الرجاء يشتكي آيت منا إلى القضاء    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي        الرباط: المنظمة العربية للطيران المدني تعقد اجتماعات مكتبها التنفيذي        28 ناجيا من تحطم طائرة بكازاخستان    مسؤول روسي: المغرب ضمن الدول ال20 المهتمة بالانضمام إلى مجموعة "بريكس"    التوحيد والإصلاح: نثمن تعديل المدونة    بلاغ رسمي من إدارة نادي المغرب أتلتيك تطوان: توضيحات حول تصريحات المدرب عبد العزيز العامري    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    بعد تتويجه بطلا للشتاء.. نهضة بركان بالمحمدية لإنهاء الشطر الأول بطريقة مثالية    الوداد يطرح تذاكر مباراته أمام المغرب الفاسي    تأجيل محاكمة عزيز غالي إثر شكاية تتهمه بالمس بالوحدة الترابية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    الريسوني: مقترحات التعديلات الجديدة في مدونة الأسرة قد تُلزم المرأة بدفع المهر للرجل في المستقبل    الحصيلة السنوية للمديرية العامة للأمن الوطني: التحفيز والتأديب الوظيفي آليات الحكامة الرشيدة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    "ميسوجينية" سليمان الريسوني    ترامب عازم على تطبيق الإعدام ضد المغتصبين    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    بنحمزة: الأسرة تحظى بالأهمية في فكر أمير المؤمنين .. وسقف الاجتهاد مُطلق    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ونجح الاتحاد في جمع كل الاشتراكيين! .. اِشهدْ يا وطن، اِشهدْ يا عالم    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    الخيانة الزوجية تسفر عن إعتقال زوج وخليلته متلبسين داخل منزل بوسط الجديدة    إمزورن..لقاء تشاركي مع جمعيات المجتمع المدني نحو إعداد برنامج عمل جماعة    "ما قدهم الفيل زيدهوم الفيلة".. هارون الرشيد والسلطان الحسن الأول    ‬برادة يدافع عن نتائج "مدارس الريادة"    المخرج شعيب مسعودي يؤطر ورشة إعداد الممثل بالناظور    الاعلان عن الدورة الثانية لمهرجان AZEMM'ART للفنون التشكيلية والموسيقى    العلوم الاجتماعية والفن المعاصر في ندوة بمعهد الفنون الجميلة بتطوان    الدورة العاشرة لمهرجان "بويا" النسائي الدولي للموسيقى في الحسيمة    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية : البحاثة محمد الفاسي : مؤرخ الأدب والفنون ومحقق التراث        ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    الإصابة بالسرطان في أنسجة الكلى .. الأسباب والأعراض    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى 8 مارس .. أي واقع وأي مستقبل للمرأة المغربية?
في ظل تزايد نسب الأمية وغياب التطبيب والتعرض للعنف بكل أشكاله في صفوف النساء
نشر في المساء يوم 08 - 03 - 2015

ي يصادف يوم 8 مارس من كل سنة، على إيقاع العديد من المطالب النسائية التي سطرتها عدد من الهيئات والجمعيات على اختلاف تلاوينها، ومنها أحزاب المعارضة التي شكلت تحالفا مع عدد من الجمعيات المناهضة لسياسة الحكومة فقررت الخروج في «مسيرة ائتلاف المساواة والديمقراطية» ضد رئيس الحكومة.
هذه المسيرة تمت التعبئة لها بكل الوسائط والوسائل، والتي سوف لن تمر دون أن يكون لها بعض الأثر رغم الانتقادات التي جوبهت بها لكونها مسيرة وراءها أحزاب المعارضة التي اختفت خلف الجمعيات النسائية وترغب في استغلالها في إطار التسخينات السياسية، على حد تعبير معارضي المسيرة.
ويسعى المشاركون في هذه المسيرة إلى تحقيق «مساواة فعلية بين النساء والرجال على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ولمواجهة المد التراجعي، الذي يعتبر تعطيل التفعيل الديمقراطي للدستور أحد مؤشراته الأساسية»، على حد تعبير البيان المؤطر للمسيرة، والتي لن تخلو من رفع شعارات مناهضة لرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، الذي أغضب بتصريحاته بعض الناشطات الحقوقيات والجمعويات خصوصا عندما وصف النساء ب»الثريات»، أو عندما انتقد فريق الأصالة والمعاصرة بسبب حديثه عن المناصفة، في الوقت الذي تغيب فيه نساء «البام» عن مكتب المجلس وعن القيادة الحزبية.
ورغم تباين الآراء والمواقف، فإن الإحصائيات الرسمية تبين أن المرأة لا زالت تعاني من الأمية ومستويات عدم النشاط والبطالة، بشكل أكبر بكثير مقارنة بما يعرفه الرجال، كما يبرز ضعف إدماج النساء في المجال الاقتصادي من خلال طبيعة عملهن المتسم بالعمل المنزلي والعمل بدون أجر، وفق رأي المندوبية السامية للتخطيط، التي تحدثت عن أن نسبة الأمية لدى النساء القرويات لا زالت جد مرتفعة، حيث بلغت 52.6 في المائة سنة 2012، أي ما يمثل فارقا زمنيا يبلغ 30 سنة مقارنة مع المتوسط
الوطني.
كما تعتبر مشاركة النساء في مراكز «القيادة» واتخاذ القرار ضعيفة، كما كشفت التعيينات الأخيرة في المناصب العليا عن وجود تمثيلية ناقصة للنساء بالرغم من الإمكانيات المتواجدة بمختلف الوزارات، وفق ما جاء في تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
هي معاناة تعيشها المرأة وتتطلب تضافر جهود جميع المتدخلين والفاعلين، من أجل الرقي بوضعيتها بعيدا عن الحسابات السياسية الضيقة والملاسنات وضياع المزيد من الوقت بمبرر التوافق، وهو ما يعيق إخراج بعض مشاريع القوانين التي لها أثر إيجابي على حياة المرأة بصفة
عامة.
«الكوطا» بين الكفاءة ومنطق الولاء السياسي والعائلي
سيرا على نهج عدد من دول العالم، اعتمد المغرب نظام «الكوطا»، كآلية جديدة، تضمن تمثيلية النساء داخل قبة البرلمان، وهو ما جعل عدد البرلمانيات يرتفع، إذ بلغ عددهن خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2002، 30 برلمانية، ليرتفع العدد المتوافق بشأنها بين الأحزاب السياسية إلى 60 امرأة، إلى جانب 30 شابا يقل سنهم عن أربعين سنة.
إن نظام «الكوطا» الذي كان يرفضه الملك محمد السادس، كأداة تجعل المرأة تصنف ضمن «أقلية»، أصبح معمولا به بعدما توافقت مختلف الأحزاب السياسية قبيل الانتخابات التشريعية لسنة 2002 على تخصيص لائحة وطنية لفائدة النساء.
واليوم وبعد مضي حوالي 13 سنة على إقرار هذا النظام، تطرح تساؤلات عدة، حول مدى نجاعة هذه الآلية المعتمدة في منح المرأة مكانتها السياسية اللائقة بها؟، وعما إذا كانت هذه الوسيلة لم تستنفد أهدافها؟.
وفي هذا السياق، ترى فاطمة ضعيف، برلمانية عن الفريق الحركي، أن آلية «الكوطا» لا بد أن تستمر، «لأن الثقافة الذكورية ما زالت مهيمنة وأن القطع معها يتطلب إحداث «كوطا» تلزم الأحزاب السياسية بترشيح النساء بجميع مناطق المغرب، وهو ما قد لا تنفذه الأحزاب السياسية، باستثناء حزب واحد معروف بانضباطه»، تقول ضعيف، التي أضافت «أنه آن الأوان أن ترتبط المرأة بالعمل الميداني على مستوى العديد من المناطق النائية والجبلية وعدم استغلال المناصب من أجل الجلوس في الأماكن المخملية والفنادق».
وبدورها تعتبر فتيحة البقالي، البرلمانية عن حزب الاستقلال، أن «الكوطا» آلية ضرورية، اعتمدها المغرب من أجل تجاوز واقع الحيف الذي تعاني منه المرأة، «إلا أن بعض الأحزاب اتخذ هذه الوسيلة، الواحدة والوحيدة التي تملكتها النساء، كحجة من أجل التلكؤ في تمكين النساء من الارتباط بالقواعد وهذا ما خلق نوعا من الشرخ»، حسب تعبير القيادية الاستقلالية.
«قديما كانت النساء تتمرسن في الدوائر وبالعمل على مستوى الشأن المحلي لتصلن في النهاية إلى اللائحة الوطنية»، تقول البقالي، «غير أن هذا كله تغير لأنه بدأ الاختيار على أساس «الولاءات» وأضحت «الكوطا» وسيلة لعرقلة التواصل ما بين «المناضلة» وقواعدها، وهو ما أصبح يتطلب منها القيام بفتح مكتب على مستوى دائرتها»، تضيف البرلمانية الاستقلالية، التي دعت الأحزاب السياسية إلى توفير كل الوسائل للنساء من أجل تسهيل عملية ارتباطهن بمشاكل المواطنين وهمومهم.
البرلمانية عن الفريق الحركي، تعتبر أن استمرار العمل بنظام «الكوطا» يدل على أن الأحزاب السياسية، فشلت في تمكين المرأة من الولوج إلى البرلمان عبر الدوائر المحلية، منتقدة في الوقت ذاته ضعف تمثيلية النساء على مستوى القيادة، وفي هذا الإطار تقول ضعيف «إن هناك قلة قليلة من النساء اللواتي يصلن إلى مراكز القرار داخل الأحزاب السياسية كرئيسة فريق أو رئيسة حزب وهذا راجع إلى الثقافة الذكورية، لكن على المستوى المحلي والجهوي فلا نجد نساء مسؤولات لأن الرجل هو الذي يقود».
وتؤكد البرلمانية الحركية أنه قلما يؤخذ بمعيار الكفاءة من أجل التمكين للنساء سياسيا، لأن عددا من الأحزاب السياسية «تعتمد على المحسوبية والزبونية أو القرب من العائلة أو من الزعيم»، رغم أن النساء يعملن أكثر من الرجال وهو ما يؤشر عليه حضورهن الدؤوب داخل اللجان البرلمانية.
ويتفاوت تموقع المرأة في مراكز القيادة من حزب لآخر، إذ أنه لحد الآن لا توجد إلا امرأتان تتزعمان حزبين سياسيين، ويتعلق الأمر بكل من نبيلة منيب، الأمينة العامة لحزب اليسار الاشتراكي الموحد، وزهور الشقافي، الأمينة العامة لحزب المجتمع الديمقراطي، إضافة إلى رئيس فريق برلماني ويتعلق الأمر بميلودة حازب، رئيسة فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب.
وفي هذا الإطار، تؤكد البقالي أن هناك أحزابا سياسية يوجد بها عدد كبير من النساء اللواتي اكتسبن تجربة متميزة في العمل السياسي، وتجد القيادة الحزبية صعوبة في إرضاء عدد كبير من الترشيحات، وفي هذه الحالة إما تمارس الديمقراطية أو يتم الاعتماد على منطق «اللوبيات» التي تدافع عن الامتداد العائلي أو القبلي وتمنح التزكيات المتعلقة بالترشيحات الجماعية أو الجهوية اعتمادا على الزبونية، وهو ما يجعل الكفاءات تهمش وتقصى.
أما بالنسبة للأحزاب الصغيرة، فلا يوجد لديها أي إشكال بالنسبة لمكانة المرأة التي تتموقع بكل سهولة، تضيف البرلمانية الاستقلالية، التي تشدد على ضرورة الاهتمام بالكفاءات النسائية «اللواتي لسن بالضرورة برلمانيات، بل ناضلن في العمل الطلابي والشبابي ولا تتم إعارتهن أي اهتمام وتجدهن قابعات في البيوت رغم إيمانهن بالعمل السياسي.»
البقالي: قانون الوظيفة العمومية غير منصف ولا يشجع المرأة
عرفت نسبة انخراط النساء في الوظيفة العمومية ارتفاعا ملحوظا، إذ انتقلت من 34 في المائة سنة 2002 إلى 4،39 في المائة سنة 2013، وفق إحصائيات رسمية للوزارة المكلفة بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، والتي أشارت إلى أن أزيد من 68 في المائة ينتمين إلى فئة الأطر (ما فوق سلم 10)، في حين أن حوالي 21 في المائة من الموظفات هن أطر متوسطة، برسم السنة ذاتها (2013).
وتتراوح نسبة التأنيث ما بين 32 في المائة و58 في المائة بالنسبة ل72 في المائة من القطاعات الوزارية، وتعتبر كل من وزارة الصحة والمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان ووزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، والوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، أكثر القطاعات الوزارية تأنيثا لأن نسبة الموظفات بها تفوق 50 في المائة.
فإذا كانت الموظفة تعتبر أكثر استقرارا من مثيلاتها، سواء في القطاع الخاص أو العمل الحر، فإن هناك تحديات وإكراهات خاصة بهذه الفئة، إذ تشير زكية البقالي نائبة رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية، إلى أنه رغم ارتفاع نسبة تواجد المرأة داخل قطاع الوظيفة العمومية بالمقارنة مع السنوات السابقة، إلا أن هذه النسبة، «تبقى ضعيفة ولا تستجيب للطموحات المنتظرة بالنظر للتطور الذي عرفته وضعية المرأة المغربية عموما في عدد من المجالات.»
البقالي، وفي تصريح ل«المساء»، توقفت عند الدراسة الميدانية التي أنجزها منتدى الزهراء للمرأة المغربية تحت عنوان «المرأة الموظفة والتوزع بين الأدوار»، والتي كشفت أن النصوص القانونية الحالية للوظيفة العمومية لا تشجع المرأة على تبوء المكانة اللائقة بها في مجال الوظيفة العمومية، وأنها قوانين غير منصفة، خاصة فيما يتعلق بمقتضيات الرخص الادارية المتعلقة بالحمل والولادة والرضاعة وكذا بعض المقتضيات المتعلقة بنظام المعاشات المدنية، داعية إلى تمكين المرأة من مقتضيات قانونية توفر لها نوعا من التمييز الإيجابي، سواء في مجال التكوين أو تحمل
المسؤولية.
واستنادا إلى هذه الدراسة، التي أجريت على عينة تمثيلية من 341 امرأة من عدة مدن مغربية ومن مستويات إدارية واجتماعية مختلفة، فإن من بين العوائق التي تحول دون تحقيق المساهمة الفاعلة للمرأة داخل الوظيفة العمومية ووصولها إلى مراكز القرار داخل الإدارة المغربية، هناك «عوائق اجتماعية وثقافية»، كون 50 في المائة من النساء المستجوبات يقضين زمن ما بعد العمل في الأشغال المنزلية ومتابعة دراسة الأبناء في غياب أي مساعدة، «وهذا يدعو الى تفعيل مفهوم الشراكة المنصوص عليه في مدونة الأسرة ثقافيا وإعلاميا حتى نساهم في نشر ثقافة الأدوار المشتركة بدل توزع الأدوار» ، تقول نائبة رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية، التي تعتبر أن هذا الواقع يسائل السياسات العمومية والمنظومة القانونية خصوصا في اليوم العالمي للمرأة، وهو ما يتطلب من المشرع المغربي أن يتبنى سياسات عمومية منسجمة مع مقتضيات الدستور، خصوصا الفصل ال19 الرامي بالأساس إلى السعي للمناصفة، من خلال سن قوانين تميز المرأة إيجابيا، خصوصا في مجال التكوين والولوج إلى مراكز
القرار.
المساواة في الإرث ومنع تعدد الزوجات بين المدافعين والرافضين
أثار إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، من جديد دعوته إلى مراجعة أحكام الإرث، في لقاء مفتوح نظم بالمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء أخيرا، هذه الدعوة التي كان قد أطلقها منذ ما يزيد عن السنة، وجلبت عليه العديد من الانتقادات، بلغت حد تكفيره. بدأت عندما دعا لشكر خلال لقاء حزبي إلى منع تعدد الزوجات ومراجعة أحكام الارث.
وأوضح لشكر أن ما يدعو إليه يتطلب الاجتهاد الإسلامي في قضية الإرث، مقدما بعض الأمثلة في ما يتعلق بإرث الزوجة لزوجها في حالة تقاسم الزوجين أعباء بناء المنزل، وعندما يتوفى الزوج يظهر ورثته ليقاسموها المنزل، يورد لشكر، وهو ما يدفع الكثيرين إلى التحايل على القانون وتوزيع أملاكهم أحياء عن طريق بيوعات صورية.
موقف لشكر، لم يمر دون أن يثير الكثير من ردود الفعل المتباينة، ومنها الفتوى التي أصدرها المجلس العلمي الأعلى، الذي قال فيها «إنه لا اجتهاد مع وجود النص كما هو مقرر في القاعدة الأصولية الفقهية عند علماء الشريعة»، بخصوص الإرث، أما تعدد الزوجات فأشار المجلس إلى أنه من «الثوابت الدينية الشرعية، أجمع عليه أئمة الأمة وعلماؤها سلفا وخلفا».
ومن بين الردود التي كانت حادة، ما ذهب إليه عبد الباري الزمزمي، رئيس الجمعية المغربية للدراسات والبحوث، والذي اعتبر أن ما دعا إليه لشكر «يدخل في إطار الردة وإنكار شريعة الإسلام.»
واقعة الإرث وتعدد الزوجات، دفعت عددا من علماء الدين إلى نشر آرائهم حول ما ذهب اليه الكاتب الأول لحزب «الوردة»، ومنهم الدكتور مصطفى بنحمزة، عضو اللجنة الاستشارية لمراجعة قانون الأسرة ورئيس المجلس العلمي بوجدة، والذي كتب مقالا مطولا، اعتبر فيه أن المطالبة بالمساواة بين المرأة والرجل هي «محاولة للعودة بالمغرب من جديد إلى حالة التوتر والاحتقان التي طوتها المدونة بصدورها»، مشيرا إلى أن هذه المطالبة تواجه نصوصا قرآنية واضحة وجلية حسمت قضية الإرث، ولم تفوضها إلى أي إنسان كائنا من كان».
وأوضح بنحمزة أن رفع شعار مساهمة المرأة في الإنفاق على الأسرة لفرض المساواة في الإرث يظل قولا لا تسنده شواهد من الواقع القانوني ما دام هذا التوجه غير مقنن في نصوص المدونة نفسها، إذ لا يزال الزوج فيها هو المطالب بكل الأعباء المالية ابتداء من دفع الصداق ومرورا بالإنفاق والإسكان والعلاج، وانتهاء إلى دفع مستحقات الطلاق والحضانة، وبسبب هذا الوضع لم نجد في المحاكم دعوات يرفعها الأزواج ضد الزوجات بسبب عدم الإنفاق على الأسرة، ولم نجد في قرارات السجون نساء يعاقبن على عدم الإنفاق، وهذا يبين أن البون بين النظري والواقع بون شاسع».
ويظل رأي لشكر يتماهى مع عدد من الجمعيات النسائية والحقوقية التي ترى أنه آن الآوان لمراجعة أحكام الإرث، كما أن شقا مما تطرق إليه الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، سبق أن أوصى به المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، من خلال تعديل المادة 49 من مدونة الأسرة المتعلقة بممتلكات الزوجين بما فيها الممتلكات المكتسبة خلال فترة الزواج، وذلك عبر التنصيص صراحة على أن قاعدة الاقتسام في نظام «الممتلكات المكتسبة» تسري على جميع وضعيات انحلال الزواج التي تشير إليها مدون الأسرة، بما فيها وفاة أحد الزوجين، وبعبارة أخرى، فإن تركة المتوفى بعد تقييمها أولا وفق آلية «المشاركة في الممتلكات المكتسبة»، قبل أن يتم تصفيتها وفقا للقواعد والشروط المعمول بها في نظام الإرث.
وفي هذا السياق، ترى خديجة الرويسي، البرلمانية عن فريق الأصالة والمعاصرة، والرئيسة السابقة لبيت الحكمة، أن مسألة المساواة في الإرث، يجب أن يفتح بشأنها نقاش عميق، يبدأ من داخل قبة البرلمان، وتكون المنظمات والهيئات الحقوقية طرفا فاعلا فيه، داعية إلى تبني تحليل موضوعي وحكيم لموضوع الإرث، يأخذ بعين الاعتبار معرفة مختلف المشاكل العويصة المتعلقة بهذا النظام.
وحذرت الرويسي مما أسمته قراءة متعصبة للنصوص القرآنية، وقالت في هذا السياق «إن العقيدة الأشعرية في المغرب تقول إن على الفقهاء عدم الإساءة إلى الذات الإلهية، وهنا نتساءل هل بقراءتنا المتعصبة الضيقة للنصوص لا نسيء للذات الإلهية.
وقالت الرويسي في هذا الإطار، إن الكل يعلم أنه في مجتمعنا هناك الأسرة التي تتوفر فقط على الجنس الأنثوي، تقوم هذه الأسرة بشراء منزل عن طريق الاستفادة من الدين، غير أنه إذا توفي الأب يدخل الأعمام في الخط وفي بعض الأحيان يساهمون في تشتيت العائلة.
الحقاوي: مسطرة التشريع بطيئة والمطالب المجتمعية ترجمة لاحتياجات الشعب
حليمة بوتمارت
- إلى أي حد استطاعت الحكومة تحقيق مجموعة من الطموحات التي تنادي بها الحركة النسائية؟
أستطيع القول إن وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية استطاعت خلال السنوات الثلاث المنصرمة تحقيق مجموعة من الانتظارات لفائدة المرأة المغربية، التي نجد لها صدى في التدابير والمؤشرات المتضمنة في المجالات الثمانية للخطة الحكومية للمساواة «إكرام» في أفق المساواة 2012-2016، والتي تعد نموذجا تم التنويه به عربيا وأوروبيا من حيث التقائية كل المبادرات الحكومية المتعلقة بالنهوض بأوضاع المرأة، سواء على مستوى مأسسة ونشر مبادئ الإنصاف والمساواة وإرساء قواعد المناصفة، أو ضمان الولوج العادل والمنصف للتربية والتعليم والتكوين وللخدمات الصحية والشغل، ولمراكز القرار الإداري والسياسي والاقتصادي، أو التمكين الاجتماعي والاقتصادي، ومحاربة كل أشكال التمييز والعنف ضد النساء، خصوصا الشق المتعلق بإصدار القوانين، ومنها مشروع القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد المرأة الذي تم عرضه أمام المجلس الحكومي نونبر 2013، وإحداث الهيئات الدستورية والآليات ذات الصلة، كمشروعي قانون إحداث هيئة المناصفة ومحاربة كل أشكال التمييز والمجلس الاستشاري للطفولة والأسرة اللذين أحيلا على مسطرة المصادقة، إضافة إلى إحداث المرصد الوطني للعنف ضد النساء، والمرصد الوطني لصورة المرأة في الإعلام.
– كيف تعقبين على انتقادات مجموعة من الجمعيات النسائية حول تأخر الحكومة في إخراج مجموعة من النصوص وإحداث هيئات؟
جميعنا نطمح إلى تحصيل سريع لنتائج الجهد المضني الذي نبذله من أجل تفعيل الدستور وإغناء منظومتنا التشريعية، غير أن مسطرة التشريع هي بطبيعتها بطيئة. أما بالنسبة لإحداث الهيئات المتعلقة بقضايا المرأة، فقد تم إحداث المرصد الوطني لمناهضة العنف ضد النساء، والمرصد الوطني لصورة المرأة في الإعلام.. ومشروعي قانون إحداث هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، وإحداث المجلس الاستشاري للطفولة والأسرة اللذين أحيلا على المصادقة غشت 2014، وفق ما تم تسطيره بالمخطط التشريعي للحكومة.
– ما هو رأيك بخصوص مشروع تحسين صورة المرأة في الإعلام الذي اشتغلت عليه الحكومات المتعاقبة، لكنه لحد الآن لم ير النور؟
أذكر أنه خلال الشهر الثالث لتولي هذه الحكومة تدبير الشأن العام، أعلن وزير الاتصال بمناسبة اليوم العالمي للمرأة مارس 2012 عن انطلاق ورش المرصد الوطني لتحسين صورة المرأة في الإعلام، وفي أكتوبر الماضي تم صدور قرار بإحداثه بالجريدة الرسمية في أفق الإعلان القريب عن تشكيلته، بعد سنتين من الاشتغال المشترك بين وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية ووزارة الاتصال. وفي السياق ذاته، نظمت الوزارة في فبراير 2014، ولأول مرة بشراكة مع منظمة المرأة العربية، المنتدى العربي الأول حول «المرأة والإعلام في ضوء المتغيرات الراهنة»، الذي عرف مشاركة وازنة لفعاليات إعلامية وباحثين ومهتمين بالمجال وطنيا وعربيا، كما كان هذا المنتدى فرصة من أجل إنجاز دراسة رصدية حول «صورة المرأة في الإعلام العربي، نموذج البرامج الحوارية».
— ما تعليقك على مطالب النساء المشاركات في الثامن من مارس؟
من الطبيعي أن تشكل المطالب المجتمعية ترجمة لاحتياجات الشعب ليتجاوب «السياسي» مع المطالب المشروعة منها، غير أن «الجمعوي» هنا اصطف إلى جانب «السياسي»، بما لا يتعلق بحركة مدنية نسائية، بل بمواقف سياسية استغلت فيها المعارضة اليوم العالمي للمرأة لتمرير مواقفها السياسية.
- ألم يحن الوقت بعد لإلغاء الكوطا باعتبارها آلية في العمل السياسي؟
تُعتمد الكوطا كآلية للتمييز الإيجابي لتحقيق المساواة بين الجنسين في الولوج إلى العمل السياسي، وفي ولوج مراكز القرار بمختلف مجالاته من أجل التدبير المشترك، على اعتبار أن التراكم السوسيو ثقافي الذي تشكل في فترة تاريخية طويلة يستدعي منا جميعا إعمال هذه الآلية بشكل مؤقت في أفق تحقيق المناصفة، ومحو الصورة الذهنية عن كون الممارسة السياسية والتدبير المحلي هو دور موكول للرجل فقط.
ومن الصعب حاليا أن نتحدث عن إلغاء هذه الآلية ما دامت المرأة لا توجد بكل مستويات صنع واتخاذ القرار السياسي. كما أن عدم الوعي بأهمية العلاقة في التقاسم المنصف للأدوار بين المرأة والرجل يحول دون مشاركة جميع فئات المجتمع في العمل داخل المؤسسات السياسية، حيث إن استبعاد النساء عن المجال السياسي دون الأخذ بهذه الآلية، سيجعل النساء تفتقرن إلى التجربة السياسية، وهو ما يجعل آلية الكوطا آلية مهمة لأجل تحقيق المساواة وتصحيح الاختلالات واللاتوازن في الفرص.
- أين وصل مشروع القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، في الوقت الذي نلاحظ تصاعد وتيرة العنف ضدهن؟
أجدد التذكير فقط بأن وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية أعدت هذا المشروع، بشراكة مع وزارة العدل والحريات، وبناء على التراكمات السابقة لمختلف الفاعلين في المجال، من قطاعات حكومية وفعاليات المجتمع المدني، والذي تم عرضه أمام المجلس الحكومي نونبر 2013، وتشكيل لجنة وزارية برئاسة رئيس الحكومة من أجل توسيع تدارس مضامينه، في انتظار المصادقة عليه. كما أن الوزارة واكبت مشروع هذا القانون بخطة إعلامية قربت مختلف الفاعلين من أهم مضامينه وأهدافه ومراميه، مما أحدث دينامية إيجابية انخرطت فيها كل مكونات المجتمع بالاقتراح والنقاش الذي من شأنه أن يهيئ المناخ العام الوطني لاستقبال هذا القانون بوعي
ومسؤولية.
العنف ضد المرأة في تزايد في انتظار إخراج القانون المجرم له
تتعدد التقارير التي ترصد ظاهرة العنف ضد النساء، سواء من لدن الجمعيات التي تتوفر على مراكز لاستقبال النساء الضحايا، أو من قبل المؤسسات الحكومية التي تعتمد على تقارير ودراسات تستند فيها إلى بحوث ميدانية.
ويعرف العنف ضد المرأة العديد من المظاهر، سواء الذي تتعرض له في الشارع العام أو من لدن الأقارب أو الأزواج، وتعج محاكم المملكة بالعديد من الملفات التي تكشف عن أبشع الجرائم التي ترتكب في حق المرأة والتي تصل إلى حد القتل، علاوة على تعرض النساء إلى «التشرميل» على يد أزواجهن لا لشيء سوى لأنهن يرغبن في الطلاق، والأمثلة متعددة ومتنوعة ومنها قصة خولة التي مارس عليها زوجها «ساديته» عبر شفرة حلاقة فشوه جسدها ووجهها مخلفا جروحا خطيرة أدخلتها المستشفى.
وفي الوقت التي تتكرر فيه مشاهد العنف اليومية، لا زال مشروع القانون المتعلق بالعنف ضد المرأة لم يخرج إلى حيز الوجود، بسبب إحداث لجنة وزارية برئاسة رئيس الحكومة، بهدف تعميق الدراسة حوله.
وفي هذا السياق، انتقدت فاطمة المغناوي، رئيسة مركز النجدة لمساعدة النساء ضحايا العنف بالرباط، بشدة غياب الآليات الكفيلة لحماية المرأة من التعرض للعنف، معتبرة أن تأخر الإفراج عن مشروع القانون المتعلق بالعنف ضد المرأة يعد أمرا غير مفهوم.
وقالت المغناوي في تصريح ل»المساء» إن «تنامي الاعتداءات على النساء، يستدعي التعجيل بإخراج القوانين التي تحميهن»، مشددة على ضرورة أن يضمن هذا القانون الوقاية والحماية والتكفل بالنساء وعدم الإفلات من العقاب، خصوصا أن العنف في ارتفاع وفق إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، وهو يعتبر «مؤشرا خطيرا وصعبا».
«رغم مرور عشر سنوات على مدونة الأسرة التي جاءت بعدد من الإيجابيات لكنها لم تستطيع حماية النساء من العنف مع تنامي زواج القاصرات»، تقول المغناوي، التي تعتبر أن العنف هو أخطر أشكال التمييز، داعية إلى ضرورة أن تكون هيئة المناصفة والقضاء على كل أشكال التمييز مستقلة وذات طابع تقريري وشبه
قضائي.
ويستقبل مركز النجدة يوميا النساء ضحايا العنف، شأنه في ذلك شأن عدد من المراكز التي تنجز تقارير ودراسات ترصد فيها الجرائم التي ترتكب في حق
النساء.
وإلى جانب جمعيات المجتمع المدني، فإن المندوبية السامية للتخطيط، سبق لها أن أنجزت بحثا حول انتشار العنف ضد النساء خلال سنة 2009 تذكر بنتائجه كلما حل اليوم العالمي لمناهضة العنف الذي يصادف يوم 5 يونيو من كل سنة، إذ كشف البحث الوطني عن أرقام مخيفة تهم انتشار هذه الظاهرة، إذ أنه في بيت الزوجية، تعرضت أزيد من 6 نساء (أي 444 ألف امرأة) لفعل واحد على الأقل من الأفعال التي تندرج ضمن العنف الجنسي المقرون بانتهاك حرمة جسد المرأة.
وسجلت أعلى معدلات انتشار العنف الجنسي، سواء كان مقرونا بانتهاك حرمة جسد المرأة أم لا، ضمن صفوف الشابات من 18 إلى 24 سنة (بمعدل فاق 40 في المائة وهو ما يعادل 763 ألف امرأة)، خصوصا من بينهن اللواتي لازلن يتابعن
دراستهن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.