شكل سؤال «الرقابة على السياسات الأمنية بالمغرب: المرجعيات والتشريع والنخبة السياسية»، موضوع أطروحة للدكتوراه نال على إثرها الزميل الصحفي إحسان الحافظي، شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية، بميزة مشرف جدا مع توصية من اللجنة العلمية بالنشر باعتباره عملا مؤسِّسا في حقل العلوم الأمنية شكل سؤال «الرقابة على السياسات الأمنية بالمغرب: المرجعيات والتشريع والنخبة السياسية»، موضوع أطروحة للدكتوراه نال على إثرها الزميل الصحفي إحسان الحافظي، شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية، بميزة مشرف جدا مع توصية من اللجنة العلمية بالنشر باعتباره عملا مؤسِّسا في حقل العلوم الأمنية. وقد تميزت جلسة المناقشة بحضور مجموعة من الفعاليات الإعلامية والحقوقية والأمنية والقضائية إلى كلية الحقوق بجامعة الحسن الأول بسطات، لأجل متابعة المناقشة. وتناول على مناقشة الأطروحة لجنة علمية مكونة من الأستاذة حسن طارق بصفته مشرفا، وعبد الرحيم منار اسليمي وعبد الجبار عراش ونجيب الحجيوي أعضاء في لجنة المناقشة. وتناولت الأطروحة إشكالية أثر التحولات الدستورية والسياسية في المغرب على مجال إنتاج السياسات الأمنية، سواء من حيث مرجعياتها أو قوانينها أو دور النخبة السياسية في هذه المرحلة. من حيث المرجعيات، يستجمع البحث عددا من النصوص المعيارية في مجال الرقابة على السياسات الأمنية، مع قراءة متقاطعة لهذه الترسانة على ضوء القوانين الداخلية، وذلك في سياق البحث في مختلف مستويات الملاءمة القانونية والدستورية للتشريعات الوطنية مع النصوص المرجعية. بالإضافة إلى ذلك، نعرض لمختلف أشكال التراكم المؤسساتي الدولي والوطني، في مجال الرقابة على السياسات الأمنية، ما أسماه البحث ب»قواعد المسؤولية التقصيرية للدولة، الناشئة عن أعمال قطاع الأمن»، بالإضافة إلى توثيق مختلف النصوص التي تهم مسار بناء المؤسسة الأمنية في المغرب منذ التأسيس. وفي علاقة بالفاعلين تطرق البحث لموقع السياسات الأمنية في النقاش العمومي، بالوقوف عند ثلاثة مداخل: يهم الأول المدخل الحقوقي، من خلال تجربة العدالة الانتقالية وهيأة الإنصاف والمصالحة، وكذا تراكمات الترافع الحقوقي الذي اشتغل طويلا على قضايا ترشيد الحكامة الأمنية. ويليه مدخل ثان يبحث في أدوار الفاعلين في الحقل السياسي بمختلف مستوياتهم، ثم أخيرا مدخل الفاعل البرلماني من موقعه الدستوري الجديد. في الأجندة، انطلق البحث مما حملته الوثيقة الدستورية من آليات جديدة من شأنها إعادة توزيع السلط وبناء علاقة جديدة بين النخبة البرلمانية وميكانيزمات إنتاج السياسات الأمنية، وضمن هذا المدخل يحضر الثقل الملكي كمحدد للسلوك البرلماني، لنخلص إلى أنه طيلة الفترة الماضية اتسم التشريع الأمني بغلبة التشريع الظهيري. من هذا المنطلق، فإن مركزية العلاقة بين الرقابة البرلمانية والسياسات الأمنية، من حيث المرجعيات والفاعلين والأجندة، تفرز إشكالية أخرى لا تقل أهمية، تتعلق بآليات ووسائل تنفيذ هذه الرقابة على ضوء دستور 2011، بوصفه سياقا نصيا لهذا البحث، إذ تشكل الوثيقة الدستورية مدخلا لاختبار فعالية الرقابة البرلمانية في السقف الزمني للتجربة البرلمانية الحالية. في أطروحة الرسالة يعتبر الباحث أن توصيف السياسات الأمنية بسياسة عمومية، من شأنه أن يحدث نقلة نوعية تعيد بناء المؤسسة الأمنية، بقراراتها وقطاعاتها، على قواعد المسؤولية والمحاسبة، بما يضفي مشروعية على أعمال قطاع الأمن. ومن هذا المنطلق، فإن البحث في سؤال الرقابة على السياسات العمومية الأمنية بالمغرب، يشكل محاولة لاستشراف أثر الدستور في التأسيس لتقاليد سياسية جديدة، تؤثر في مواقع الفاعلين في الحكومة والبرلمان، وتعيد بناء العلاقة بين السلطة والمجتمع. وللإجابة على هذا السؤال يسائل البحث في القسم الأول: السياسات العمومية الأمنية، المرجعيات والسياق والتراكم، من خلال تتبع تطور هذه السياسات وتمثلاتها ومرجعياتها في التراكم المعياري والمؤسساتي ومحاولة توصيف الخطاب حول الأمن، فيما يبحث القسم الثاني منه في تجليات الرقابة على السياسات الأمنية بالمغرب، من استقرار الآليات والتشريعات والأدوار المنوطة بالنخبة البرلمانية، من خلال استرجاع مجموعة من النصوص القانونية المنطقة لقطاع الأمن، بمختلف مستوياته الشرطية والعسكرية والاستخباراتية، والوقوف على محددات هذه الرقابة وتجلياتها وأثرها على مضمون السياسات وبنية التشريع الأمني بالمغرب. وفي سياق مساءلة أدوات اشتغال المؤسسة البرلمانية في مجال مراقبة السياسات الأمنية، يؤكد البحث على فرضية تأثر أداء النخبة المشرعة بما أطلق عليه «أطروحة السياق»، سواء التاريخي أوالسياسي لبناء قطاع الأمن، وأثر هذا السياق على الوظيفة الرقابية للبرلمان في علاقة بالنسق السياسي المغربي الذي يجعل من المؤسسة الملكية فاعلا أساسيا في الحياة التشريعية. وفي هذا السياق خلص البحث إلى أن النخبة السياسية تستبطن فكرة أن قطاع الأمن مجال فعل سيادي ملكي بامتياز، ما يجعل لحظة انتقاله من الفعل السيادي إلى الفعل العمومي محدودة الأثر، وهي فرضية أكدتها طبيعة التعديلات والمناقشات التي صاحبت قانون الضمانات الأساسية الممنوحة للعسكريين وقانون العدل العسكري ومراجعة قانون الإرهاب وتعديل قانون مكافحة غسيل الأموال. من حيث الأداء، خلصت أطروحة «الرقابة على السياسات الأمنية بالمغرب، إلى أن النخبة البرلمانية تعوزها المعرفة المتخصصة بقضايا السياسات الأمنية، وهو ما يفسره الخلط الذي أشار إليه البحث بين السياسة الأمنية والسياسة الجنائية مثلا. ومن جهة أخرى، يصطدم الفاعل البرلماني بسرية المعلومة الأمنية وصعوبة الولوج إليها، رغم دورها في تحديد سلوكه التصويتي بشأن السياسات الأمنية التي يقترحها القطاع الحكومي. واعتبر الباحث أن تجاوز هذه المفارقات تطلب من المشرع الدستوري التنصيص على تمثيلية الفاعل البرلماني داخل المجلس الأعلى للأمن، ممثلا في رئيسي غرفتي البرلمان، طبقا لمقتضيات الفصل 54 من الدستور، إذ يتبنى المشرع من خلال المجلس فكرة مأسسة إنتاج السياسات الأمنية. إلا أن محاولة تنزيل هذا النموذج في التربة المغربية، يصطدم بعدة إشكاليات تاريخية ومؤسساتية. فمن الواضح أنه رغم الأجوبة التي تقدمها الوثيقة الدستورية الجديدة للدفع نحو مأسسة السياسات الأمنية، فإن تنازع المشروعية بين الإداري والسياسي قد تؤثر في بلورة فكرة المأسسة. ونبه الباحث إلى أن غياب تمثيلية لوزارة المالية والاقتصاد داخل تركيبة المجلس الأعلى للأمن، يطرح علامات استفهام بشأن اقتصار التشكيلة داخل هذه المؤسسة الدستورية، على قطاعات الداخلية والعدل والخارجية وإدارة الدفاع الوطني وكل شخصية يعتبر حضورها مفيدا للمجلس، وذلك رغم التكامل القائم بين الأمن الاقتصادي والأمن الداخلي، وهو تكامل يجد مبرراته في بعض التشريعات الأمنية، التي تجمع بين تجفيف منابع تمويل الإرهاب والحرب ضد هذه الجريمة. بالمقابل، سمح استقراء الأداء البرلماني على ضوء تحريك آليات الرقابة في مجال السياسات العمومية الأمنية، برسم جزء مهم من الولاية التشريعية التاسعة 2011-2016، بتحديد بعض خصائص الرقابة البرلمانية على السياسات الأمنية بالمغرب، على ضوء النقاش حول قطاع الأمن، سياسة وتشريعا، ومن أهمها: إن وجود الملك، بما يحمله من ثقل سياسي ووطني في الفضاء السياسي العام، كرس وضعا سلطويا هرميا يستند إلى خصوصية «استمرت في تشكيل فكر دستوري مغربي» وهي خصوصية كان لها الأثر على الوظيفة الرقابية للنخبة البرلمانية على الشأن الأمني. إن بقاء المؤسسة الأمنية خارج دائرة «التعيين الحزبي» جعل منها مؤسسة قادرة على القيام بمهام بفعالية أكثر، وحافظ لها على موقعها المحايد في الشأن العام، مع احتفاظها بوظيفتها الطبيعية في تأمين الاستقرار والأمن والحفاظ على النظام والأمن العامين. رغم التنصيص الدستوري على مبدأ فصل السلط، فإن الحضور المكثف لسلطة الملك شكل مرجعية لتوزيع أدوار السلطة بين البرلمان والحكومة، وهو توزيع عقد مهمة تحريك آليات الرقابة على السياسات العمومية الأمنية بالخصوص. إن تركيز عملية صناعة التشريع الأمني في شخص الملك طيلة أربعة عقود، جعل منه مصدرا أساسيا لكل التشريعات المتعلقة بقطاع الأمن. في حين لم يكن للتحول الذي أحدثه دستور 2011، الأثر الكبير على أداء النخبة السياسية، فهاجس الثقل الملكي حاضر في كل المناقشات البرلمانية، وتفعيل رقابة التشريع يقع تحت تأثير العلاقة المفترضة بين النص وسلطة الملك. إن دور بعض الدوائر الحكومية، وزارة العدل والحريات ووزارة المالية والاقتصاد مثلا، محدود الأثر في صناعة السياسات الأمنية، وهو ما يفسر غيابها عن مناقشات اللجان البرلمانية لبعض مشاريع القوانين، مقابل حضور مكثف لوزارة الداخلية، رغم أن إشرافها يقتصر على جزء من بنية قطاع الأمن (راجع المرسوم المنظم لاختصاصات وزارة الداخلية). تفعيل الرقابة البرلمانية، يصطدم أحيانا بتنازع الإداري والسياسي، ما يحد من تأثير النخبة السياسية في المؤسسة الأمنية، ذلك أن تقرير لجنة الاستطلاع البرلماني إلى مؤسسة سجنية (سجن عكاشة مثلا)، كشف «تغييب» المعطيات حول وضعية المؤسسة السجنية من طرف الإدارة الوصية، ما يعكس حالة تنازل السياسي والإداري في مجال الرقابة على السياسات العمومية الأمنية. لا يقتصر الخلط بين السياسة الأمنية، من حيث إنها عقيدة واستراتيجية، والسياسة الجنائية، من حيث إنها تعنى بالجريمة والعقاب، على الفاعل البرلماني فقط، بل يشمل الخلط الفاعل الحكومي وهو ما تعكسه تركيبة أسئلة نواب الأمة كما أجوبة أعضاء الحكومة في جلسات المساءلة البرلمانية. تخضع المحددات السلوكية للفاعل البرلماني لمؤثرات خارجية، وبذلك فإن الرقابة على السياسات الأمنية، من خلال آلية التصويت مثلا، تتماهى مع أثر الثقل السياسي للمؤسسة الملكية في علاقتها بقطاع الأمن، قطاع الجيش تحديدا، كما كشف البحث في محددات السلوك التصويتي للبرلمانيين، تأثره أيضا بتوجيهات ومواقف مؤسساتية من خارج البيئة الحزبية (من قبيل آراء المجلس الوطني لحقوق الإنسان). يحسم التوافق في الكثير من الخلافات التي تثار حول التشريعات الأمنية، داخل مناقشات اللجان البرلمانية الدائمة. وتتم «لعبة التوافق» عبر آليتين: الأولى، تكمن في تشكيل لجنة مصغرة للبت في النقاط الخلافية، قبل إحالة النص المتوافق عليه على اللجنة البرلمانية المختصة مرة جديدة للتصويت عليه. أما الآلية الثانية فتكمن في «طلب الرأي»، وقد يكون الرأي الاستشاري لهيأة دستورية موجها لنوايا التصويت على مشروع القانون أكثر منه رأيا في الموضوع. يمكن القول إنه بين الرقابة على إنتاج السياسات العمومية الأمنية والفعل العمومي، توجد مساحة تفصل بين مؤسسات صنع السياسات وسلطة اتخاذ القرار بتنفيذها. فإذا كانت مساهمة البرلمان في صناعة السياسات الأمنية، مراقبة وتشريعا، تمر عبر صياغة القوانين ومتابعة تنفيذ السياسات وتقييمها في جلسات المساءلة، فإن سلطة التشاور بشأن اتخاذ القرار الأمني سوف يختص مجلس أعلى للأمن، هذه الخلاصة، يضيف البحث، تكشف أن مسار صناعة السياسات العمومية الأمنية يختلف عن مسار تنفيذها في المغرب. وهذا من شأنه أن يشكل مقدمة لنقاش حول التأويلات التي يرتقب أن يعطيها القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للأمن لمفهوم سلطتي التشاور والتنفيذ، التي اختص بها في مجال صياغة السياسات الأمنية. أطروحة الرقابة على السياسات الأمنية بالمغرب، من شأنها أن تقدم إضافة علمية نوعية في مجال البحث الأكاديمي حول قطاعات الأمني، والذي يعاني ندرة بسبب احتكار مجالات معرفية أخرى لاهتمامات البحث العلمي، مقابل الصعوبات التي تواجه الباحث في مجال العلوم الأمنية بالمغرب.