كشف تواثر الأحداث على الساحة المصرية جراء الحركات الاحتجاجية التي قادها الشارع في جميع أنحاء الجمهورية العربية المصرية تزايد رهان السواد الأعظم من النخبة السياسية والثقافية المصرية على المؤسسة العسكرية كسبيل لإخراج مصر من أزمتها الحالية. وفي خطوة على طريق سيطرة المؤسسة العسكرية المصرية على قمة السلطة في البلاد بعد انتشارها ميدانيا عند المفاصل الرئيسية في العاصمة المصرية القاهرة ومدن عدة أخرى، في محاولة لاحتواء التظاهرات الغاضبة التي لا تزال تعم الشارع المصري بسبب تزايد عدد القتلى والجرحى في ظل انتشار الحرائق واقتحامات المراكز الأمنية والمباني الحكومية والمتاحف الأثرية والمراكز التجارية والبنوك، عيّن الرئيس المصري حسني مبارك وزير الاستخبارات عمر سليمان أول أمس السبت نائباً لرئيس الجمهورية، إضافة إلى قائد سلاح الطيران السابق أحمد شفيق رئيساً للحكومة الجديدة، ورئيس الأركان اللواء سامي عنان وزيراً جديداً للدفاع، في مؤشر على إطاحة الآمال بخلافة نجل الرئيس المصري جمال مبارك والده في سدة الرئاسة. وهذا يعني التمهيد الى عمر سليمان ليكون هو الرئيس الفعلي لمصر خلال هذه الفترة، ولقد تم اختيار اللواء سليمان تحديدا لأنه المُطلع والمشرف عن قرب على العلاقة الخاصة بين مصر وإسرائيل، وبين مبارك وساسة إسرائيل، وتحديدا بين المخابرات المصرية والموساد الإسرائيلي، ومن الجهة الأخرى فهو المُطلع والمشرف على العلاقة بين المخابرات المصرية من جهة ووكالة المخابرات المركزية الأميركية «سي أي أيه» من جهة أخرى، أي هو من الأصدقاء المقربين الى واشنطن، وبالتالي ضمنت إسرائيل والولايات المتحدة بقاء مصر حليفة لهما، أي بقاء المنظومة نفسها التي تدير العلاقة بين مصر وإسرائيل من جهة، وبين مصر والولايات المتحدة من جهة أخرى. وبما أن سليمان جاء من خلفية عسكرية، ورجل محترم من قبل المؤسسة العسكرية والإستخبارية في مصر، ناهيك عن احترامه في الشارع المصري، ولأجل الحد من طموحات سليمان وعدم استغلاله للتعاطف الجماهيري وتعاطف الجيش تم إحكام المخطط من خلال التطويق الاستباقي لهذه الطموحات بتعيين الفريق أحمد شفيق بموقع رئيس الحكومة أو تكليفه بتشكيل الحكومة، لكي يكون هناك تكافؤ بين الرجلين أي بين سليمان وشفيق . إن المؤسسة العسكرية، تعتبر مركز السلطة في مصر، حيث إن كل رؤساء مصر جاءوا من المؤسسة العسكرية منذ الإطاحة بالملكية. ويظل السؤال مفتوحا حول حجم قوة الجيش التي ربما لا يعرف القادة انفسهم انهم يتمتعون بها. فالمعونات الأمريكية التي تلقتها مصر خلال العقود الثلاثة الماضية، والتي تصل إلى 40 مليار دولار لم تعط الجيش السلطة على قوات الامن فقط والصناعة العسكرية، بل أدت لتدخل الجيش في قطاعات الاستثمار المدني مثل قطاع بناء الطرق والمساكن والبضائع الاستهلاكية. فقد قام الجيش ببناء خط سريع من القاهرة إلى البحر الأحمر، وانتج مواقد وأجهزة تدفئة وثلاجات وحتى أنتج زيت الزيتون وعلب مياه الينابيع. وفي عام 2008 عندما اندلعت مظاهر العنف بسبب نقص الخبز تدخل الجيش وبدأ بانتاج وتوزيع الخبز على المواطنين، مما أدى إلى تعزيز صورته كمؤسسة فاعلة واقل فسادا. وقد سبق للسفير الأمريكي في القاهرة فرانكيز جوزيف ريتشاردوني، وهو الوحيد الذي يجرؤ على وصف النظام المصري في كتاباته ب«الديكتاتور»، حسب وثائق حصلت عليها ويكيليكس، إذ تطرق في برقية سرية أرسلت في مايو 2007 إلى واشنطن أن هناك مرشحين آخرين محتملين ليكونوا خلفا ل«الرئيس»، عوض جمال مبارك مثل الوزير عمر سليمان، والذي كان يأمل منذ سنوات أن يتم تعيينه كنائب لرئيس الجمهورية، وهو «يكره فكرة تولي جمال مبارك للرئاسة»، ويبدو أنه ليس الوحيد الذي يرفض رئاسة جمال.