كانت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان أول جمعية من نوعها تزور تونس في شخص رئيستها الأستاذة أمينة بوعياش. وتأتي هذه الزيارة في سياق المتغيرات التي يعرفها هذا البلد المغاربي ،والذي يعيش في خضم ما اصطلح عليه إعلاميا بثورة الياسمين ،التي أطاحت بنظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي. بخصوص هذه الزيارة والانطباعات حول ما يحدث حاليا في تونس، كان هذا اللقاء مع السيدة أمينة بوعياش. - أستاذة أمينة من المؤكد أن زيارتكم لتونس حفلت بتضارب افكار وتصورات تصب في صميم اهتماماتكم . ما هي أبرز الانطباعات التي خالجتك بصدد ما يحدث في هذا البلد اليوم؟ - في الحقيقة عاينت واقعا معقدا وملتبسا في هذا البلد، فنحن نعيش هناك ما يمكن تسميته بحالة عصيان مدني ضد نظام أغلق أبواب الحوار ،وكمم أفواه الناس، وصادر جميع الحريات. وبالتالي كان العصيان المدني رد فعل قوي لاسترجاع هذه الحقوق . ولابد أن نلاحظ هنا أن مبادئ حقوق الإنسان هي الإطار العام لما حدث في تونس، والعصيان المدني هو رد فعل جماعي ضد سلطة معينة. ولكن كيف حدث ما حدث في تونس؟ وها هنا ملاحظة في غاية الأهمية : ما حصل في تونس لم يكن منتظرا، لكنه وقع بفضل الحوار والتداول بين الناس ولاسيما الشباب التونسي ، الذين استطاعوا أن يتحاوروا في ما بينهم بواسطة استخدام التكنولوجيات الحديثة في مجال التواصل . ذالك ان الثورة الرقمية مكنت من خلق منتديات حوار يناقش فيها التونسيون أمور بلدهم. - لكن النظام التونسي السابق كان نظام عد أنفاس ورصد ومراقبة مستمرة كيف غابت عن منظومة المراقبة البوليسية هذه الأمور؟ - من المفارقات العجيبة في تونس هو أن الشباب هناك قاموا باجتهادات ملموسة لحماية مواقعهم على الشبكة العنكبوتية ،وتحصينها ضد القرصنة او التدمير - إن استمرار الاحتجاجات في تونس العاصمة يعني أن الشعب التونسي مازال يشعر بتوجس ما خاصة وأن رموز النظام السابق من كوادر حزب التجمع الدستوري ما زالوا يتربصون بالسلطة كيف تنظرين إلى الأمر؟ - للحزب الحاكم في تونس صورة السلطة المطلقة، والاستمرار في الاحتجاج هو تأكيد لرفض هذه السلطة المطلقة ، وعلينا ألا ننسى أن حزب التجمع الدستوري هو حزب الدولة . ولهذا وكما قلت في البداية إن الوضعية معقدة ،والمعادلة هي بناء مسار ديمقراطي دون المساس بأمن واستقرار البلد وفي نفس الوقت إلغاء السلطة المطلقة. وكان على الحكومة الانتقالية إعطاء إشارات قوية للرأي العام، تفيد بأن فصلا بدأ بين الدولة وحزب التجمع الدستوري الديمقراطي .فمثلا هناك العشرات من موظفي الدولة مازالوا رهن إشارة الحزب الحاكم السابق. كما أن الحكومة تجاهلت مطالبة التونسيين باستقالة الرئيس المؤقت والوزير الأول . - هناك من يتوجس انتقال ما حدث في تونس إلى أقطار أخرى، هل تؤمنين بنظرية العدوى في هذا المجال؟ - لكل مجتمع مساره ولكل مجتمع أدواته ،في تونس مثلا كانت الأداة هي توظيف واستعمال التكنولوجيات الحديثة كما أسلفنا. وهناك قلق من كيفية تدبير الاحتجاجات وهو توجس ينبغي تجاوزه بشكل جوهري. لكن كيف يمكن حماية الحقوق والحفاظ على الأمن العام ، ولايمكن للمدافعين عن حقوق الإنسان مباركة شخص يضرم النار في نفسه ،لأن في ذلك مسا بالحق في الحياة والسلامة الجسمانية وعلى كل حال لا يمكن أن بكون ذلك نموذجا للمدافعين عن حقوق الإنسان .وبالنسبة لحالة المغرب فقد تكونت لدينا قناعة بمتابعتنا ورصدنا للشأن العام بأن التجربة المغربية بينت أن الإرادة السياسية غير كافية ،للانتقال إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان. لهذا فنحن في حاجة إلى إدارة تترجم هذه الإرادة وإلى مجموعات سياسية واقتصادية ومدنية لتقوم بدورها وتقدم اقتراحات وانتقادات وتبادر بالتعبئة من اجل حماية مسار الديمقراطية .وفي هذا السياق نلاحظ أننا لم نمر بعد بشكل ممنهج لمساءلة المكلفين بتنفيذ القانون في حالة خرقه. - لكننا في المغرب نتنفس أكثر من تونس لكن المشكل يتمثل في الجانب الاجتماعي والاقتصادي. - هناك مفارقة بين التجربة المغربية والتجربة التونسية، فإذا كان المغرب قد عرف توسعا في مجال الحقوق والحريات، فإنه يعرف تعثرا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، والعكس صحيح في تونس - هل دخلت إلى تونس بسهولة؟ - لا لقد مكثت في المطار لأزيد من ساعة ونصف وبعد أخذ ورد تم السماح لي بدخول البلد ،وتجدر الإشارة الى أنني كنت ضمن لائحة الممنوعين من دخول تونس على عهد النظام السابق وذلك لكوني ضمن فريق حقوقي دولي كان قد قام بمراقبة الانتخابات الرئاسية . وأعتقد أن اسمي ظل مسجلا لدى أمن المطار. - كيف عاينت أحاسيس الناس هناك؟ - لقد عشت لحظات مؤثرة وقوية مع مختلف الفئات الاجتماعية والسياسية، ذلك أن الجميع لم يكن يحلم برحيل الرئيس السابق بهذه الطريقة. وكان تبادل التهاني هو العبارة الاولى في اللقاءات أو التحية.