رغم كل التصريحات التي أدلى بها عدد من المسؤولين في الأمن والجيش النيجيري حول انتهاء جماعة بوكو حرام الإسلامية المتطرفة، والتأكيد للرأي العام في أكثر من مناسبة على اقتراب القضاء عليها بعد تحجيم قوتها، تعود مجددا الهجمات الإرهابية التي تستهدف المدنيين والقوات المسلحة النيجيرية، لتؤكد أن الانتشار الذي تقوم به بوكو حرام يعد أكثر تعقيدا مما رسمته الأجهزة الأمنية من قبل. فالأمر حسب تقارير يتجاوز احتلال بعض المناطق النيجرية بقوة السلاح، بل إن خلايا نائمة تقوم بإعادة الانتشار تكتيكيا من وقت لآخر، بدعم من مجموعات أخرى منتشرة على طول خط أفريقيا جنوب الصحراء. ذكر شاهد عيان نيجيري أن حوالي 100 شخص قتلوا عندما قام مسلحون ينتمون لجماعة بوكو حرام الإسلامية المتشددة بمهاجمة العديد من القرى في شمال شرق نيجريا. وقال مواطن يعيش في قرية الأكرماتي في حديث صحفي ?إن الكثير من السكان غرقوا بينما كانوا يحاولون الفرار عبر نهر جادابول في منطقة كوندوجا القريبة من مايدوجوري عاصمة ولاية بورنو?. وقد تم خطف عدد غير معروف من النساء والأطفال أثناء الهجوم. ومن ناحية أخرى، قال شاهد عيان آخر يدعى جوني دانجو إن ?الهجمات بدأت حوالي الساعة السابعة والنصف صباحا بإطلاق مكثف للأعيرة النارية، ما أجبر الجميع على الفرار وقد غرق أغلبهم في النهر، فيما أطلقت بوكو حرام النيران على عدد آخر قليل?. هذا الهجوم الذي وقع مؤخرا، يأتي في سياق معاكس تماما لتصريحات عدد من المسؤولين والتي تؤكد ضعف الجماعة الإسلامية المتطرفة التي تسعى لإقامة ما تسميه دولة إسلامية تطبق فيها الشريعة الإسلامية. فقد أكد عدد من مسؤولي جهاز الاستخبارات الأميركية السي آي آي أن ?قوة بوكو حرام تتراوح ما بين الأربعة والستة آلاف مقاتل، وهذا العدد لا يشكل تهديدا كبيرا?. لكن الإجابة كانت صادمة حسب تقارير نظرا لعودة الهجومات الخاطفة والتي تلحق خسائر بشرية ومادية كبيرة، بقطع النظر عن الخطف وطلب الفدية أو إعدام الرهائن فيما بعد وسبي النساء واغتصاب الأطفال باسم الشريعة الإسلامية. ويؤكد الخبير المصري في الجماعات الإسلامية فؤاد علام أن ?منطق هذه الهجمات في الأغلب يعكس لعب ورقة تشتيت التركيز الأمني، فهجمات خاطفة من هذا النوع قريبا من مناطق نفوذ بوكو حرام، تؤكد أن الجماعة لا تزال تصر على القتال وفق إستراتيجية واضحة وهي إلحاق أقصى ما يمكن من الخسائر في صفوف المدنيين والأمنيين والجيش، وهو ما يؤكد ارتباط بوكو حرام بمنافذ دعم وإسناد خارجية قوية تقوم بتغذية الجماعة بالمقاتلين والسلاح وباقي العتاد، الأمر الذي يجعل من الحرب على هذه الجماعة المتشددة أمرا إقليميا شاملا?. وتؤكد الأخبار القادمة من لاغوس، العاصمة التجارية لنيجيريا، أن الأجهزة الأمنية النيجيرية تمكنت من الكشف عن شبكة واسعة من أفراد تابعين لبوكو حرام الإسلامية الإرهابية وهي بصدد الاجتماع والتحضير لهجمات انتحارية مركزة وسط مجمعات تجارية وسكنية ومقرات أمنية بعينها، ضمن سلسلة واحدة تكون متزامنة لتحدث الرجة الإعلامية المطلوبة. ويقول جهاز الاستخبارات في نيجيريا في بيان إن 12 عنصرا من الجماعة المسلحة ألقي القبض عليهم في لاغوس. وفي السياق متصل، تؤكد آراء الخبراء أن جماعة بوكو حرام تتبع الأسلوب نفسه للجماعات الإسلامية المتطرفة الأخرى بشكل واضح، خاصة الجماعات الإرهابية التي تنشط في دول عربية خاصة مصر والجزائر وليبيا وتونس أيضا. فكلما انحصر الانتشار الجغرافي لهؤلاء في منطقة جغرافية واحدة وواسعة، أعادت الخلايا الإرهابية انتشارها بطريقة يتمكن معها الإرهابيون من التجمع وفق حلقات صغيرة وإعادة الهجوم على مراكز حكومية أو أمنية أو سكنية بعينها للترهيب الأقصى وتشتيت انتباه الأجهزة الأمنية والعسكرية. وبالعودة إلى نشأة جماعة بوكو حرام الإسلامية المتطرفة وتأسيسها، حيث كان ذلك على يد محمد يوسف الذي أطلق عليها في البداية اسم (جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد) وكان قد انضم لمعسكرات تنظيم القاعدة في أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي لمحاربة السوفييت هناك، بعد أن انقطع عن الدراسة في القاهرة، أين كان ينشط مع جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية في مصر. أما القائد الحالي لهذه الجماعة فهو أبو بكر شيكاو، وسميت معه الجماعة ب?طالبان نيجيريا? نظرا لأنها مجموعة مؤلفة خصوصا من طلبة تخلوا عن الدراسة في دول الشرق الأوسط وشاركوا في حرب أفغانستان وعادوا إلى بلدانهم في التسعينات، على غرار مؤسسها محمد يوسف، وقد أقاموا قاعدة لهم في قرية كاناما بولاية يوبه شمال شرق البلاد على الحدود مع النيجر. وفي 12 مارس 2015 قبلت داعش بيعة بوكو حرام لها وذلك بعد بث شريط صوتي على الشبكة العنكبوتية. ويؤكد خبراء مختصون في التنظيمات المتطرفة، أن جرائم خطف النساء واغتصابهن وخطف التلميذات خاصة، تبرره بوكو حرام بأنه ?سبي لنساء الكفار كما جاء في الإسلام?، وهي إشارة واضحة إلى أن الجماعة الإرهابية تعتبر المحيطين بها من مواطنين نيجيريين، سواء مسلمين أو أتباع ديانات أخرى، هم من ?الكفار? وعليها جهادهم بخطف نسائهم وإخافة التلاميذ من التعليم نظرا لقيام هذه الحركة أساسا على تحريم التعليم في المدارس. وتعتبر بذلك حركة بوكو حرام من أكثر أنواع الحركات الإسلامية تطرفا وإجراما، الأمر الذي جعلها تبايع ما يسمّى تنظيم الدولة الإسلامية لتصبح الامتداد الأقصى لهذا التنظيم في غرب أفريقيا، ما دعا دول المنطقة إلى اتخاذ الاحتياطات.