(1) في زمن الحرب، الكوارث الطبيعية، والفواجع البيئية، هل تصنع (الكرافاطات) الحمراء، الزرقاء، الرمادية، الوردية، المزركشة، المخططة الخ، هل تصنع الصحفي وتعلي من مقامه وهو يقوم بتغطية حدث يثير الانكسار في النفوس؟ بالطبع لا تضع ربطات العنق (أو كما يسميها عامة الناس: القجاجة) الصحفي أو المراسل الصحفي، لأن المطلوب هو تصوير الصحفي المراسل المكان الذي سيتواجد فيه قبل السفر إليه ليهيئ له العدة المناسبة (أقصد هنا الهندام المناسب). (2) جرني الى هذا الكلام وأنا أتتبع بفضول مراسلات زميلنا محمد آيت لشكر، الذي أوفدته القناة الأولى المغربية لتغطية ما يجري في الأراضي الفلسطينية في خضم الهجمة التاتارية الإسرائيلية على غزة بخاصة. كان زميلنا في كل مراسلاته التي انصب مضمونها في %95 منه عن الحديث عن المساعدات التي وجهت الى الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من طرف المغرب، وحديثه عن الطائرات العسكرية المغربية وعددها وحمولتها وأنواع المواد التي تنقلها على متنها، أعتذر عن هذا الاستطراد لأن موضوع المضمون يحتاج الى تحليل آخر كان في مراسلاته مزهوا بالكرافطة في مكان يحتاج الى هندام آخر. (3) مما لاشك فيه أن محمد آيت لشكر التقى، وتقاسم الأكل والشرب مع عشرات الصحفيين هناك، هؤلاء الصحفيين الذي شاهدناهم في الكثير من القنوات بما فيها الأولى المغربية والقناة الثانية وهم يرتدون هنداما يناسب الميدان: صدريات، جاكيطات، قبعات واقية من الرصاص، الخ. أعرف كيف كان ينظر زميلنا الى الصحفيين المجندين هناك، ولا أعرف كيف كانوا ينظرون إليه؟ لقد استمر الرجل أنيقا بكرافاطاته أتساءل فقط لماذا نسي أن يحمل معه المناديل التي توضع في الجيب الأعلى للسترة التي كان يلبسها ؟ (4) ربما لأن زميلنا لشكر اعتاد التغطيات «الوردية» من الشان ايليزيه بباريس، من أمام البناية الزجاجية لمقر اليونيسكو، من مقر المنظمات الاوربية في بروكسيل وغيرها، لأنه اعتاد على ذلك، لم يستطع أن يفرط ولا أن «يفارق» في المعنى العاطفي والعشقي كرافاطاته. كان الميدان ميدان حرب، وميدان هدير الطائرات والمروحيات والشاحنات.. ومع ذلك فقد تمسك مراسل الأولى بلباس أنيق كما أنه ذهب ليعلم الصحفيين الآخرين كيف يلبسون في زمن الحرب ليته فقط تخلى عن الكرافاطه، فعلى الأقل سيكون قد دخل في صورة ما يجري هناك ولو بنسبة %50. (5) أخيرا، هل تلقى زميلنا لشكر ملاحظة من زملائه وزميلاته في دار البريهي، لينبهوه الى أن عليه إعادة النظر في هندامه تماشيا مع رمزيات المكان؟ لا أعتقد. وهنا أتذكر وزراء كاتب الدولة في الماء مثلا، زهود الذين ذهبوا خلال فيضانات مناطق الريف في نهاية العام الماضي ليتفقدوا الأمكنة المتضررة، وهم مرتدون لبذلاتهم الرسمية، بالكرافاطات والأحذية الصقيلة، مع أن المقام كان يتطلب لباسا آخر، ونفس الشيء يقال عن بعض الوزراء الذين يشاركون في المسيرات التي تنظم تضامنا مع الشعب الفلسطيني. (6) صحيح أن الهندام لا يصنع الصحفي، ولا الكرافاطات تصنع الصحفي، ولكن هندام الصحفي في مناسبة معينة ومكان معين، يعكس ذهنية وتصوره للحدث الذي ذهب لتغطية: مؤتمر، حرب، كارثة طبيعية أو بيئية. وقد وقع محمد آيت لشكر في هذه الورطة أو هذا الخلط الذي لم يخرج منه طيلة التغطية. لزميلنا نتمنى عودة ميمونة بلا أضرار، خاصة الأضرار التي قد تصيب كرافاطاته، أي ربطات عنقه، ألا يكون هندام السهرة مختلفا عن هندام الميدان؟