حين تسأل الطلبة الذين يلجون مدارس الفن السابع كل سنة عن الدافع لاختيارهم السينما، فإن غالبيتهم يجيبونك بأنهم يرغبون في أن يصبحوا مخرجين سينمائيين. وبمجرد ما يبدؤون في تعلم أبجديات السينما، ويكتشفون بعض قواعد الكتابة السينمائية، مثل أنواع اللقطات وزوايا التقاط النظر وحركات الكاميرا وكتابة السيناريو...، يعتقدون أن بإمكانهم إخراج أفلام. فهؤلاء يستسهلون كثيرا الإخراج ويختزله معظمهم في جانبه التقني. غير أن الإخراج لا يتطلب بالضرورة معرفة كل هذه الأمور التقنية. فالعديد من المخرجين لم يدخلوا قط مدارس السينما، وهم إما جاؤوها من باب الكتابة أو النقد أو من الأندية السينمائية، ومع ذلك نجحوا في صنع تحف سينمائية خالدة، وفي وضع أسلوب خاص بهم. إذن، فالمسألة ببساطة لا تتعلق بتعلم المهارات التقنية بقدر ما هي مرتبطة برؤية سينمائية تؤطرها خلفية فكرية وثقافية ومعرفية وحتى إيديولوجية. ولهذا السبب، فحين ُيطلب من المخرجين تحديد مفهوم الإخراج يعجزون عن ذلك، ونفس الشيء أيضا يحدث حين ُيطلب منهم تدريسه. يفضلون الحديث عن تجاربهم وأفلامهم والتحاور مع الطلبة بدل إعطاء دروس نظرية في السينما. وعلى كل حال فليست هناك وصفة سحرية جاهزة تصنع منك مخرجا. السينما ليست يقينا ولكنها شك، كما يقول جان لوك جودار، شك قد يتبدد أو يزداد حين تملك نظرة قادرة على التأمل والتساؤل وإعادة النظر في الأشياء. صحيح أن المدرسة تمنحك بعض الأدوات والمناهج التي تجعلك تستوعب بعض الأشياء، ولكنها غير قادرة على أن تصنع منك مخرجا في مستوى المؤلف، وهذا ينطبق على كل التخصصات أيضا، فلا يمكنك أن تصبح فيلسوفا أو شاعرا أو أديبا فقط لأنك درست ذلك في المدرسة أو الجامعة. الإخراج موهبة إبداعية وليس تقنية كما يقول وودي آلن. وعلى الرغم من أن الموهبة شرط أساسي للإبداع غير أنها ليست كافية لوحدها، بل يجب صقلها بالمعرفة والممارسة والتجربة. ولحسن حظنا، فإن أغلب هؤلاء الطلبة المفتتنون بالتقنية غالبا ما يتوقفون في منتصف الطريق أو يغيرون الوجهة حين يدركون ان الإخراج ليس بالأمر الهين كما توقعوه في البداية. ولهذا السبب شرعنا منذ في نشر دروس في السينما أو ماستر كلاس التي ألقاها أو سيلقيها مخرجون وممثلون ومنتجون، مغاربة كانوا أو أجانب. وليس الغرض من نشر هذه الدروس هو إعطاء معلومات عن الإخراج أو التمثيل أو صناعة الفيلم عموما، ولكننها فسحة للتأمل والانفتاح على تجارب مختلفة في السينما، والتعرف على كيف يفكر المبدعون الكبار في السينما. إنها ليست دروسا في السينما وحسب ولكنها دروسا في الحياة أيضا. وحين نقرأ هذه الدروس سندرك مغزى مقولة لطالما ترددت على مسامعنا كثيرا: إذا كنت تحب الحياة فاذهب إلى السينما.