الأرقام التي كشفت عنها منظمة مراسلون بلا حدود أرقام مخفية تثبت، لا مجال للتأكيد، أن الصحافة ليست مهنة المتاعب فقط ، بل إنها مهنة قد تؤدي إلى الموت والتنكيل والاحتجاز. 110 صحافيين غادرونا سنة 2015 بعدما تمت تصفيتهم بدم بارد وهم يؤدون واجبهم المهني، وأكثرهم وبالضبط 153 صحافيا مازالوا محتجزين يثير سؤالا كبيرا حول الجهة والجهات التي تخشى صاحبة الجلالة التي تنقل الوقائع والحقيقة كما هي بدون مساحيق أو تحيز.. طبعا هذه الجهة والجهات هي التي تعيش في الظلام وتخشى النور لأن بدون ظلام لا يمكن أن يكتب لها الاستمرار والوجود آجلا أو عاجلا. عشرات الزملاء بين قتلى ومحتجزين في سنة واحدة لم يسقط هذا العدد مرة واحدة حتى من خلال الطلعات الجوية التي تشنها أذكى الطائرات والمقاتلات الأمريكية والروسية والفرنسية وهي تحارب داعش. مما يجر المجتمع الحر، الذي يعرف أن المجتمعات الحرة لا يمكن لها أن تعيش بدون صحافة، فهي دعامة حقيقية للديمقراطية والحرية طبعا، يجره إلى المساءلة الأخلاقية أن بقي ضمير لها أمام هذا الاجتثاث الممنهج للمنتسبين للسلطة الرابعة. لماذا لا يقر آليات كفيلة بحماية الصحافي أثناء أداء مهامه دون أن يتم إخضاعه لأجندة أحد ويمارس مهنته وفق الضمير المهني. أكيد أن لغة الحضارة والتمدن وغيرها من القيم الإنسانية سرعان ما تمحوها المصالح الخاصة بالدول التي تدعي أنها تدافع عن القيم الإنسانية ما أن تتعارض مهمة الصحافي الأصيلة مع هذه المصالح.. ولنا في الولاياتالمتحدةالأمريكية الدليل الأكبر، ورأيناها كيف قتلت العديد من الصحافيين بغاراتها وغيرها في حربها غير القانونية ضد العراق. ولا أتحدث هنا عن همجية الدواعش الذين لهم نصيب أوفر في قتل الصحافيين فهذه عقيدتهم التتارية.. صحيح أن العديد من الصحافيين توجهوا إلى مناطق النزاع لتلسيط الضوء على ما يجري هناك، لكن أيضا هناك من دفعتهم الحاجة إلى ذلك دفعا، والحديث هنا أقتبسه من زميلة إسبانية مسؤولة نقابية هناك التي أوضحت أن الأزمة المالية التي ضربت إسبانيا كان المتضرر منها بشكل مباشر قطاع الصحافة والإعلام، مما دفع صحافيين إلى التوجه إلى العراقوسوريا مقابل 70 أورو للمقال الواحد. وكشفت أن ثلاثة زملاء إسبان تم اختطافهم من طرف الإرهابيين في سوريا. ومع ذلك تلح على أنه لاشيء يبرر أبدا ان يعرض الصحافي حياته للموت، فتنوير الرأي العام وفضح الفضائح وتعريتها هي مسؤولية مشتركة بين كل المعنيين حكومة وبرلمان ومجتمعا مدنيا وغيرهم وليست مسؤولية الصحافي لوحده. مهما كان الاتفاق والاختلاف مع وجهة النظر هاته، تبقى الأرقام التي كشفت عنها منظمة مراسلون بلا حدود أرقاما تثير القلق والهلع .. لأننا لا نريد ضياع أي زميل فبضياعه تضيع أعين ويضيع قلم ما أحوج المجتمعات الحرة الحقيقية إليه. على أي، ومن أجل أن نحمي مهنة الصحافة وأهلها حان الوقت، إن كانت الدول التي تدعي أنها فعلا تدافع عن القيم الكونية ونشر الديمقراطية والحرية أن تتبنى طلب منظمة مراسلون بلا حدود ويتم تعيين ممثل خاص لدى الأمين العام للأمم المتحدة لحماية الصحافيين وهذا أضعف الإيمان.