وزير الخارجية السابق لجمهورية البيرو يكتب: بنما تنضم إلى الرفض الدولي المتزايد ل"بوليساريو"    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء        اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بوعشرين: أصحاب "كلنا إسرائيليون" مطالبون بالتبرؤ من نتنياهو والاعتذار للمغاربة    الدار البيضاء.. حفل تكريم لروح الفنان الراحل حسن ميكري    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    سبوتنيك الروسية تكشف عن شروط المغرب لعودة العلاقات مع إيران    كأس ديفيس لكرة المضرب.. هولندا تبلغ النهائي للمرة الأولى في تاريخها        الوزير برّادة يراجع منهجية ومعايير اختيار مؤسسات الريادة ال2500 في الابتدائي والإعدادي لسنة 2025    فولكر تورك: المغرب نموذج يحتذى به في مجال مكافحة التطرف    اختفاء غامض لشاب بلجيكي في المغرب        مرحلة استراتيجية جديدة في العلاقات المغربية-الصينية    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    محامون يدعون لمراجعة مشروع قانون المسطرة المدنية وحذف الغرامات    تخليد الذكرى ال 60 لتشييد المسجد الكبير بدكار السنغالية    خبراء يكشفون دلالات زيارة الرئيس الصيني للمغرب ويؤكدون اقتراب بكين من الاعتراف بمغربية الصحراء    رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم: "فخور للغاية" بدور المغرب في تطور كرة القدم بإفريقيا    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات        الموت يفجع الفنانة المصرية مي عزالدين    وسيط المملكة يستضيف لأول مرة اجتماعات مجلس إدارة المعهد الدولي للأمبودسمان    عندما تتطاول الظلال على الأهرام: عبث تنظيم الصحافة الرياضية    طقس السبت.. بارد في المرتفعات وهبات ريال قوية بالجنوب وسوس    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    موتسيبي يتوقع نجاح "كان السيدات"    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"        افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها        مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    مشروع قانون جديد لحماية التراث في المغرب: تعزيز التشريعات وصون الهوية الثقافية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شباب اليوم.. وأسئلة التكوين والإعداد السوسيو نفسي لاستيعاب أدواره في الحياة
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 09 - 11 - 2015

«المقنزعون»، «شباب القنزعة»، «أهل التقنعيز «كلها أسماء لمسميات واحدة، فئة من شباب اليوم فقد البوصلة، وبدل أن يملأ رأسه بالعلم والمعرفة فقد منح شعر رأسه لحلاقين ليرسموا ما شاؤوا من خرائط بلا تضاريس، وتنافس حد الدماء في رسم أذرعه الخالية من كل جهد بالوشم تارة، وبالسكاكين أخرى، وصم آذانه بالكيت قبل أن يحقن عروقه بجرعات ولفافات وشيء من سماد الغياب.
إذا كان الشباب أجمل مراحل العمر وأكثرها نشاطاً وانطلاقاً وتحملاً للمسؤولية وقدرة على العطاء في الحياة، فهل ارتقى فهم بعض شبابنا لهذا الوعي الحضاري؟ وكيف استوعب اللحظة التاريخية في خضم هذا المشروع المجتمعي الكبير حيث يختار التوجيه الملائم لرغباته، ويتماشى مع طموحه وانتظارات مجتمعه في البناء والتطوير سواء بإتمام دراسته، أوالشروع في إنشاء عمله الخاص، وبالتالي التقرير في العديد من أمور حياته المهمة صيانة لكرامة أسرته وضمانا لمستقبله؟
هل هؤلاء الشباب على مستوى من التكوين والإعداد السوسيونفسي لاستيعاب أدوارهم في الحياة؟ وما مدى مساهمة الدولة بسجونها وإصلاحياتها وأجهزتها الأمنية القوية؟ وما حجم مساهمة الإعلام بقنواته الفضائية ومنابره المرئية والمسموعة والمكتوبة والأسرة بمكوناتها المجتمعية ورصيدها الحضاري في تشكيل هذا الوعي لديه؟ وما مكاسب المجتمع من هذا التحدي الحضاري وما حجم وخطورة ما ينجم عن هذا الوضع المخالف لسنة الحياة؟ وهل الرهان لايزال مفتوحا لرفع التحديات وخلق الاستقرار وترسيخ قيم العدالة والحق والقانون وبناء مجتمع السلم؟
ميزة مرحلة الشباب أنها تمتلئ بالحيوية بالنشاط والانطلاق والحركة والتجارب والرحلات والسفر والمتعة الضاربة بلا ضفاف، هي مرحلة رائعة في حياة الإنسان، هي أيضا مرحلة تشكل الوعي السياسي النقي، المفعم بألياف الديمقراطية والحق في الحياة والإسهام في الارتقاء بها ، هي الحيوية بكل لغات الكون والاستقلالية بمعناها والجرأة والقدرة على تحمل مختلف الظروف وضغوط العمل والسفر والمغامرة، هي مرحلة المراهقة العنفوان والكبرياء والشعور بأن الحياة بدأت بالفعل، هي الإحساس بجرعات الحب، وبداية استشراف الحرية واستقلالية القرار والتنفيذ والابتكار.
في الفكر والدراسة وسيكولوجيا تكوين العلاقات والأصدقاء، يشكل الشباب مرحلة مفصلية في اتخاذ بعض القرارات واختيار المواقف الواعية بشرط الحياة الضروري ولعل تشكل جينات الوعي السياسي وانتقاء الانتماء إلى الديمقراطية يبدأ من هنا وتبقى الحاجيات والرغبات والميولات والملابس وغيرها تمظهرات عابرة، لتظل مرحلة الشباب بداية تحمل المسؤوليات الكبيرة نوعاً ما، هذا في الشق النظري، أما تجليات ذلك على أرض الواقع فترصد القليل من تجلياته هذه الورقة...
الشباب والسياسة
رغم أن الدولة قامت بتخفيض سنّ التصويت لدى الناخبين من 20 إلى 18 سنة، قبل 15 سنة بهدف التحفيز على المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، وبالتالي الرفع من نسبة عدد الناخبين، فإن أغلب شباب اليوم يتأرجح ما بين «عازف صريح ومقاطع جريء أومشارك خجول«.
عندما تعلن أمام أحدهم أن «التصويت حق من حقوق المواطن من أجل غد أفضل، ولا يجب التفريط في المكتسب الحقوقي، يأتي الرد، «مشات السياسة مع عبد الرحيم بوعبيد والمهدي بنبركة واليوسفي... وغيرهم من الزعماء والمناضلين «ثم يضيف كما لو انفتح أمامه باب واسع للكلام» لقد استفدت من حملة انتخابية كمساهم ب100 درهم يوميا، ووزعت أكثر من ألف منشور كما قدمت وعودا كمساهم في الحملة الانتخابية لكل الألوان السياسية من أجل مضاعفة دخلي، علما بأنني لن أقنع أحدا حتى نفسي»، ويضيف في ثقة عالية «الانتخابات كيف ما كانت لن تغير شيئا، فالكل محسوم، لي عندو عندو... ولي ما عندوش ما عندوش«.
حتما لا نتفق مع هذا الاستنتاج ولن نزكيه، لكن الشاب سيعود ليتدخل من جديد ليفرض رأيه «جل الأحزاب السياسية بحال بحال، فعندما تقترب المناسبة الانتخابية تفتح دكاكينها وتستقطب الشباب للخدمة الموسمية.« «نعم نحن كفاءات وطاقات شابة، لكننا لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية، لم نحسم بشكل واضح في مسألة المشاركة والإدلاء بالصوت كقناعة ديمقراطية من أجل التغيير. «
ورغم ان الانتخابات فرصة أمام المواطن للمساهمة في التغيير، يقول أحد الشبان، إلا أنه قرر ألا يشارك في الانتخابات. حتى أنه لم يكلف نفسه عناء التسجيل في اللوائح الانتخابية، لقد حسم موقفه بعدم المشاركة، والسبب هو عدم اقتناعه بجدوى الانتخابات والسياسة برمتها «وهذه قناعة لم يقبل مناقشتها لينضم إلى قائمة العزوف الكبير«.
كان هدفنا معلنا منذ البداية، ويتمثل في غاية واضحة ومحددة وهي أن ننقل من شباب اليوم رسالة إلى المسؤولين والأوصياء على الشأن السياسي بالبلاد «مضمونها أن شباب المغرب، ليس ضد الانتخابات كعملية ديموقراطية، وإنما ضد أسماء ومترشحين بعينهم يمثلون زبدة الفساد في المجتمع، وجدوا أنفسهم فجأة وكلاء لوائح، من هنا فقدانهم الثقة في نوعية المرشحين الذين استغلوا الفرصة واشتغلوا كمنتخبين ثم كسماسرة أصوات بالملايين فيما بعد. «
أحد محاورينا من الشباب طرح مقارنه بين الانتخابات في المغرب ونظيرتها في البلدان الديمقراطية العريقة قائلا: «في الدول المتقدمة هناك دائما وجوه سياسية جديدة، وأفكار وبرامج مختلفة، بينما في المغرب نرى دائما نفس الوجوه ونفس البرامج، لكن الأهم هو أن في البلدان المتقدمة يملك المواطن صلاحية واسعة لمحاسبة المسؤولين فيما نكتفي برفع شعار عفا الله عما سلف«.
الشباب والمدرسة
في القسم في الحافلة أو الشارع العام، كما في الثانوية ومدرجات المعاهد والكليات في المختبر أو في المجالس والمنتديات، ينبري بعض الشباب من «مشوكي الرؤوس والآذان المثقوبة «بتخريجات ومسلكيات غريبة في تصريف ممارساتهم اليومية بدعوى الحداثة والتميز. إنهم شباب مفعمون بالحيوية، يقلدون ما يعجبهم ويستهوي ميولاتهم، وما تقتنصه غرائزهم المقموعة أحيانا والمترعة ويخزنونه على شاشات هواتفهم الذكية، ليرسمونه في الشارع العام، وهم في هذه الحالة ليسوا نشازا، إنهم ينسجون عالما خاصا بهم، وليس ما يعتقد الناس أنه الصواب، جيل يرتكب «الحماقات» طلبا في تحرر «مزعوم» وحداثة منفلتة. هوائيون، من طينة خاصة، أتصور أنهم يفضلون دخان السجائر على الهواء النقي، بل، يتمنون لو كانوا يدخنونه حتى وهم نائمين. والسؤال «ما دور المدرسة؟ ثم ماذا كسب هذا الجيل ومن المسؤول عن فقدانه البوصلة، وماذا خسر المجتمع؟ وهل بالإمكان تدارك هذا الانحدار في القيم والاخلاق؟
تمرد على الماضي، وعدم انسجام مع الحاضر ونظرة داكنة للمستقبل بعض هؤلاء الشباب حريصون على أن لا يكونوا أنيقين وتفاعليين إلا بالشكل الذي يرضي ميولاتهم ويزعج الآخرين، فهم على أتم الاستعداد لاستعراض كل ما أنجبته تقليعات الموضة من إكسيسوارات الزينة في الفصول الدراسية والفضاءات العامة دون خجل، وفضلا عن ذلك، فإن كل ما ابتكر في موضات الألبسة من تيشورتات وسراويل دجينز يحتاج في نظرهم إلى لمسة إضافية، قد تكون جزة مقص أو رشات أسيد وماء قاطع ليس أقلها مزقة على الركبتين، أو مضاعفة معدلة لخمائل مخملية تنسدل تحت الساق أو على الكعبين.
وجهنا السؤال إلى ناشط سياسي فقال: «بعض شباب اليوم يا صاحبي «مسخرة» على حد تعبير الأشقاء في مصر، إنهم يجدون متعة في تفجير غضبهم على أستاذ المادة، على الحارس العام والناظر ومدير المدرسة، على كل من يقف في طريق حماقاتهم، مهووسون بتشويك الشعر ونفشه ورسمه خرائط عابثة ورشه بمزيج من السوائل الكيميائية الخطرة المجهولة المصدر، حينما تستمع إلى حديثهم داخل الفصول الدراسية، تخجل من مستواهم الهزيل، تأسف على انجراف كبير في اللغة والمعنى، إنهم يدمقون الكلام ويعجنونه بصورة العبث إلى حد بعيد. حيث لا تسمع جملة عربية مفيدة، ثمة تنافس مريب في ابتداع الهجانة والترطين اللغوي وتوليد مزيج من الفذلكات الممهورة بعبق الفوضى واللانظام. ويرى ذات الناشط أن السيجارة المحشوة فوق الأذن، وشقيقتها الشقراء بين الأصابع المعقوصة ،إضافة إلى الموسيقى والدردشات.. تمظهرات شبابية لا سيطرة للمؤسسة التعليمية ولا الأسرة عليها، ولا معنى لها اليوم سوى الانحدار والفوضى، وإن شئت الوضوح، الضياع.
الشباب والدولة
يتوجه متحدث آخر باللوم إلى مؤسسات الدولة فيقول» لا أجهزة الأمن بصقوره الزاجرة والإصلاحيات التهذيبية ببرامجها، ولا المدرسة بمقرراتها العلمية ومنهلها الروحي بإمكانها اليوم زحزحة هؤلاء قيد أنملة عما يعتقدون أنه الصح». ويتمم بنبرة حزينة «يبدو إلى حدود اللحظة، أن لا أحد قادر على إخراج هؤلاء من بوتقة الفوضى التي ينعمون بها، بما فيها ذلك الدولة نفسها». وفجأة تلمع فكرة في ذهن الأستاذة الجامعية فتصدح بها «الدولة... ما ذا تقول ..الدولة باتت تكتفي بالتفرج، أليست من يرخص لفتح المئات من علب الليل، أليست هي من يعمل جاهدا على تهييئ مختلف أشكال التمييع عن طيب خاطر، مقاهي الشيشا الفاخرة، وملاهي الليل والنهار وأشكال وألوان من القمار والمغامرات والرهانات التي تستنزف الجهد والمال المفضية لقتل الذات، والترحم على كل ما هو جميل نبيل في دواخلهم.... هل تفعل الدولة صوابا؟؟؟ أشك في ذلك، ولدي مبررات معقولة، يقول أحد المهتمين بالسوسيولوجيا، هم بلا أفق، باردو الأعصاب بعض شباب اليوم الذي نتحدث عنهم غير أذكياء بما يكفي، أما طموحهم فلا يبارح الدرجات الوسطى الاعتيادية كل موسم. موسيقى صاخبة نظرات شزراء ومعاكسات وشغب منزاح وبلا نكهة تغذيها انحرافات وشجن سلوكي تتصدره تقاطعات عولمية لا ترسو على بر».
الشباب والموسيقى
خلال أمسية دولية للموسيقى بفاس، سألت أحد أعضاء فرقة أجنبية، وكان من جنسية فرنسية، استفسرته عن مستواه التعليمي، وشكله الاجتماعي، وفيما إذا كان عاطلا عن العمل مكتفيا ب» العطالة المؤدى عنها « أو عالة على الدولة .ذهلت، بل أصبت بخيبة أمل كبرى، قال «دانكرن» وهو في 22 من العمر «أحضر لدكتوراه ثانية في علم الأديان، أعمل أستاذا متعاقدا مع جامعة ستوكهولم، وزيوريخ، لدي أخت طبيبة في العراق، ووالدي جنرال في البحرية «ومضى يكشف عن طموحه «المغرب بلد أكثر من رائع،.... ولكن؟ وحين وجهت السؤال نفسه ل «لابن حيي وهو من نفس الطينة، صعقت: «غادرت المدرسة قبل سنوات، قبل أن انهي تعليمي الابتدائي، سبق أن قضيت 6 أشهر سجنا بتهمة ترويج المخدرات، ليس لدي عمل، والدي يمتهن الدرازة ويتكفل بإعالة أسرة من 8 أفراد».
لم لا. لا يفتح هؤلاء الشباب قوسا ويسألون أنفسهم، نحن نقلد من؟ ولأنهم لا يجرؤون، هم يغامرون بمستقبلهم وبحياتهم لأسباب تافهة، في الليلة ذاتها، عشت فصول مأساة حقيقية، سأروي تفاصيلها «كانوا حوالي 6 من الشباب المتحمس «الهيب هوبي»، أو هكذا يبدو لي على الأقل وكنت سابعهم صدفة ثقافتهم تكشف عنها سراويل الجينز الممهورة بخربشات وتمزيقات كيدية غريبة، سواعدهم المفتولة ،خالية من أي جهد، عيونهم لا ترقى إلى فوق فيما صدورهم المكشوفة القاحلة المليئة بالرسوم والأوشام. وآذانهم المزمومة بالسماعات الهادرة... قال الشاطر منهم، وكان في حوالي 17 من عمره، وقد أسبل عينيه :والدي يعتقد إنني غبي.... فهو لا يرف له جفن، ولا يشعر بالخجل حين يمنحني 10 دراهم مصروف يوم بكامله...؟ ومضى الثاني على منهاج زميله الأول، بعد أن رشف من سيجارة محشوة حتى الجمر:.... هذا الوالد» مسطي» أحمق. فيما سحب الثالث عن أذنيه سماعة إم ب 3 وصاح «بوزبال في المغرب قوى... وأنا بغيت نحرك...» أما الرابع فبدا غير قادر على الكلام، كان وجهه مليئا بالثقوب ، شعره المتجعد الأشعث مشدود كخصلة نعناع على طريقة قراصنة الكاريبي. فيما حكى الخامس عن انتفاضته الثائرة في وجه والده الجندي المتقاعد :قلت له: امش... أيها الوالد المعتوه، لم يعد للحرب الآن مكان في عالمنا.. لقد حاربتم في الصحراء.. وفي الهند الصينية.. ولم توفروا لأبنائكم مصروفا يوميا يفي بالغرض.؟؟» لملم الوالد خيبته، وترجل على طريقة الحرب، ثم تحسر على زمن النكسة ثم قال موجها كلامه للشلة: الفالطا» مشي ديالكم اوليداتي.. الفالطا ديالنا» نحن الذين قاومنا وضحينا بالغالي والنفيس من أجل حريتكم...، وليس خطأكم أنتم» لو كنا نعتقد إننا سننتج جيلا خائبا من طينتكم، تقلدون المستعمر، لما أطلقنا رصاصة واحدة، لتركناه بجواركم يؤدبكم بدل إرغامه بالسلاح والنار على المغادرة.»؟
ولم يتردد الشاب لحظة في الجواب صمت لحظة ثم قال كمن يؤدي واجبا وطنيا «لأننا طردنا فرنسا... فنحن نجني ثمار مقاومتنا. ارتفعت أصوات الشباب منددة، وأخرى ساخطة، صبت مجملها في ضعف نمو الآباء وسوء تقديرهم للتحديات الجارفة. أما رد الجندي المتقاعد، فكان الأقوى، لقد تأسف على جيل افتقد أهمية الخدمة العسكرية والتجنيد الإجباري، لأن الحجج الواهية بالنسبة إليه، وبالنظر إلى تجربته الطويلة في الحياة، لا يدعمها صوت أي شاب مهما علا... وارتفع
الشباب والحياة
وعلى العكس من المتحدثين قبلها تكلمت الطالبة الجامعية بثقة عالية «شباب اليوم يا أستاذ اختصر مستقبله في شكل ولوك جديد، في الفصل ونحن في حصة تربوية ترى البعض من هؤلاء الشباب المعاصر اليوم بفاس، وربما في غيرها من المدن المغربية، أشبه بالديكة، فالعرف المعقوف بنتوءات غير متوازية تكاد تكون علامة مميزة . لوكنت أستاذة لفاتحته في الأمر، ولاشتغلت على إقناعه بعدم جدوى هذا الهراء الذي يواظب على فعله؟
»التدخين، النفحة والأصابع المعقوفة والكيت هي ما يميز أغلب شباب الثانوية، تقول تلميذة السنة أولى باك، شباب قد يغامر بحياته لأتفه الأسباب، من فرط الإدمان والرجولة الزائفة، حريصون جدا هؤلاء الشباب وهم أصدقائي في الثانوية أن لا يكونوا أنيقين، إلا مقنزعي الشعر منفوشيه، كعرف الديكة، شباب يفتخرون بغضبهم، ويبحثون له عن مكان في أي مكان، ويعبثون بكل من يقف في طريقهم حتى ولو كان حجرة، مهووسون بتشويك الشعر وقص ركب سراويل الدجين وتمزيقها، كل ما يتقنه هؤلاء تدوين أرقام هواتف فتيات في أوضاع مثيرة للشهوات، والتقاط صور إباحية واستعراضها واقتسامها بإفراط وتفريط. جيل اختصر كل أحلامه في امتلاك أرقى الهواتف الذكية، حتى وهم يعرفون أن أولياء أمورهم باعوا جهاز تلفزيون ليوفروا لهم السروال والدفتر، وراهنهم بلا طموح، ويبدو أن لا أحد قادر اليوم على إحراجهم ،بما في ذلك المدرسة وانتشالهم من الفوضى التي يفتخرون بتشييدها والإقامة في زواياها الكئيبة والراجفة».
«هذه الظاهرة تفشّتْ بشكل كبير خاصة بالمدن الكبيرة، يقول أحد رجال التربية والتعليم، لكن لها أسبابها الموضوعية التي تجد خيوطها المتشابكة في منظومة القيم التي يفرزها المجتمع الآن.. وكذا البنيات الثقافية والتعليمية التي تفرخ الجهل والأنانية والوهم. قبل أن يضيف بغصة «معضلة كبيرة وأسبابها يمكن معالجتها، إن اتّحدت النوايا و الإرادات..!!
ويثري بحثنا أحد نشطاء الفايسبوك بقوله» جيلنا غير الجيل الذي تتحدثون عنه. كل جيل وله أسلوبه، متحمس نعم، مندفع لا جدال، قد يعشق الفوضى هذا الشاب والدم أحيانا، ويستبيحه هباء، قد يمجد العبث وينقشه مجسما بخدوش على الساعد والكتفين وعلى العنق من الخلف، في أحيان كثيرة تفقده المخدرات البوصلة، وتفعل النفحة فعلتها في كيانه المراهقي، لكنه مع ذلك يعيش موجته، ولأن العمر الزمني لا يتماهي مع العمر العقلي في قاعدة بياناته، فإن الانفصام يشتد ويقوى في شخصيته، وعندما يضيف «النيبرو» جرعة زائدة، يبدو بعض شبابنا في نهاية المطاف، أبعد ما يكون عن المبادرة الخلاقة. التعميم ضار، لكنه مطلوب، كلما تعلق الأمر ببحث له مصداقية «
ويجمع الكثير من استمعنا إليهم على ضيق صدر المدرسة العمومية بأبنائها ويعتبرون ذلك سببا رئيسيا لهذا الضياع، وحين لم تستوعبهم الفصول، لم تتردد المدرسة في قذفهم إلى الشارع، رغم سيل الاستعطافات من أولياء أمورهم، لأن جدران المؤسسات لم تعد تحتمل مزيدا من الضغط البشري. وعوض توسيع بنية الاستقبال لتأهيل فضاءات التمدرس، يضيف الاستاذ محمد مزيوقا، يتم آتهام التلاميذ بالتقصير المؤدي إلى الرسوب المفضي إلى مغادرة المؤسسة قبل الأوان.
أعرف عددا كبيرا من التلاميذ الذين استفادوا من سنوات الاستدراك وأكملوا مشاويرهم الدراسية بنجاح؛ أما الآن فلم يعد ذلك ممكنا، رغم الخطابات الرسمية، وبهذا تنضاف فئة عمرية إلى فئة الشباب العاطل.إنهم فئة الأحداث واليافعين الذين سيؤثثون فضاءات قاعات الألعاب، وأنتم تعرفون ماذا تنتج هذه الفضاءات.«
تمر السنون وتتعاقب الأجيال، فنجد أن لكل جيل طباعه وتصرفاته الخاصة به، تقول الناشطة الجمعوية قبل أن تستطرد «لكن هذا لا يمنع من تتبع الأسر لفلذات أكبادها إن هي لاحظت أن الرياح تهب في غير اتجاهها، يقول المعجم أن «القنازع» هم صغار الناس، أحسن وأصدق توصيف، تشخيص دقيق لحالة بل لظاهرة تكاد تعصف بجيل بأكمله..»
هل نقتنع أن المسؤولية يتحملها الآباء أولا وأخيرا؟، ثم ماذا اذا عرفنا أن المسؤول عن كل هذا في غالب الأحيان هي: المدرسة، السجن والتلفزيون، بل وأسر وأولياء أمور لم يستوعبوا كيف يربون أبناءهم فتركوهم عرضة للضياع«.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.