دعا الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إدريس لشكر، إلى فتح نقاش عمومي حول مراجعة أحكام الإرث وتجريم تعدد الزوجات بمنعه في مدونة الأسرة، وتجريم تزويج القاصرات وجميع أشكال العنف ضد النساء. وقد جاءت تلك الدعوة خلال افتتاح المؤتمر السابع للنساء الاتحاديات، حيث وجدها لشكر فرصة لتسجيل أهداف في مرمى حكومة يقودها حزب ذو مرجعية إسلامية. أي مبتدئ سوف يقول إن المطلبين الثالث والرابع مطلبان شعبيان وليست فيهما مشكلة، فتزويج القاصرات شكَّل دائما مصدرا للكوارث الاجتماعية والنفسية والإنسانية، أما العنف ضد النساء فهو ظاهرة خطيرة لا يشكل الاغتصاب سوى واحد من وجوهها البشعة الكثيرة؛ لكنه سوف يرى في المطلبين الأول والثاني إثارة لزوبعةٍ المغربُ في غنى عنها، ومحاولة لتسييس قضايا في الشريعة، أو «تحزيبها»، بحيث تؤدي دورها المطلوب في تدشين صراع سياسي هامشي لن يكون له مردود، لا، بل سيكون له مردود عكسي. قبل عام، كتبت في هذا المكان ما يلي: المعارضة في المغرب تخطئ كثيرا عندما تطرح قضايا تعتقد أنها تحرج الإسلاميين، فتنجر بطريقة غير مباشرة إلى المواجهة مع دين الغالبية من المسلمين. وتعتقد المعارضة -عن خطإ- أن أمور الدين تخص التيار السياسي الديني، وأن هذا التيار هو «المسؤول» عن ثوابت الدين، ولذلك تخوض معركة بدون هدف في ساحة مفتوحة قد يحارب فيها الكثيرون إلى جانب الإسلاميين، فتخسر المعارضة الجميع في وقت واحد. ويبدو أن المعارضة الحالية لديها مشكلتان، تتمثل أولاهما في عدم الانسجام مع دورها الذي يمنحها إياه الدستور الجديد، وهو تقديم البدائل والاقتراحات وليس الخوض في الصراعات ذات الطابع الإيديولوجي، الأمر الذي سبق للملك أن نبه إليه قبل أشهر خلال خطابه بمناسبة افتتاح دورة أكتوبر التشريعية، حين دعا إلى إخراج النظام الخاص بالمعارضة البرلمانية، لتمكينها من النهوض بمهامها في مراقبة العمل الحكومي والقيام بالنقد البناء وتقديم الاقتراحات والبدائل الواقعية، بما يخدم المصالح العليا للوطن؛أما المشكلة الثانية فهي أنها تفهم أن معارضة حكومة يقودها حزب ذو مرجعية دينية تعني صياغة خطاب ديني مضاد أو رفع مطالب ذات طابع ديني، وهذا نقاش في المكان الخطإ، خصوصا وأن حزب الاتحاد الاشتراكي ليس لديه خطاب حول الدين، وهذا الرجوع المتأخر إلى المسألة الدينية أعتقد أنه سيزيد في إرباكه. وفي اعتقادي، هذا نوع من استغلال الدين في السياسة، وهو الأمر الذي يستنكره الاتحاد الاشتراكي نفسه في ما يتعلق بالإسلاميين. دعوة ادريس لشكر جاءت أمام ملتقى للنساء الاتحاديات، وهؤلاء يرفضن المشروع الحكومي حول مناهضة العنف ضد النساء ويطالبن، مع باقي الجمعيات النسائية، بتضمينه بعض التعديلات من أجل المزيد من دعم المرأة وحمايتها. ومن هنا، ربما يسعى الحزب إلى رفع مطلب المساواة في الإرث كمطلب يحقق للنساء المناصفة التي جاء بها الدستور الحالي. لكن المناصفة موجهة، بالأساس، إلى الأحزاب السياسية والهيئات المدنية والمؤسسات التمثيلية، وليس المقصود منها المساس ببعض الثوابت في الدين، كالمساواة في الإرث مثلا، لأن هذا يدخل في نطاق الأمور الشرعية التي لا تخضع للمزاج السياسي، بل تخضع للاجتهاد الفقهي، وهناك حالات في الشريعة تتحقق فيها المساواة بين الذكر والأنثى، كما أن هناك اجتهادات ساوت بينهما في الحالات التي لا تتحقق فيها هذه المساواة، وفق النوازل التي يعمل فيها بمبدإ الاجتهاد، لكن المشكلة تحصل عندما يصبح مطلب المساواة مطلبا سياسيا للأخذ به كقاعدة عامة، وهذا غير ممكن؛ فطرح القضية من هذه الزاوية هو محاولة لتسييس الموضوع، وهو ما قد تكون له تداعيات سلبية.