في معرضه المقام حاليا، ببهو المكتبة الوطنية بالرباط، يعود الفنان التشكيلي بوشتى الحياني ليتابع نفس المسار الفني الذي خطه لنفسه منذ سنوات، وفي ظل نفس المدرسة الفنية التي اختارها منذ البداية، وهي المدرسة الانطباعية التي من خلالها يخرج مكنونات ذاته، ولما انطبع على هذه الذات من اثر في النفس، تمليها العلاقة بالاشياء والاحياء. هكذا تكاد لا تخلو لوحة من لوحات هذا المعرض من جسد شخص ذكرعار الا مما يحيط به من آثار انطباعاته، يشكل بؤرة اللوحة، ويسعى الى تأثيث أجزاء منها، بما ينطبع على وجدانه وعقله وخياله. ان هذا الشخص - البؤرة يكاد يكون هو الفنان ذاته، او اية ذات اخرى لا تكتمل الا بما يحيط بها، لذلك فهي تكون ذاتا او جسدا مزهرا حينما تتفتح الازهار بقربه، ويكون جسدا ينشد الأعالي وينشد القوة حينما يحلق نسر خلفه، ويكون اسيرا حينما تقف بقرة معطاء، لكنها مقيدة القوائم، امامه، ويكون جسدا ذابلا شاحبا حينما تتساقط اوراق الخريف بجانبه، ثم يكاد الجسد يكون لا أحد، او مجرد رقم، حينما تنتشر الارقام في هذه اللوحة او تلك، او يكون الجسد حروفا تقول، اسم الفنان، بخط طفولي، وداخل مركز اللوحة وليس في موضع التوقيع، او حروفا تتوزع الى جانب الأرقام، وكأن اللوحة بذلك تقول ما قاله الاغريقي القديم: «العالم رقم ونغم» مادام النغم ليس في بدايته الأمر ونهايته سوى حروف، قد تكون حروفا أبجدية وقد تكون حروفا موسيقية، ولأن الشبيه أبدا يحن الى الشبيه، فإن جسد هذا الشخص - البؤرة، لا يكتمل الا بجسد الأنثى، لذلك نجد الجسدين معا في بعض اللوحات وقد جمعهما أكثر من وثاق، من الأعلى والوسط والأسفل، وبينهما علامات الصليب الدالة على الصيدلية والدواء، وفي بعض الأعمال نجد ذات الشخص - البؤرة - يقف منتصبا والى جانبه تقف كتلة تشبه امرأة في طورها الهيولي، غير واضحة المعالم او غير مفهومة، حتى لكأنها لابسة او ملتبسة، مع كل ما قد تمنحه من انطباعات لمشاهد مثل هذه الأعمال. وبعيدا عن الجسد، قريبا منه، فإن الفنان بوشتى الحياني يظل في هذا المعرض أيضا مسكونا بأثر القدم، وكأنه بذلك يريد ان يقبض رسما على الانطباعية ذاتها داخل اللوحة، او ليست الانطباعية أثرا في بداية المطاف وخاتمته؟!