هناك آلية تلجأ إليها الرجعية، في كل البلدان، وتتمثل في محاولة استنفار التوجهات المحافظة والمشاعر الدينية، لدى الفئات الشعبية، في المجتمع، وتحذيرها من خطر الإجهاز على «هويتها» و»قيمها»، المهددة من طرف اليساريين والعلمانيين والحقوقيين والنساء المدافعات عن المساواة ... وذلك كلما انتقد مشروعها الإيديولوجي. تشتغل هذه الآلية في المغرب، وفي أغلب البلدان العربية، على مرجعية دينية متخلفة، تعادي الاجتهاد، وتعتبر أي محاولة لتحديث تأويل النصوص «الشرعية»، وتجديد الفكر الديني، خروجا عن الملة والدين. ومن بين أدوات هذه الآلية، تكفير من يطالب بهذه المراجعة والتحديث. شحذت سكاكين هذه الآلية مجددا، للتصدي لتوصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي نشر في 70 صفحة، حصيلة تحليلية لوضع المساواة والمناصفة في المغرب، معتبرا أنه «بعد أربع سنوات من تبني الدستور، اتسم مسار العمل التشريعي بالتبخر التدريجي للوعود التي جاء بها القانون الأسمى». كما انتقد عمل الحكومة في هذا المجال. ورصد التقرير، الذي تضمن أيضا مجموعة كبيرة من التوصيات، أشكال التمييز المختلفة التي تعاني منها المرأة المغربية في مجالات متعددة منها القانونية، والسياسية، والاقتصادية، والصحية، والاجتماعية، والثقافية. واقترح من بين توصيات كثيرة، «تعديل مدونة الأسرة بشكل يمنح للمرأة حقوقا متساوية مع الرجل في الزواج وفسخه وكذا الإرث، وذلك وفقا للفصل 19 من الدستور والمادة 16 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة». انتقت هذه الآلية، من بين كل هذه التوصيات والإشكالات، قضية الإرث، وأهملت كل القضايا الأخرى، بهدف تجييش ما اعتبرته «مجتمعا محافظا»، واستنفرت المشاعر الدينية، من أجل إقبار الإشكال الأساسي، المتعلق بما سجله المجلس، عن حق، وهو عدم تفعيل الدستور، بخصوص ما يتعلق بالمساواة بين الرجل والمرأة. نفس المنهج الانتقائي، حصل تجاه تدخل الكاتب الأول الاتحادي، إدريس لشكر، في افتتاح المؤتمر السابع للنساء الاتحاديات، عندما طالب بفتح نقاش حول المساواة في الإرث. ذاتها الأصوات الرجعية ، استعملت آلية استئصالية، حيث طعنت في شرعية المجلس ووجوده، وعادت إلى «ثوابت المملكة»، مستعملة لغة تقليدية جدا، على غرار ما يستعمله «فقهاء» المجالس العلمية المخزنية. لكن الهدف واحد، وهو إغلاق باب الاجتهاد، وترهيب كل من يحاول فتح أبواب تحديث قراءة النصوص الدينية، على ضوء التطورات الحاصلة في المجتمع، بالإضافة إلى رفض الرجعية المطلق، للمرجعية الدولية في حقوق الإنسان.