صدر حديثا عن دار المناهل وبدعم من وزارة الثقافة، كتاب أنيق لمحمدجبران بعنوان «يوسف فاضل –السيرة المهربة»، وهو عبارة عن سيرة غيرية تسرد محطات من حياة الروائي والمؤلف المسرحي والسيناريست المغربي يوسف فاضل كما تستعيد مسارا من الإلتقاءات والذكريات التي جمعت الصديقين جبران ويوسف خلال عقود خلت ... الكتاب يتشكل من تقديمين (الاول بقلم موليم العروسي والثاني لأحمد حبشي) و سبعة عشر فصلا بعناوين مختلفة أبرزها: «مثل بداية بعيدة.. «-»على هدي مسرح مرتجى... «-»بداية على مرمى بصر»-»الدور المزدوج ل ‹يوسف فاضل› الممثل «-»-هامش لحقيقة غائبة /مغيبة- «هامش إضافي =23مارس»- «هامش : الإشارة إلى حركة 20فبراير ما يشبه الانفصال»-» في مديح العابرات خطوط نيران الحب» –»في مديح العابرات مثل العابرات خطوط نيران حب عابر» –»حب في تازة «–»مسرحية الكيرة / حرب الغفران الحرب الاسرائيليى المصرية 1973...»-»اعتقال احمد حبشي ومثل الإسراء : يوسف فاضل من معتقل درب مولاي الشريف إلى قاعة سينما الريف» .. في تقديمه للكتاب ، كتب موليم العروسي: « النص الذي توصلت به في المرة الأولى يبدأ هكذا : إلى أحمد حبشي ، في ذكرى همومنا المشتركة ، المدموغة بالخسارات الرائعة وباليأس العظيم « . يتعلق الأمر بيوسف فاضل الروائي والمؤلف المسرحي ، السيناريست والسينمائي المغربي المعروف ، يتعلق الأمر إذن بإستعادة ذكرى مشتركة بين الكاتب ( محمد جبران ) والكاتب ( يوسف فاضل ) وشخصية أخرى ، لن تبرح النص على طوله وعرضه وكل ثناياه وكأنها النغمة اللازمة التي تعيد التوازن إلى المتن كلما حلق بعيدا في سماء الإستعارة ، الأمر يتعلق هنا بأحمد حبشي . يبدأ جبران بوضع أرضية هي بمثابة الخشبة ، التي سوف يؤدي عليها هذا النص المنسوج من خيوط متشابكة ، تتداخل فيها أعمال يوسف فاضل مع منجزات أخرى آتية من خارج الأعمال الفنية ، لكنها تصب كلها في بوتقة الإبداع . هذه الأرضية فضاء بقدر ما يتسع يضيق حتى تخاله سجنا . هذه الخشبة هي درب السلطان ، وكأني بجبران ينحت شخصيات ميثولوجيا لم يكتبها يوسف فاضل نفسه : حبشي ، يوسف فاضل ، درب السلطان والكاتب نفسه وهذا ما يصرح به نفسه : « بيني واليوسف كلام لا ينقال ولا ينكتب ، بيني وبينه أبجدية الحروف الطائرة ، بما في ذلك الكتب المضمرة ...» لعلنا ننتظر كتب أخرى لم يكتبها يوسف فاضل ، ويحس محمد جبران أنه هو المسؤول عن إنجازها . ينتقل الان ، دونما عناء ، من الحديث عن اليوسف ، كما يسميه ، إلى الحي الذي إحتضن طفولته وصديقيه ومجموعة مهمة من الأسماء المعروفة اليوم على الساحة الوطنية المغربية ، وحتى الدولية بفضل حضورها الفكري والإبداعي . وفي أجواء هذه السيرة المهربة يقول محمد جبران : «ظل اليوسف ينظم إيقاعات عميق هول الظلمة المستبدة، هناك على امتداد شهر كامل رتيب ومتحرك في الموت، على هامش ما يحيط به من جهة مكابدات أصوات التعذيب، ومن جهة أخرى على مواعيد المناداة عليه لصراط مساءلته والتحقيق معه بخصوص الافعال التي اقترفها : جريمة اقتراف الاشتغال بالمسرح الموصولة بجرم الكتابة، هكذا كانت البلاد الذاهبة لحال سبيلها ....».(ص:88) وفي شبه تقديم لأحمد حبشي صديقه ورفيقه « فسحة البوح « كتب : كيافعين، كنا نبحث عن فرصة عبور من شغب الطفولة إلى لحظة تحقيق الذات الفاعلة، نحلم بحضور إجتماعي لافت، يضعنا في صدارة الإهتمام ويرفعنا إلى درجة الإستحقاق من بين أقراننا، بالتدريج بدأ إحساس يكتسحنا بأننا نختلف في شغفنا عما يهتم به أندادنا، احتل الكتاب موقع الكرة في مركز إهتمامنا، إنعرجت وجهتنا وصرنا رواد مواظبين لدورالشباب، أصبح حضورنا اليومي لهذه الفضاءات جزء من سعادتنا، بوابة تلاقينا من خلالها مع أصناف معتددة من عوالم الإبداع وصنوف التعبير، واكتسبنا يقينا بأن لنا نزوعا قويا نحو المسرح وأجوائه. هكذا التقت مساراتنا، ورتبت ظروف متعددة صلتنا الأولى بمجريات الإعداد والتشخيص المسرحي، وانخرطنا بحماس زائد لمعرفة كل تفاصيل المجال. انجذاب يوسف فاضل نحو خلط الألوان وترتيب الأشكال، لم يغنيه عن خوض غمار شغب فني تملكه من لحظة الاحتكاك الأولى، فتنته مشاهدة أول عرض مسرحي مكتمل الإعداد، على خشبة المسرح البلدي، الذي كان ذات يوم بشارع للا الياقوت بالدار البيضاء، فرصة تاحتها لنا مشاركة أحد أفراد عائلتي في عرض مسرحية «الذباب» للكاتب والفيلسوف جان بول سارتر، وقدمتها فرقة الشهاب المسرحية، من إخراج الأستاذ محمد التسولي. تتبعنا العرض بانبهار يشد الأنفاس، بعده مباشرة انشغلنا البحث عن كيف نلج محراب أب الفنون، فقادتنا صدفة عجيبة إلى الإلتحاق بفرقة الشهاب، ولصغر سننا أوكل إلينا التلقين وسد الفراغ في حالة غياب أحد الممثلين، كانت فرصة قادتنا إلى التعرف على المسرح كجنس أدبي،وكتراث عالمي متعدد ومتنوع، حفظنا عن ظهر قلب المسرحية التي كانت تعد للعرض ، مما دفع الأستاذ محمد التسولي إلى الاعتماد علينا في بعض التفاصيل أخذنا شغفنا بما أصبحنا فيه، إلى الهوس بنقل ما عايناه إلى أقراننا، نختبر ما أحسسناه كقدرة علي خوض تجربة إبدعية، نبرز من خلال الكثير من مؤهلاتنا حققنا أول إنجاز، عرضناه على أستاذنا ففتن به وقدم لنا كل الدعم، لنعرضه في أحسن حلة سجل بعضملاحظاته ومدنا بكل ما كنا نحتاجه كملابس، بينما اعتمدنا علي أنفسنا في إعداد الديكور وانجازه. فاجأنا يوسف ذات جمعة، حيث اعتدنا أن نلتقي كل أسبوع بدار الشباب بشنتوف، بأن وضع بين أيدينا مسرحيته الأولى « وراء الباب» كانت خطوتنا الأولى، أشرفت على إعدادها وانخرطنا جميعا في تهيئ كل مستلزمات العرض بكل جدية والتزام، وفرنا الجانب المادي بمساهمة أسبوعية يؤديها كل واحد منا بانتظام منذ أن حددنا مبلغها في عشرين سنتيما . ما بقي من هذه التجربة، هو عطاء روادها الذين استمروا موسومين بملامحها، يشكلون أهم مرجع لاستقرائها وإبراز كل مقومات تطورها، يوسف فاضل ككاتب مسرحي وروائي متميز، سيناريست بجاذبية خاصة تم مخرج يؤسس لموقع وازن في مسار التجربة الابداعية المغربية محمد جبران كمبدع مسرحي وصحافي متخصص في ترشيح الحالات، وإبراز ملامح يمارس تمرده بالنبش في الذوات والعزوف عن أي انتماء، قاده عناده إلى العيش بدون بطاقة هوية طيلة خمسة عقود ويزيد من زمن تدبير اللحظات، في باله كأس مترعة وسيل من حديث، يهان أن يفاجئه الردى، وفي جيبه ما يدنيه من اشراقة روحية تحمله إلى سدة مبتغاه، سيرته التي في خاطري تدنيني من أيام صباه، شغبه الصاخب في حضرة أقرانه جزء من لذيذ أيامه، لا يعبر اللحظات متوقعا في صمت أ ويستلذ باجترار أحزان تكدست في معابر أشجانه، لا يستبيح الحديث في غير فورة نضالية اندفعنا فيها بكل زخم الفداء. ما أحفظه في ثنايا ذاكرتي، يشدني إلى بهاء زمن جميل، قساوة الأيام، عسر التدبير وقلة الموارد، يكسر شراستها حب جارف، تآزر لافت واحتضان بهيج، تقابلات جاذبة ومثيرة، شكلت أجواء تمرسنا في حضرة أب الفنون، تلك أيام وسمت ما امتد من زمن حضورنا وما قد يليه، أنز حبورا وأنا أجوب تفاصيل لحظاتها. تحية للعزيز جبران الذي استدرجنا إلى هذا البوح الجميل، المثقل بالحنين، بالتركيز على أعمال المتألق فينا، يوسف فاضل، الذي ظل صديقا وخلا رائعا، استأجر مودته في كل لحظات الارتياب، أحاديثه الطافحة دونما يقين والساخر من كل التفاصيل النازعة نحو الابتذال، منذ كنا ونحن على مودة، في الجوار توطدت أواصرنا وتفتقت أساريرنا في رحاب الإبداع.