في طنجة، تخرج نساء كثيرات إلى الأسواق الأسبوعيّة لتأمين لقمة العيش لعائلاتهنّ ، حيث يؤدّين دوراً محورياً وأساسيا. الخميس والأحد من كلّ أسبوع، تحمل زينب وفاطمة الزهراء وخديجة ما تجود عليهنّ حقولهنّ الصغيرة ويقصدن سوق دبرّا. هناك على الرصيف، يعرضن التين والبامية والبقدونس والبطاطا والقرع وحتى الألبان والأجبان، التي تؤمّن لهنّ لقمة عيشهنّ. هؤلاء النسوة اللواتي توارثن هذه المهنة، لسنَ إلا عيّنة من بائعات كثيرات يقصدن أحياء مدينة طنجة وأزقّتها، ليحافظن بذلك على تقليد السوق الأسبوعي العائد إلى حقبة ما قبل الاستعمار الفرنسي. وتسويق المنتوجات الطبيعية، تحوّل مع الوقت إلى مشهد فولكلوري سياحي. في السوق المكشوف غير المجهّز لحماية البائعات من حرّ الصيف ولا برد الشتاء، تحمل هؤلاء النسوة مظلاتهنّ، لعلّها تقيهنّ من أشعّة الشمس الحارقة. تقول فاطمة الزهراء: «أعمل هنا منذ خمس سنوات. أبيع الزيتون وأربح ما يقارب 60 درهماً. لكن ذلك ليس بكافٍ، وهو يغطّي مصاريف المواصلات وكأسا من الشاي». تضيف: «في الشتاء، تصبح ظروفنا أصعب وأكثر تعقيداً. وأحيانا أعود أدراجي ببضاعتي، من دون أي مكاسب». أما خديجة التي تأتي كلّ أسبوع من مدينة القصر الكبير التي تبعد بساعات عن طنجة، فتقول: «أخبز الرزيزة (حلوى رزة القاضي) عند الساعة الثالثة فجراً، ثم أركب التاكسي عند السادسة صباحاً مع كيلوغرامات من البطاطا والقرع». تضيف: «أنا هنا لتأمين لقمة عيش عائلتي ولتسديد بعض الديون السابقة. وعلى الرغم من المسافة البعيدة والمواصلات المكلفة ذهاباً وإياباً وعذابها، إلا أنني أجد البيع في طنجة فرصة جيدة. وأنا أبيع بحسب المواسم كل ما يتوفّر، وأربح ما أسد به بعض المتطلبات اليومية وأحياناً لا أربح شيئاً». وحسب مسؤول بغرفة الصناعة والتجارة فإن «السوق الأسبوعي لم يتغيّر منذ زمن طويل، عندما كانت طنجة مدينة مسوّرة، ولا يسمح للأجانب ولا للفلاحين الذين كانوا يسكنون على أطرافها في القرى والمداشر، إلا بدخولها عبر بواباتها الرئيسية. وكان الفلاحون يأتون بمنتوجاتهم البسيطة من خضار وفواكه وألبان ودواجن، ليبيعوها. هؤلاء كانوا يتمركزون في المنطقة التي تُعرف اليوم بسوق دبرّا، أي الغريب«. ويشار إلى أن «العدد الأكبر من الذين كانوا يجلسون خلف «البسطات» على الأرصفة، هم من النساء القرويات. هؤلاء كنا يعملن داخل المنزل وخارجه». ويشدّد على أن ذلك «يدلل على الدور المحوري الذي تلعبه المرأة القروية في تحسين دخل أسرتها المادي« وعن توفير أسواق ملائمة ومجهزة للبائعات في دبرّا أو في رأس المصلى وغيرهما، يقول المصدر ذاته إن «تلك غير موجودة حتى الساعة، إلا أنها من ضمن مشروع التنمية البشرية وإعادة هيكلة الأسواق التي خططت لها الجماعة الحضرية وأوردتها في ميثاق طنجة الكبرى». ويوضح أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك السعدي، عبد الرحمن الصديقي، أن «ثمّة وجهة نظر تقليدية في المناطق الجبلية تقول إن النساء يعملن أكثر من الرجال، ويصنعن المنتجات الطبيعية ويبعنها في الأسواق الأسبوعية». ويضيف أن «هذه الأسواق وضعت قبل عشر سنوات في إطار التنمية البشرية، على شكل وحدات اقتصادية صغيرة، الأمر الذي يساهم في إدماج المرأة اقتصادياً واجتماعيا»ً. ويتابع: «أن الصفة الفلكلورية لهذه الأسواق، تعود إلى البائعات اللواتي يحرصن على لباسهن التقليدي الجبالي، من الشاشية المزركشة إلى المنديل الأحمر». ويشرح أن «هذه الأسواق لا يُشرف أحد عليها عادة. ولا يدفع البائع ضرائب، إلا ضريبة احتلال الملك العمومي المؤقت« ويلفت إلى أن «الاعتقاد كان باختفاء الأسواق الأسبوعية مع الحداثة. لكن، طالما نجد عقليتين تسودان في المغرب، فلا خوف على تلك الأسواق التي تتميّز بأسعار في متناول الجميع وبمنتوجات طازجة. إلى ذلك، ستبقى المرأة هي الأساس فيها« ويعزو المتحدث «خروج النساء للعمل خارج المنزل، إلى ارتفاع مستوى الفقر والبطالة والمنافسة في الوظائف. هؤلاء النساء يساهمن في دعم أسرهنّ مادياً واجتماعياً، ويشجّعن الصناعات المنزليّة التقليدية والمنتجات الطبيعية في أسواق يصل عددها في المغرب ككل إلى 822 سوقاً، 753 منها قروية و96 حضرية«