دخل المقهى و في يده حزمة ربطات العنق! .ربما باع منها بعض الوحدات.بدا ذلك من خلال قسمات وجهه المتجهم ذي اللون الأزرق المائل الى السواد نتيجة تدخين سجائر رخيصة و تناول مأكولات باردة... هز رأسه نحو شاشة التلفزة و هو يصيح " كرافاطه ، كرافاطه" . محمد يحول عينيه عن وسط الشاشة و يقول بصوت خافت: ماذا نريد بالكرافاطة ؟ ألخنق أعناقنا!" ويتابع بصوت حاد وسعه كبير :" منتخب مريض ، فريق مشتت" . رد عليه صديقه العربي و أسنانه الأمامية غائبة " تفو ؟ شوف شوف على كرة! ". مذيع المباراة تعب من التغطية بغطاء مفضوح و مكشوف. الفرق كبير بين ما ينطق به و بين ما يرى على وجه العشب الإصطناعي .المخرج ، صاحب الكاميرا يبدو أنه فقد أعصابه و أصبح يجعلها في ثلاجة عن طريق توجيه الكاميرا نحو حسناوات مغربيات.إحداهن عندما تكتشف نفسها على شاشة التلفزيون مباشرة تنط من مكانها و ترسل التحية... المنتخب الإفريقي يسجل الهدف الأول . جل المشاهدين ولجوا باب الصمت .أحد رواد المقهى إنزوى في زاوية خارج المقهى موليا ظهره لظهر الشاشة. ربما مصاب بصعقة رياضية قديمة .صعقة هزيمة المنتخب الوطني .وربما طلق متابعة الكرة منذ زمن بعيد مثل شعيب. شعيب لم يعد يهتز لسماع مباريات كرة القدم بعد صدمة عصبية قوية .انحرف نحو فنون الحرب . لعبة فنون الحرب يستطيع أن يدافع بها عن نفسه.العربي يصيح : " أوغاد، يعجبوننا في الانحراف و في شرب الشيشا في مقاهي فرنسا المنحرفة ." رد محمد عليه :" أكنت معهم أيها المعتوه؟"." لا بل رأيناهم يدخنون الشيشا عبر الآنترنيت على موقع اليوتوب"." يخ على انحراف." الكرة في الزاوية لصالح المنتخب المغربي ،العربي يصيح : " ها هو ، ها هو " الكرة تقدف من الركن بعيدة كل البعد عن الشبكة.العربي كان يأمل تسجيل هدف التعادل على الأقل. غاب بائع ربطات العنق، بلعه جوف الدارالبيضاء الكبير... . النادل يمشي جيئة و ذهابا بسمرته و جسده النحيف. المقهى يوم المبارة لا يحسبها النادل سوى شبكة. يوم المباراة طلبات كثيرة : قهوة بالحليب، قهوة بالشوكولاته ، قهوة مهرسة ، ليمونادا ، سجائر .وضع علبة السجائر في جيب " القميجة" قريبة من قلبه !.عيناه براقتان. يمسح كل مساحة المقهى بمجاله البصري حتى لا يضيع طلب إحدى الداخلين في شبكته. اللاعبون المغاربة كلهم أتوا من فرق أوروبية إلا لاعبا واحدا من البطولة الوطنية داخل التشكيلة. لم يلتقوا إلا في أسبوع .غياب انسجام و تركيز داخل الملعب المعشوشب ، الكبير الواسع و الجميل بأضوائه اللامعة و فضائه الواسع... أتذكر شعيب و هو يروي لنا ذات ليلة مقمرة :" حينما كنا في الطفولة ، نلعب كرة القدم ، كنا نحلم أن نصبح لاعبين كبارا بشهرة واسعة الحدود .يوم الأحد نتسلل قبل دخول رجال الأمن الى الملعب .نخفي قاماتنا الصغيرة منذ الصباح الى ما بعد الزوال وسط الحشائش أو البيوت الخشبية بدون أكل ولا شرب . بعد الكبر اكتشفنا أن الكرة خداعة و خدعة و خداع مثلها مثل باقي الأشياء التافهة !؟.كنا نحلم أن نكون مثل بادو الزاكي و فرس و مارادونا ...لكن تبين أننا لا نتقن الكرة و لا حتى معرفة قانون لعبتها و مشاهدتها." أحد لاعبي هجوم المنتخب الأفريقي ينفرد بالكرة و بطريقة بسيطة يسكنها في الجانب الأيمن من شباك الحارس المغربي .الهدف كان قاتلا. محمد يصيح " من أين أتوا بهذا الحارس البورجوازي المتعفن. حارس مرمى أبوه يدير شركة اتصالات! .حارس مرمى يجري حوارا بلغة انجليزية! .وا فين ايامك آآآآ زاكي" واحد وراءه يسب و يلعن " يلعن دين..." ويرشف آخر قطرة من كأس قهوته" الكل تجمد في مكانه .هناك من أصبح يشجع الفريق الزائر الإفريقي... مدرب الفريق المغربي ينسل تحت أمطار الغبن. قنينات عامرة و فارغة تنزل عليه مدرارا . سب وشتم " يا ولد ...عيطوا على الزاكي " .أحد المتفرجين يثور " هل الكرة التي يحكمها جنرال هي كرة! ؟ انها عسكرة الكرة.انهم يضحكون على الشعب ، يهينون رآيته الوطنية ، المدرب يقبض شهريا أجرة مائة موظف متوسط، أو أجرة ألف عامل بسيط. شفارة يخ، هلكونا ، مصونا ، يحرق دين ..." صفارة حكم المباراة تعلن على نهاية المقابلة بهزيمة المنتخب الوطني على ايقاع أغنية " descends faite vite descends .descends monsieur le président. Descends faite vite descends c'est la vrai vie qui t'attends... " التي يغنيها على مسامعي العربي المعتوه على إيقاع البوب في نهاية كل مبارة." أيها الرئيس تنحى. تنحى .الحياة الحقيقية تنتظرك وأترك الكرة تلعب في الهواء الطلق"...