اكتظ مقهى بيومي وهو مكان تغشاه القتامة وتسبخ بين جدرانه سحب الدخان في وسط القاهرة بمشاهدين يشكون بصوت عال (تحيز) الحكم وهم يتابعون مباراة ودية في كرة القدم فاز فيها المنتخب القطري على نظيره المصري بهدفين مقابل هدف الأسبوع الماضي. ومع اختفاء صوت المعلق التلفزيوني على المباراة وعودة رواد المقهى للعب الطاولة طرح البعض سؤالا محرجا بشأن مصر التي تفتخر بأنها قوة إقليمية بارزة لماذا فازت قطر التي تحتل المركز 114 في تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم باستضافة بطولة كأس العالم لعام 2022 لتكون أول دولة في المنطقة تنظم البطولة بينما لم تحصل مصر على صوت واحد عندما تقدمت لتنظيمها قبل ست سنوات.. تنهد بيومي صاحب المقهى وهو يتذكر أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وقال «ليس لقطر ما لمصر من تاريخ لكن لديها رؤية ومال وهدف حتى تكون زعيمة بين دول المنطقة... كانت مصر تملك رؤية وقوة في عهد عبد الناصر وكانت حتى أكثر استقلالا من قطر الآن التي توجد بها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط لكن هذا البلد (مصر) لم يعد يملك رؤية بل فيه فقط مسؤولون يهتمون بأنفسهم». واحتسى الحاج مسعود (67 عاما) شايه وهو يتحسر على تراجع نشاط مصر وقال «قطر جديدة في كل شيء في الدبلوماسية والتاريخ والثروة.. لمصر تاريخ طويل في كل هذه المجالات لكن شعبها مشغول للغاية بالكدح لكسب العيش». ومصر ما زالت قوة يعتد بها في مجال كرة القدم حيث فاز المنتخب الوطني المصري بكأس الأمم الإفريقية للمرة السابعة في تاريخه هذا العام ليصبح التاسع في التصنيف الدولي. لكن لم يعد بإمكان مصر أن تزعم أنها الدولة الأولى في المنطقة بلا منازع على صعيد السياسة والاقتصاد والثقافة. وتتمتع دول أخرى غير عربية في الشرق الأوسط مثل تركيا وإيران وإسرائيل بقوة أكبر من مصر هذه الأيام وان اختلف البعض في هذا بينما تتفوق السعودية والإمارات عملاقا النفط على مصر ماليا بل أن دولة صغيرة مثل قطر أضحى بإمكانها أن تقوم بدور على الساحتين الدبلوماسية والرياضية اللتين كانت مصر تهيمن عليهما في المنطقة في يوم من الأيام. وقال رامي خوري وهو معلق في بيروت إنه يرى أن مصر ليس لها تأثير فعلي وربط بين تراجع نفوذ مصر وزيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات للقدس عام 1977 لصنع السلام مع إسرائيل فعندها لم يعد العالم العربي يسير خلف قيادة مصر. وقال خوري إن مصر كانت مكانا ديناميكيا خلاقا على الصعيدين الثقافي والسياسي أما الآن فهي تعاني من الجمود بينما أصبح الآخرون أكثر حيوية مثل السوريين وحزب الله اللبناني والإيرانيين والقطريين. وذكر أنه لا يوجد اسم من بين هذه الأسماء أصبح هو اللاعب الوحيد في المنطقة لكنها كلها تقوم بدور كان من قبل حكرا على مصر. وكانت مصر القوة العربية الكبرى دون جدال. ففي الخمسينات والستينات كان عبد الناصر يلهب حماس العرب بتحديه لقوى الاستعمار وعدائه لإسرائيل وبحديثه عن القومية العربية والاشتراكية. وكانت القوى الغربية تكره عبد الناصر مثلما تكره الآن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وخطاب «المقاومة» الذي يردده. ورسخ عبد الناصر نفوذ مصر في شتى أنحاء المنطقة رغم هزيمة إسرائيل له في حرب عام 1967. وكان السادات خليفته نقيضا صارخا عندما جعل مصر أول دولة عربية توقع معاهدة سلام مع إسرائيل. وفي بادئ الأمر أدى اتفاق السلام إلى تعزيز دور مصر بصفتها المحاور الأبرز في الشرق الأوسط. لكن صوت مصر خفت في القرن الواحد والعشرين. فاليوم إيران والسعودية وسوريا هي التي تتشاور حول سبل الحيلولة دون عودة الفوضى إلى لبنان. كما أن إيران هي القوة الخارجية صاحبة النفوذ الأكبر في الصراعات السياسية بالعراق. واستضافت تركيا محادثات السلام غير المباشرة بين إسرائيل وسوريا وتوسطت هي والبرازيل في النزاع النووي الإيراني مع الغرب وحاولت المصالحة بين الفصائل الفلسطينية. وسعت قطر التي يوجد بها مقر قناة الجزيرة الفضائية التي ساهمت في إنهاء سيطرة وسائل الإعلام الرسمية في العالم العربي للتوسط في صراعات اليمن ولبنان ودارفور في السودان وهو الفناء الخلفي لمصر. إضافة إلى ذلك هناك ما تتمتع به جماعات مثل حزب الله في لبنان وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في قطاع غزة من شعبية حيث تتبنى الجماعتان خطابا له صدى أكبر من سياسات القادة المصريين والعرب الذين يحتمون بالمظلة العسكرية الأمريكية التي لا تلقى تأييدا. وحافظ الرئيس المصري حسني مبارك (82 عاما) الذي يحكم البلاد منذ قرابة 30 عاما وقد يخوض الانتخابات للفوز بولاية سادسة العام المقبل على معاهدة السلام مع إسرائيل ووقف بقوة في المعسكر الأمريكي. ويقول عمرو حمزاوي المحلل في مركز كارنيجي للشرق الأوسط إن ما يفتقر إليه مبارك هو «عامل الرؤية. مبارك ليس زعيما له رؤية وتقدم به العمر كثيرا لتصبح له رؤية». ولتوضيح مدى انحسار الدور المصري فمن المجدي النظر إلى تركيا التي حولت نفسها من بلد عاجز اقتصاديا يقع على حافة أوروبا إلى سوق ناشئة وقوة إقليمية صاعدة. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد التركي الذي يساعده الاستقرار السياسي والإصلاحات الصديقة للسوق 7.8 في المائة العام الحالي ليصبح واحدا من الاقتصادات صاحبة الأداء الأفضل في العالم. وتفوق النسبة التوقعات بالنسبة لمصر حيث يتوقع أن ينمو الاقتصاد المصري ستة في المائة في العام المالي الحالي وهي نسبة أفضل من 1ر5 في المائة العام الماضي. ولا يقتصر الأمر على الاقتصاد فحسب حيث وجد استطلاع للرأي أجراه معهد بروكينجز العام الحالي أن العرب يحبون رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أكثر من أي زعيم آخر في العالم. وحققت تركيا في ظل حكم حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه أردوغان والذي يتولى السلطة منذ عام 2002 علاقات أقوى في مجالي التجارة والأعمال مع الدول الإسلامية. وبرزت الشخصية السياسية والثقافية لتركيا أيضا في العالم العربي الذي حكمته لقرون أيام الإمبراطورية العثمانية حيث يشترك الجانبان العربي والتركي في خصائص اجتماعية ودينية. وكانت تركيا وهي الدولة الإسلامية الوحيدة في حلف شمال الأطلسي تتجنب في الماضي الخوض في معضلة الشرق الأوسط لكنها استخدمت نفوذها ومكانتها المتناميان في السنوات الأخيرة للتوسط في صراعات شاقة. وفي إشارة لتنامي النفوذ التركي اختار الرئيس الأمريكي باراك أوباما تركيا لتكون أول دولة إسلامية يزورها بعد توليه الرئاسة وهي الزيارة التي اعتبرت في أنقرة ضربة دبلوماسية موفقة على الرغم من اختيار أوباما للقاهرة في وقت لاحق ليلقي خطابا هاما للعالم الإسلامي. وحين أدان أردوغان إسرائيل لنزول قوات إسرائيلية على سفينة ضمن قافلة مساعدات قادتها تركيا إلى قطاع غزة في مايو الماضي تحول إلى بطل في الشارع العربي ورفع سكان في حي منشأة ناصر الفقير بالقاهرة الإعلام التركية على نوافذ منازلهم. كما تزايد الاهتمام العربي بالثقافة التركية ابتداء من المسلسلات والموسيقى والأكلات وانتهاء بالتاريخ العثماني مما أدى إلى تدفق السائحين العرب على اسطنبول والتي أصبحت وجهة مفضلة لدى البعض لإقامة حفلات الزفاف. ويقول هيو بوب وهو مؤلف كتب عن تركيا ومحلل بارز في المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات «هناك عدد من المجالات يمكن القول إن تركيا أخذت فيها مكان مصر باعتبارها قوة إقليمية... في الخمسينات والستينات كانت مصر هي صوت الحشود العربية. الآن صوت أردغان هو الصوت الذي يحرك الحشود رغم أن تركيا ليست بلدا عربيا». ويشير بوب إلى أن تركيا استفادت من تعاملاتها مع أسواق الاتحاد الأوروبي والأسواق الأمريكية والاستثمارات في التحرر والتحديث في حين لا تزال دول عربية كثيرة مثل مصر تصارع سيطرة الدولة. وقال هلال خشان أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في بيروت «تركيا لديها حكومة ليبرالية ومنفتحة وغربية التوجه منتخبة ديمقراطيا لذلك فان صعودها لا يمثل تهديدا للغرب... إنها نموذج للإسلام الحميد... انحسار دور مصر يرجع لأسباب داخلية إلى حد كبير.. سلطة مبارك ليست ديمقراطية». لكن الديمقراطية ليست السبيل الوحيد لاكتساب قوة.. قطر والإمارات على سبيل المثال خرجتا من الهدوء والعزلة اللذين كانتا عليهما في الستينات وأصبحتا دولتين بارزتين في منطقة الخليج بعد أن استخدمتا إيرادات النفط والغاز في إقامة بنية أساسية من العدم تقريبا. قال جان فرانسوا سيزنيك الأستاذ بجامعة جورجتاون «نجاح الإمارات ليس نجاحا بسبب النفط بقدر ما هو نجاح للرؤية.. أغلب الفضل يرجع إلى اثنين من الشيوخ النشطين.. زايد في أبوظبي وراشد في دبي. خلال فترة هذين الحاكمين صعدت الإمارات إلى العالم الحديث». وأضاف أن الإمارات التي يسكنها ستة ملايين نسمة فقط أغلبهم من العاملين الأجانب يمكن أن تستجيب سريعا للمتغيرات والفرص. وأضاف أن زعماءها قضوا على البيروقراطية لتحقيق نمو اقتصادي متفجر «ولم يفرضوا ضرائب وبصفة عامة أتاحوا جوا من التجارة الحرة». وقال سيزنيك إن دول الخليج ترثى لحال مصر فيما يبدو. وأردف قائلا «من المؤكد أن نفوذها السياسي تقلص تماما في أي قضايا حولها أمام تزايد نفوذ السعودية. ويزداد نفوذ مصر انحسارا من الناحية الاقتصادية». وربما يكون للمصريين هوية وطنية راسخة مقارنة بدول الخليج لكن قوتهم الشرائية ضعيفة إذ يعيش خمسا المصريين في حالة من الفقر كما أن 30 في المئة منهم أميون وبلغ معدل التضخم في أسعار المواد الغذائية 22 في المئة. وقال فاروق مجدي وهو طالب في جامعة المستقبل بالقاهرة «قطر تملك المال وتعلم كيف تنفقه جيدا في حين أن بلدنا لديه مال أيضا لكنه لا ينفقه على النحو الأمثل». وأبدى انبهاره بالملاعب التي تعتزم قطر تشييدها استعدادا لاستضافة كأس العالم 2022 وقال «لم يكن بمقدورنا قط أن ننافسهم فيما يفعلونه». ولم يساعد إشراك مصر في كل مسعى تبذله الولاياتالمتحدة لصنع السلام في الشرق الأوسط في تحسين موقفها إذ إن فشل هذه المحاولات أثبت أنها عبء أكثر منه إنجاز. وقال جمال سلطان من مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية «السادات ومبارك وغيرهما وعدوا بألا يكون السلام سلاما منفصلا مع إسرائيل وإنما سلام عربي إسرائيلي وأن يأتي السلام أيضا بالرخاء». وأضاف أن الكثير من العرب الآن «يعتبرون مصر بلدا متحالفا مع الولاياتالمتحدة لحماية النظام أو لتنفيذ السياسات أو المخططات الأمريكية في المنطقة». وتحصل مصر على نحو 3ر1 مليار دولار سنويا من المساعدات العسكرية الأمريكية وبها واحدة من أكبر السفارات الأمريكية في العالم وهي أهم حليف للولايات المتحدة من الدول العربية إلى جانب المملكة العربية السعودية. وفي عهد مبارك كان الدور الدبلوماسي الرئيسي لمصر هو تسهيل محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية، وفي السنوات الأخيرة كان مصالحة حركتي فتح وحماس وحتى الآن لم يسفر الأمران عن ثمار تذكر. وفي حين أن واشنطن وحلفاءها الغربيين يقدرون جهود مصر في الوساطة ينتقدها بعض الزعماء العرب بشدة بشكل غير معلن. ونقل عن رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم آل ثاني خلال برقية أمريكية سربها موقع ويكيليكس قوله إن مصر لديها أهدافا خفية في إطالة محادثات المصالحة الفلسطينية لأطول فترة ممكنة. وأضاف الزعيم القطري «القيام بدور الوسيط في المحادثات هو المصلحة الوحيدة لمصر مع الولاياتالمتحدة». وقد يكون من بين أسباب ضعف دور مصر في الخارج أيضا استغراقها في المشاكل الداخلية. فالتخلص من التحديات السياسية يستهلك كثيرا من الطاقة بينما أدى الفساد وعجز البيروقراطية إلى خواء المؤسسات وإضعاف جهود الإصلاح الاقتصادي. وقد تولى مبارك وهو قائد سابق للقوات الجوية الرئاسة بعد أن اغتال إسلاميون متشددون السادات في 1981. واستمر العمل بقانون الطوارئ منذ ذلك الحين وتعرضت الحريات السياسية للخنق وراء واجهة من الانتخابات والديمقراطية التعددية. وخلال فترة حكمه أصلحت مصر علاقاتها مع العالم العربي في الثمانينات وقضت على تمرد للإسلاميين في الداخل في التسعينات وأسرعت من الإصلاحات الاقتصادية الليبرالية اعتبارا من 2004 مما أدى إلى ارتفاع معدل النمو الاقتصادي إلى سبعة في المائة ثلاث سنوات متتالية إلى أن حد ارتفاع في أسعار الغذاء العالمية ثم الأزمة الاقتصادية العالمية من سرعة النمو. لكن مصر مثقلة بعبء الزيادة الكبيرة للسكان البالغ عددهم 79 مليون نسمة ومن المتوقع أن يصل العدد إلى الضعفين بحلول عام 2043 إذا استمر معدل النمو الحالي الذي يبلغ اثنين في المائة. ونتيجة لهذه الزيادة السكانية الهائلة يقل نصيب الفرد من الدخل عن نظيره في دول مماثلة مثل البرازيل وجنوب إفريقيا. وأدت بعض حالات التفجر العنيف للتوتر الطائفي بين المسلمين والمسيحيين الذين يمثلون عشر السكان على الأقل إلى تراجع التعايش الذي استمر بين المصريين طويلا. وبرغم أن المشهد الإعلامي الذي أصبح يتسم بمزيد من الحيوية الآن ينعش الحوار فلم يظهر أي منافس قوي للحزب الوطني الديمقراطي وبات من المحتمل في دولة مشغولة بالأمن أن يتحول العجز على صعيد الديمقراطية إلى إفلاس. وأسفرت انتخابات 28 نوفمبر تشرين الثاني عن برلمان غير متوازن يكاد يخلو من المعارضة. وأيد مبارك نتيجة الانتخابات لكن حتى الولاياتالمتحدة قالت إنها «منزعجة» من أنباء تفيد بأن أجهزة الأمن تدخلت ومارست الترهيب يوم الانتخابات. وقال شادي حميد المحلل في مركز بروكينجز الدوحة إن جماعة الإخوان المسلمين وهي أكبر حركة معارضة في البلاد لم يكن لديها حافز لتنظيم احتجاجات من المرجح أن تلاقي ردا حكوميا حادا وهي تعلم أنها لا يمكن أن تعتمد على مساندة الدول الغربية المتوجسة من الإسلام السياسي. وأضاف أن الجماعة «همها الأول هو البقاء ولا تريد دفع النظام إلى مواجهة شاملة معها. إنها تؤمن بأن التاريخ في صفها وهي مستعدة للانتظار». ولم يكترث أغلب المصريين بالإدلاء بأصواتهم في انتخابات الشهر الماضي واستقبل كثيرون النتائج باللامبالاة والسخرية لا باحتجاجات الشوارع. ففي مدينة الإسكندرية مثلا ما أن تستوقف الناس في الشارع حتى يطلعونك دون تردد على ما يشعرون به من إحباط. وقال محمد عبد الفتاح وهو نجار عمره 68 عاما «الانتخابات لا تعني شيئا لا في الإسكندرية ولا في مصر. الناس ضاقوا ذرعا بالسياسة. كل مرشح أقذر ممن سبقه فهم يشترون الأصوات بالمال.. إنها مافيا كبيرة». وقال زنهار رشدي وهو موظف في مجال التأمين يبلغ من العمر 52 عاما إن النواب يتجاهلون دوائرهم بمجرد أن يضمنوا «المكاسب والمفاخر الشخصية» التي يجلبها الفوز بمعقد في البرلمان. وأضاف بصوته الهادئ الذي يكاد يكون غير مسموع في ضجيج الشارع «إنه نظام محسوبية.. يحصل رجال الأعمال على الحصانة حتى يتوفر لهم الغطاء للحصول على كل ما يريدون». لكن هل هناك أي أمل في التغيير.. إن خطط مبارك غير معروفة فقد عانى من مشاكل صحية وهو ثاني أكبر القادة العرب سنا بعد العاهل السعودي الملك عبد الله. وإذا خاض انتخابات الرئاسة العام المقبل فسيفوز. أما إذا قرر عدم خوضها أو لم يستطع استكمال فترته الرئاسية فلا يمكن لأحد أن يجزم بشأن من سيتولى الرئاسة بعده. وعلى الرغم من النفي الرسمي يعتقد كثير من المصريين أن مبارك أعد ابنه السياسي جمال لخلافته لكن فكرة توارث الحكم لا تروق لكثيرين في نظام جمهوري. وقالت السفيرة الأمريكية مارجريت سكوبي في برقية دبلوماسية مسربة إن «مفهوم مبارك بشأن القائد القوي والعادل ينتقص على ما يبدو من رصيد جمال مبارك بعض الشيء نظرا لافتقاره إلى الخبرة العسكرية وقد يفسر موقف مبارك القائم على عدم التدخل في مسألة الخلافة». وأضافت سكوبي «في واقع الأمر يبدو أنه يترك لله والجيش وأجهزة الأمن المدنية ضمان انتقال السلطة بسلاسة». تمر سيارة لبنى محمود المرسيدس الرمادية اللون من بوابة أمنية لمنطقة بالم هيلز فيحل الهدوء فجأة وسط حدائق غناء تحيط برواب معشوشبة ويتردد في السكون هسيس رشاشات الري تنثر الماء على أحواض الزهور وتغريد الطيور. وقد شارفت الفيلا التي اشترتها قبل خمس سنوات ارتفعت فيها الأسعار ثلاثة أضعاف على الاكتمال بأرضياتها الرخامية وأسقفها المائلة المغطاة بالقرميد. وهي تطل على ناد مترامي الإطراف به ملعب لكرة القدم وملاعب للتنس وحمام سباحة أولمبي ومقاه ومطاعم. وتقول لبنى وهي سيدة أعمال عمرها 45 عاما تستورد كيماويات لمصانع الطلاء «عندما رأيت هذا المكان كان أشبه بالحلم». ولا يبعد المكان أكثر من 30 كيلومترا عن وسط القاهرة لكنه وكثيرا مثله من المشروعات التي باتت تحيط بالمدينة تمثل عالما بعيدا عن ضجيج العاصمة ودخانها وزحامها. أما بالنسبة لغالبية المصريين فقد تكون هذه المشروعات على كوكب أخر. ففي بلدة الدلجمون الصغيرة الواقعة في دلتا النيل شمالي القاهرة تسير عربات «التوك توك» السوداء متخبطة بحوار الماشية في شوارع أغلبها غير مرصوف. إنها بلدة تتعايش فيها المصانع الصغيرة والورش مع إيقاع الحياة الريفية الأبطأ. ويقول علي أبو عيسى الذي يقدم الشاي في استراحة على طريق للسفر خارج البلدة «الأسعار ترتفع بجنون ولا يمكنني ملاحقتها بما أكسبه من مال وبأسرتي الكبيرة». ولابو عيسى الذي تبدو أعوامه السبعة والستين على ملامحه ثمانية أبناء وهو جندي سابق خاض حرب اليمن وحربي 1967 و1973. وأضاف «أناشد مبارك مساعدتنا» زاعما أن الرئيس تحيط به حاشية لا تهتم إلا بمصالحها وتحجب عنه معاناة الناس. وقال «المسؤولون فاسدون وجشعون. يأخذون كل شيء ولا يتركون لنا إلا الفتات». وتبدو الفوارق بين الأغنياء والفقراء في مصر أوسع من أي وقت مضى لكن الحكومة تنفي أنه لم يجن ثمار الإصلاح الاقتصادي إلا قلة مميزة. ويصر وزير المالية يوسف بطرس غالي على أن توزيع الثروة في البلاد يصل إلى طبقاتها الدنيا ويقول إن مستوى معيشة المواطن المصري العادي تحسن كثيرا على الرغم مما تسمعه في الشارع. وقال لرويترز إن مصر كان من الممكن أن تحقق ما هو أفضل لو لم تواجه الإصلاحات بعض العراقيل بسبب البيروقراطية ومن وصفهم بالأشخاص الذين يعتقدون أنه ينبغي عدم السماح للأجانب بالاستثمار في الأرض أو شرائها وكأنهم سيحملونها على ظهورهم ويرحلون بها. وسلم مجدي راضي المتحدث باسم مجلس الوزراء بأن تركيا تفوقت على مصر في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في السنوات الست الأخيرة. وتظهر الأرقام الرسمية أن مصر جذبت استثمارات قدرها 45 مليار دولار في تلك الفترة مقارنة مع 81 مليار دولار بالنسبة إلى تركيا. ويقول راضي إن أفضل رقم حققته مصر كان 13 مليار دولار مضيفا أن أعلى ما حققته تركيا وهو 22 مليار دولار في 2007 كان يحفزها في الوصول إليه طموحها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ولا يمكن لمصر التطلع للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لكن مع غياب أي تحول نحو قيادة أكثر حيوية في المستقبل المنظور فقد كان من شأن استضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم أن تمثل المشروع الذي يثير الحماسة في مصر. لكن مع فوز قطر بتنظيم البطولة في إحدى دوراتها القادمة يحلل مشجعو كرة القدم في مقهى (بيومي) الوضع تحليلا ينم عن الجزع. فيقول مجدي سارو وهو مهندس عمره 43 عاما «دور مصر في المنطقة ينحسر.. لأن مصر واقفة في مكانها منذ 30 عاما بينما ظهرت دول فتية لم تكن على الخريطة مثل قطر تتقدم بخطى سريعة».