيقة عدم الاقتداء ولو بأحدهما، على اعتبار أن المغرب كان سبّاقا إلى سنّ القانون رقم 15.91 المتعلق بمنع التدخين والإشهار والدعاية للتبغ في بعض الأماكن في مطلع التسعينات، وهو الذي وقّع على الاتفاقية الدولية لمحاربة التدخين في 14 أبريل 2004، ورغم ذلك يغيب أي فعل إيجابي وتنزيل لهذه المضامين القانونية على أرض الواقع، في وقت يرتفع عدد المدخنين، وتعرف وتيرة الوفيات ، نتيجة لهذا الفعل، تصاعدا، شأنها في ذلك شأن مؤشر/منحى الأمراض، وهنا يكفي أن نشير إلى أن سرطان الرئة أضحى يكتشف عند المرضى/المدخنين في سن 32 سنة وليس 55 سنة ، كما كان الأمر في السابق، كما أن 95 في المئة من المرضى المصابين بسرطان الرئة بمصلحة أمراض الجهاز التنفسي بالمستشفى الجامعي بالدارالبيضاء هم من المدخنين، لأن التدخين يساهم في انتشار الداء وأمراض أخرى، بسبب المواد السامة الموجودة في التبغ، والتي يصل عددها إلى 4 آلاف مادة سامة، منها المواد المهيّجة أو ما يعرف بالفرنسية ب « irritants «، التي تتسبب في تدمير وسائل الدفاع التي خلقت معنا في الجسم، لتحمينا من الجزيئات والميكروبات التي تصل إلى القصبات الهوائية، ومن بينها الشعيرات التي توجد في القصبات الهوائية، وتؤدي إلى التهاب مزمن وتعفنات متكررة ومزمنة، التي تتسبب في قصور في التنفس، إلى جانب المواد المسرطنة، وثاني أوكسيد الكربون، الغاز السام، والنيكوتين الذي يسبب الإدمان، وغيرها. هذه الأمراض التي ترخي بثقلها المادي والمعنوي على المريض ومحيطه وعلى المجتمع ككل، بالنظر إلى أن فاتورة العلاج هي مكلّفة، ومع ذلك يظل دخان السجائر يتسلل إلى أنوف المواطنين، كبارا وصغارا، إناثا وذكورا، «أصحاء « ومعتلّين، كرها وقسرا، وبالرغم عن أنوف الجميع. مدخنون لايردعهم عن فعلهم «قانون»، ولايثنيهم وازع أخلاقي، وضمير إنساني، في المستشفيات نفسها، وبمؤسسات العمل الخاصة وفي الإدارات العمومية، بداخل حافلة للنقل العمومي، وعلى متن سيارة أجرة، في الأسواق، و»الحدائق» وفضاءات ألعاب الأطفال، وفي كل مكان، مدخنون يقترفون جرائم التسبب في الأذى المادي والمعنوي، عن سبق إصرار وترصّد، دونما حساب أو عقاب! لقد سبق أن بادر الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين إلى تقديم مقترح قانون يرمي إلى منع التدخين والإشهار والدعاية للتبغ في بعض الأماكن العمومية، ونسخ القانون 15.91، تم التصويت عليه في مجلس النواب في 23 يونيو 2008، وبمجلس المستشارين في يوليوز من نفس السنة، إلا أن هذا القانون لايزال لم ير النور، ولاتزال الأمانة العامة للحكومة محتفظة به في الرفوف، لكونه لم يجد طريقه إلى النشر بالجريدة الرسمية لحد الآن، وعليه، فإنه لايمكن، اليوم، استيعاب أن يظل المغرب متخلّفا، عن ركب الدول التي تهتم بصحة مواطنيها، ولايشفع لوزارة الصحة، ولا للحكومة ككل، التقاعس عن إصدار مراسيم تطبيقية القانون 15.91، وغياب التنصيص على الجهات الموكول لها تطبيق هذا القانون، الذي تتدخل لوبيات لفرملته، علما بأن ما يمكن أن تدرّه السجائر هو أقلّ بكثير مما تخسره الدولة ككلّ، ومواطنوها في العلاج من تبعات التدخين، أو ما تفقده الدولة من طاقات، ويد عاملة، وإنتاجية، بسبب هذه المعضلة، التي تتفشى يوما عن يوم في صفوف الصغار، وبداخل المؤسسات التعليمية، وتتخذ صيغا لم تقف عند حدود السيجارة، بل تجاوزتها إلى النرجيلة التي ترفع من نسب المضاعفات السلبية؟