رحيل بن عرفة وبداية تحرك جيش التحرير بعد عودتي الى باريس، علمت ان الجنرال بوايي دولاتور حصل من رئيس الوزراء ادغار فور على ان يجعل من المقري القائم على حفظ الخاتم السلطاني في حالة ما اذا لم يحصل اتفاق حول مكونات مجلس العرش. فرافقه إ. روش الى الرابط لغاية مساعدته علي ابعاد بن عرفة والعمل بالخصوص،على حمل تنظيم الوجود الفرنسي، على تغيير موقفه الثابت، علما بان ار. روش قبل ان يكون رئيسا شرفيا للتنظيم. في هذا الشأن انتاب الشك، سي البكاي لانه يدرك جيدا ان اي تنازل قدم في موضوع الصدر الاعظم يمكنه ان ينقلب ضدنا. الا ان ثمة ضمانات قدمت له تمنح الاطمئنان حول تطبيق اتفاقيات انتسيرابي كان الطلب الدي تقدم به ادغار فور في الموضوع هو كالتالي: العمل على ابعاد بن عرفة، ولا يهم اذا كان الابعاد سيؤدي الى منح الخاتم السلطاني، مؤقتا الي هذا الشخص او ذاك طالما الحكومة مصممة على إقامة مجلس للعرش في اقرب الاوقات. الا انني لم اطمئن للامر، بل ظل الشك يساورني. وفي الرباط، ورغم انشغاله بالانشطة التي كان يقوم بها تنظيم الوجود الفرنسي، استطاع المقيم العام ان يجد الوقت الكافي لدعوة محمد اليزيدي، الامين العام المساعد للحزب الى لقاء معه. خلاله كان اليزيدي واضحا ودقيقا في كلامه، حيث وضح للجنرال ان حزبنا يرفض الدخول في مفاوضات مشكوك في غايتها، وركز علي تشبث الحزب باهدافه التي ظل يدافع عنها و هي إعادة تنصيب الملك الشرعي للبلاد، محمد بن يوسف، وتكوين حكومة مغربية تفاوض لالغاء معاهدة الحماية واعلان الاستقلال الوطني. اخبرت سي البكاي بهذا اللقاء. لكنه اعتبر ان موقف الحزب مبالغ فيه بعض الشيء. أخبار جديدة وصلتنا من المغرب خلال الأيام الاخيرة من شهر شتنبر 1955 اذ علمنا انه في الوقت الذي كان فيه المقيم العام على اتصال دائم مع المتشددين كان السيدان ليبكوفسكي، المدير المساعد للجنرال بوايي دولاتور، وبانافيو، الوزير المنتدب لدى الاقامة العامة، على اتصال مع مجموعات الفرنسيين الليبراليين في المغرب. وكان الاخيراين يتوصلان بالتعليمات، مباشرة، من باريس لتدبير تريتبات انسحاب بن عرفه الي طنجة بالوسائل المناسبة. وفي 27 شتنبر شاركا في لقاء مع ممثلي الاحزاب والمجموعات الفرنسية الموجودة في المغرب، المؤيدة لابعاد بن عرفة ومتابعة الحوار الفرنسي المغربي، والتي تشمل: الحزب الراديكالي والفرع الفرنسي للاممية العمالية والحركة الجمهورية الشعبية وتنظيم الضمير الفرنسي ومجموعة (geres ) وجون ربوبليك و »الصداقات المغربية«. اما الشعور الذي ساد بين الفرنسيين الليبراليين فهو ان المقيم العام والجنرال كوينغ كانا يسعيان الى ربح الوقت في انتظار سقوط حكومة ادغار فور مع الدخول البرلماني الجديد. لذلك بادروا للتعاون مع ليبكوفسكي وبانافيو. اذ عين اثنان من الليبراليين الفرنسيين للاتصال بعبد الرحمن الحجوي، الذي اعتبر اهم عقبة كانت ت حول دون ابعاد بن عرفة، و الحال ان هذا الشخص لم يكن سوى عون تنفيذ تابع لسلطة تنظيم الوجود الفرنسي. تم الاتصال بين الشخصين المنتمين الى الليبراليين الفرنسيين مع عبد الرحمن الحجوي كي يقدما له الضمانات الشكلية حول سلامته الشخصية، وبانه لن يكون موضوع متابعة قضائية في موضوع النهب الذي تعرض له القرص الملكي على اثر خلع محمد الخامس سنة 1953 ، بل ذهب معه الليبراليين الى حد انهما وعداه بمنصب وزير له مطلق الصلاحيات بعد ان يستقر في فرنسا. بدا الحجوي متفاعلا مع هذا الاغراء فوعد بالا يعارد رحيل بن عرفة، لكنه اصر على أن يمنح الخاتم السلطاني الى مولاي عبد الله. كان لهذا الاقتراح وقع الذخول على الجميع. لان الكل اعتقد ان الامر يتعلق بالابن الاصغر لمحمد الخامس بينما الشخص المقصود كان هو مولاي عبد الله بن مولي عبد الحفيظ ، الشخص الذي خرج من الفراغ وكلف بتمكين الاقامة العامة من معارضة تكوين مجلس للعرش. كانت الايام الممتدة بين 27 و 30 شتنبر. غنية بالمستجدات والمفاجآت. فالجنرال دو لاتور لم يكن يرغب في القيام بشيء دون موافقة من تنظيم »الوجود الفرنسي«، كما ان السيد »لوكورولر، خليفة الدكتور كوس، هو الذي اصبح المستشار المقرب من المقيم العام، زد على هذا الاتصال مع الحجوي اصبح دائما، غير منقطع. في الوقت نفسه، اعطى المقيم العام موافقه اللوزير المنتدب لحمل بن عرفة على إخلاء الطريق بشكل ارادي، ليستقبل الوزير، مرفوقا ب »ليبكوفسكي«، في القصر الملكي في يوم 28 شتنبر في الوقت الذي لم يكن فيه بن عرفة يطلب الا الرحيل. اذ انه واف على إعلان التخلي عن الخاتم السلطاني المفوض له لصالح ابنه مولاي الحسن. وتم الاتفاق على أن التوقيع على الوثائق المتعلقة بذلك سيكون في اليوم ذاته على الساعة الخامسة مساء، ليجبر السيد بانافيو، رئيسه، المقيم العام بالأمر، قبل ان يخبر الأخير الحاج الحجوي واعضاء تنظيم الوجود الفرنسي بما تقرر. وفي الساعة المتفق عليها جلس الحجوي الى جانب بن عرفة. الا ان الامور عادت الي نقطة الصفر. فاذا ظل الاتفاق ساريا من حيث المبدأ، فان هناك شروطا اضافية طفت فجأة. حيث اعتبر الحجوي ان اعلان بن عرفة، المتفق عليه، يجب ان يتضمن تأكيدا بانه لم يعد انشاء مجلس للعرش واردا وان تفويض الخاتم السلطاني يجب ان يعود الي مولاي عبد الله بن مولاي عبد الحفيظ، وان يستثنى اعضاء حزب الاستقلال من اي حكومة مغربية. هكذا، اذن، انطلقت النقاشات من جديد. وفي المساء، فتح الحجوي ابواب القصر لجماعات مسلحة من تنظيم »الوجود الفرنسي« بزعامة لوكورولر، والتي جاءت لتحمي بن عرفة بينما لم يقع المقيم العام باي اجراء لاستباق الامر او لطرد الوحدات المسلحة. ونتيجة لهذا الوضع، شاعت اقاويل متضاربة حملت اخبارا تفيد بان اوروبي »الوجود الفرنسي« سيقومون بمظاهرة يوم 9 شتنبر، وان المنظمين ينوون احتلال البناية التي يودج بها مقر راديو مروك« ومديرية الاتصالات السلكية واللاسلكية، الامر الذ يؤكد ان فرنسيي المغرب يسعون الى فرض ارادتهم في الاحتفاظ بين عرفة حتي ولو تطلب الامر التدخل بالقوة، و لما لم يكن المقيم العام يقبل ان تسيل دماء الفرنسيين بالمغرب، فقد تقرر تأجيل مخطط باريس. هكذا و علي ضوء هذه الكوميديا المأساة، طرح سؤال دقيق، وهو كالتالي: اي طرف سيربح الرهان: هل الطرق الذي يمثله الجنرال دولاتور و »الوجود الفرنسي« ام الطرف الذي يمثله مساعدا المقيم العام، اي بانافيو، وليبكوفسكي؟ وما رواه »ليبكوفسكي«، فيما بعد، عن الاحداث التي شهدتها تلك الايام يبين الطريقة الاخرى، غير المكشوفة التي تم بها رحيل بن عرفة. امام النفق المسدود لجأ مساعدا المقيم العام الى وساطة النقيب الهاشمي الشريف، المحامي الجزائري المقيم في طنجة. الذي كانت له علاقات صداقة مع شقيقة بن عرفة، والذي لعب دورا حاسما في تلك القضية. شخصية اخرى تدخلت في القضية، ويتعلق الامر بمساعد الحجوي، بناصر عمر، المترجم الاسبق، الذي تعرض لاصابة خطيرة خلال محاولة الاغتيال الثانية التي استهدفت بن عرفة في مراكش في العام 1953، وربما كان القبطان اوفقير، المترجم الخاص للمقيم العام، واحدا من فريق التدخل. وبأمرم ن باريس، حاول مدير الأمن ان يقنع الحجوي بالسفر جوا الى باريس يوم 30 شتنبر تلبية لدعوة عاجلة من الحكومة الفرنسية. ولما رفض الاقتناع بذلك وضع رهن الحراسة النظرية بمنزله،ق بل ان يتحول كل شيء الى كوميديا، اذ انا عضاء تنظيم »الوجود الفرنسي«، الذين كانوا على علم بهذا الإجراء، لم يتأخروا في التجمهر امام المنزل ليتمكن الحجوي بعد ذلك، من الفرار بتواطؤ من عناصر الأمن المكلفين بحراسته. في صبيحة اليوم ذاته استطاع السيد »بانافيو« الحصول من بن عرفة على تصريحين موقعين أعلن فيهما تفويض الخاتم السلطاني الى المدعو مولاي عبد الله بن مولاي عبد الحفيظ بعد ان وافقت باريس على هذا الاختيار باصرار من »اميل روش«. وفي الفاتح من اكتوبر 1955، وجد المقيم العام نفسه امام مشهد بن عرفة وهو يغادر الرباط نحو طنجة، وان كان قد حاول في آخر لحظة ان يجعل من المفوض الجديد للخاتم السلطاني واراث للعرش، سعيا منه دائما الي افشالم شروع تأسيس مجلس للعرش، الا ان الحكومة الفرنسية لم تسايره في هذا الاعتراض وتجاوزت الأمر. لكن الطريقة والظروف اللتين تم فيهما ابعاد بن عرفة جعلتا الحدث يمر دون ان يتجاوب معه الشعب المغربي بحماس، في الوقت الذي صار فيه الكفاح المسلح من أجل نصرة القضية الوطنية أقوى من اي وقت مضى... منعطف «ايكس ليبان» [غشت - شتنبر 1955] انعقد اللقاء الفرنسي - المغربي ب» »إيكس ليبان« « بين 22 و27 غشت 1955, كان منتظرا عقده في مدينة »نيس« حيث كان الجنرال »كوينغ« يقضي عطلته قبل أن يقرر انعقاده في مدينة »إيكس ليبان« التي كان الرئيس »بيناي« يقصدها بغية الاستشفاء, هكذا إذن اختيرت مدينة المياه الجارية لتحتضن هذا اللقاء. كان أساسيا اشراك الوزير الفرنسي في الشِؤون الخارجية لأن مستقبل حكومة »إدغار فور« كان متوقفا عليه. أما السيد »غرانفال»، الذي اعتبر افتراضيا أنه مستقيل من و ظيفته منذ 12 غشت، فقد كان يعارض هذا المؤتمر لأنه اعتبر أن الأخير يسيء إلى صلاحيته وإلى السلطة التي كان يمثلها كمقيم عام، ممثل سلطات الجمهورية, ورغم إلحاح الرئيس »إدغار فور« عليه، ظل »غرانفال» متشبثا بموقف الرفض وإن كان هو من نقل الدعوات الى الأحزاب السياسية والأعيان المعتدلين وإلى التقليديين وإلى تجمعات الفرنسيين الليبراليين وتنظيم »الوجود الفرنسي«. في 19 غشت، استقبل محمد اليزيدي والمهدي بن بركة في الرباط, وجدا في استقبالهما مقيما عاما قلقا، يجاهد من أجل إخفاء قلقه, أبلغهما بأنه لا يرى جدوى من ذلك اللقاء, ماذا كان الهدف من هذا، هل كان له جدول ؟ كيف سينظم؟ لم يكن المقيم العام ليقدر على الرد على هذه الأسئلة. فقد بدا شاردا، لا يستقر على نظر في الموضوع أما أنا فقد كنت حينها في باريس, والخلاصة الوحيدة التي استطعت التوصل إليها، والتي بدت لي مقبولة هي أنه لما لم يستطع بن عرفة »تكوين حكومة« مغربية تمثيلية في الآجال المحددة، فقد استخلصت لجنة التنسيق لشمال افريقيا العبرة والدروس من هذا الفشل، في هذا الإطار، كان لابد من الدفع بوزير الشؤون الخارجية,السيد »بيناي«، نحو المأزق المغربي، وتمكينه، لأول مرة، من اللقاء مع ممثلي الحركة الوطنية المغربية. وقد كان ذلك اللقاء، إلى حد ما، لقاء ذا طبيعة بيداغوجية على حد تعبير الجمهوريين المستقلين، وقد أبلغت اللجنة التنفيذية للحزب بهذا الأمر عبد الهاتف.