إن الوقع الذي لا يرتفع هو أن قطاع الفن خصوصا والتشكيلي بوجه أخص بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى، إلى أن ينزل التشكيلي،أكان فنانا أم ناقدا فنيا أم مؤرخ فن أم متتبعا الى أرض الواقع، حيث العبث والفوضى وسرقة الجهود وإقبار المشاريع والتصورات الواعدة والطموحة.. ليدلي بصوته. لا يخفى على أحد أن معظم المجالس البلدية والجهوية لم ولا تكترث بالحقل الفني التشكيلي،وإذا ما كان شيْ من هذا، فبنسبة محدودة أو لغرض معين. فالقطاع، في المقام الثاني إن لم نقل ليس بأجندات المسؤولين ولا ريبيرتواراتهم .. لم يكن لدى من تكشف عنهم صناديق الاقتراع أولوية من الأولويات يوما، وعليه، ولأجل هذا، آن لهذا القطاع أن ينزل المتعاطي معه إلى الواقع بدل البقاء في برج عال، منزو، منكمش على نفسه؟فإلى متى تبقى الساحة، من دون فعل، من دون موقف، من دون صوت يُسمع من خلاله انشغالات التشكيليين، قضاياهم وهمومهم، إلى متى يترك الحابل على الغارب، والاكتفاء بشعار:»كم حاجة قضيناها بتركها». المثقفون،والفنانون التشكيليون ونقاد الفن والباحثون الجماليون.. لا يجرؤ معظمهم على الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات، بدعوى - كما راسلني الفنان التشكيلي كريم بناني «أنا لا انتظر- للأسف - شيئا ذا بال من هذا الحدث التاريخي، فمعظم المرشحين ليست لهم ثقافة كافية بخصوص تاريخ الفن لبلدهم، لهذا يبقى الأمل في كل مشاركة ضعيفا جدا». مهما يكن، فلا مندوحة عن مشاركة الفنان،عن تفعيل دوره والأخذ برأيه في المجالس البلدية لمحاربة الأمية البصرية واقتراح مشاريع تشكيلية إنمائية. ليس من رجاحة العقل مطلقا أن يتخلى التشكيلي عن دوره في ترسيخ حضور قطاع الفنون التشكيلية في سائر المشاريع والمنجزات الآنية والمستقبلية،وهذا أمر طبعا لا يتأتى سوى عن طريق العملية الانتخابية المؤرخة في 04 شتنبر من سنة2015،عن طريق الإدلاء بالصوت لقطع الطريق على العابثين والمفسدين وكل من له مصلحة في عزوفهم. n التشكيلية رشيدة الملحاني: نسعى لأن ينزل الفن التشكيلي إلى أرض الأحياء الشعبية تعيش الفنون التشكيلية- اليوم- انعطافة كبيرة بالمغرب. وإذ نذكّر بالأهمية التي أولاها جلالته للفن والفنانين.. نسجل أن المجالس البلدية والجهوية لم تول العناية اللائقة لقطاع الفنون التشكيلية، لأنه لا برنامجَ ولا تصورَ واضحان لديها. من المعلوم أن الفن يهذب النفسَ فضلا عن الحس ، وذلك من شأنه أن يقي الشباب من آفات كثيرة من قبيل الإدمان والغلو والارتماء في أحضان كل مذهبية ناسفة ومتطرفة. يتعين لتعزيز دور الفن، أن تقوم المدارس بزيارة الاروقة،وهذا ما لا نلاحظه،اللهم إلا ماكان من البعثات الفرنسية والاسبانية،التي تنظم لتلامذتها بين الفينة والاخرى زيارات من أجل تهذيب ذائقاتهم وترهيف حسهم وصقل وعيهم الفني.غير أنه فيما يبدو ما فتئت الدولة بعيدة عن تفهم أهمية تلقين تلامذتنا الفن بسبب عدم توفرها على رؤية استراتيجية وسياسة رشيدة بهذا الخصوص. على أنه من الصعب تحسيس المواطنين المغاربة وكذاالمؤسسات المدرسية ودعوتهم لزيارة معارض الفنانين المحليين،مادام المشكل المطروح، هو مشكل المعيش اليومي العويص لدى فئة عريضة من الشعب.لا يستطيع الفنان اليوم أن يعتاش من فنه بسبب غياب الاعتراف بالفن..وعدم تقدير الإبداع وكذا صعوبة اقتحام الأروقة. لم يحظ الفن التشكيلي المغربي الذي له وضعه الاعتباري ومكانته الدولية، بنفس الحظوة في الداخل، إذ مازال غير قريب من كثير من الاذهان،ولعل مرد ذلك إلى قصور تأثير وسائل الاعلام بالبيت وكذا بالشارع لإظهار ثراء هذا القطاع،في الفنون التشكيلية المغربية الكثيرة والمتنوعة. إننا مدعوون اليوم،للانتباه إلى ذلك الغياب الذي تشهده البنيات التحتية التي تسمح بتقييم حركة فنية عبر الكتب، عبرمعرفة الفن، عبرالاعتراف بالموجة الصاعدة لفنانين جدد.. صحيح إن الفن التشكيلي بدا يسترعي انتباه الشباب الموهوب، لكن يظل امتيازا بالنسبة لأناس ميسورين أو في قبضة فنانين يحتكرون السوق التشكيلية. في المغرب لا توجد سوى مدرستين عريقتين يتيمتين للفنون الجميلة، واحدة بتطوان وأخرى بالدار البيضاء، ولا شيء من أجل فنانين عصاميين لهم تكوين مدرسي متوسط.. لاشيئ من أجل أطفالنا الموهوبين،والذين يكشف او يزكي موهبتهم الاساتذة والاهالي،علما أن كل طفل هو إرث وثروة يتعين المحافظة عليه وتنميته.إن تغذية الفكر يجب أن تاخذ حقها من العناية ،لا الجسمَ فقط.إن إنشاء شعبة في الفنون التشكيلية بجامعاتنا.. وبرمجة مواد التربية التشكيلية بالمدارس الإعدادية والثانوية، أصبح ضرورة حتمية، ولعله يكون أفضل لو كان الأمر تحت إشراف فنانين، وليس مجرد موظفين، لا حس ولا وعي فني لدى أكثرهم. يتوجب أن لا تبقى أروقة المغرب انتقائية في تعاملها مع الفنانين..،أن تتحرر السوق الفنية،من اللوبيات والسماسرة والوسطاء.. أن تكون ثمة جمعيات نظيفة وغير غرضية ودور شباب غير خاوية على عروشها، تشجع الطفل على الرسم والتشكيل،موفرة له الأجواء العاملة على ذلك... إن الفن التشكيلي منذور أن ينزل إلى أرض الأحياء الشعبية، لأن يكون في متناول العموم، فأغلب المغاربة العاشقين للفن يحجون إلى الأحياء الفارهة، حيث قاعات العرض والمتاحف،أو يزورون الفنان في بيته من أجل التملي أو الاقتناء.. لا يمكن طبعا في هذا المضمار عدم التنبيه الى أن المحيط الذي نحيا فيه، بحاجة إلى أن يكون الفن مبثوثا فيه. ففضاءاتنا الطلقة من حدائق ومنتزهات ومرافقنا الاجتماعية من إدارات ومستشفيات وماريستانات بحاجة ماسة لأعمال تشكيلية من لوحات ومنشآت وتنصيبات وجداريات ونحوت تحت عين ساهرة وصيانة مستمرة ، حفظا من عوادي الدهر والسرقة وعبث العابثين. إن المنشود-أيضا-أن يأتلف الفنانون والنحات والمهندسون يوما،من أجل مدن مغربية مستقبلية،مدن تغذي الفكر وتصقل الإحساس والوعي الفني للمغاربة قاطبة. n الفنانة النحاتة إكرام القباج : مصالحة الساكنة مع بيئتها ومحيطها.. بإعطاء مكانة متميزة للفن كتعبير عن حداثتنا الفنية لعل انتظاراتي، لها علاقة مع تقلد المنتخبات والمنتخبين الجدد لزمام أمور المدن والجهات بالمغرب، لا تختلف عن انتظارات زملائي النحاتين المغاربة، حين ألخصها في بحثنا الملحاح عن آذان صاغية لمطلب مصالحة الساكنة المغربية مع بيئتها ومحيطها، في ساحات المدن والتجمعات السكنية وواجهات البنايات، بإعطاء مكانة متميزة لفن النحت كتعبير عن حداثتنا الفنية. وحيث إن الشيء بالشيء يُذكر ويرتبط، فإننا ننتظر أن تجد القناعة طريقها في الذهن والذكاء والفطنة الجمعية لهؤلاء الساسة بالعمل على تخطيط وإيجاد الميزانية اللازمة لمخططات الفن العمومي، وعقلنة توظيفها بشفافية ومهنية وجدية وذوق، بعيدا عن "التّْعَرْبِيزْ" والمحسوبية والزبونية والارتشاء حتى. وليعلموا ويعلمن أن كما للحاجات اليومية الملحة للناس حق في التخطيط للميزانيات، للفن والذوق والمشاعر والجمالية كذلك حق. n التشكيلي كريم بناني: لا أتوقع كبير فائدة من هذا الحدث في الواقع أنا لا أنتظر- للأسف الشديد- شيئا ذا بال من هذا الحدث التاريخي، عام عن عام تمر مثل هذه الأجواء بهرجها ومرجها بالبلاد،ماذا استفدنا كفنانين تشكيليين بوجه خاص..ما ذا أضيف للفن التشكيلي؟؟وعود تعطى وبرامج ملأى ومدبجة أحسن تدبيج،لكن لا إشارة ولا التفاتة،لكن مدعاة للاستغراب والدهشة فمعظم المرشحين ليست لهم ثقافة كافية بخصوص تاريخ الفن لبلدهم، لهذا يبقى الأمل في كل مشاركة ضعيفا جدا". n الفنان التشكيلي والناقد والإعلامي شفيق الزكاري: لابد من تفعيل دور الفنانين والاستشارة بهم في المجالس البلدية كل ما أستطيع قوله عن الانتخابات، هو أن كل الفاعلين الثقافيين والفنيين ببلادنا يجب أن يتحملوا مسؤوليتهم وأن يساهموا في التصويت، لأن عملية التصويت أصبحت ضرورة ملحة، حتى لا يفسح المجال مرة أخرى لأقطاب الفساد، لأن النتيجة التي نراها الآن على جميع الأصعدة المتعلقة بالفوضى والعشوائية المتعلقة بالبناء، وبغياب المرافق الضرورية التي تشكل ملامح الحاضرة، لأن كل المدن المغربية وبدون استثناء أصبحت بوادي مشوهة، أي أصبحت بمعنى آخر عبارة عن حاويات كبيرة لرمي الأزبال، يغيب فيها الحس الجمالي، وتغيب فيها المساحات الخضراء، والمنتجعات، ويغيب فيها ما هو أهم من ذلك: المرافق الثقافية والفنية التي تساهم هي الأخرى في تربية الناشئة، التي يجب الرهان عليها حاليا. بعدم تصويت الفئة المثقفة والواعية بالواقع والظروف التي يمر منها المغرب، يتم استغلال الفرصة من طرف الوصوليين والانتهازيين والجهلة والسماسرة من أصحاب العقار والمشاريع التضليلية للحصول على امتيازات على حساب البسطاء من المغاربة. ما أرجو من الانتخابات أولا كفنان وثانيا كمتتبع للشأن المحلي والوطني، هو تفعيل دور الفنانين والاستشارة بهم في المجالس البلدية، فيما يخص تأثيث الفضاءات الخارجية من تنصيبات جمالية، للحد من الضغوط اليومية للمواطن المغربي، ولتحسيسه بأهمية الجمال في حياته العادية، كجزء أساسي في تكوينه وتهذيبه واحترامه للمنشآت العامة، فما يجب القيام به هو الاستثمار في الفرد كطاقة وكمورد بشري، ليحافظ على هذه المنشآت وليس العكس. أما المطلب الثاني، فيتعلق بذاكرة المدن، بما أن شركات العقار التي لا تفكر إلا في الربح السريع، أصبحت تغزو بشكل فظيع كل المساحات الخضراء، دون احترام شروط البناء بمساعدة المجالس البلدية، أو مراعاة تراث المدن من بنايات تاريخية تشكل الهوية الحقيقية لهذه المدن، التي تحولت من حواضر إلى بوادي، بسبب هذا الغزو. لذلك فضرورة الاستشارة مع الفنانين من طرف المجالس البلدية، أصبحت ضرورة ملحة، مع العمل على بناء متاحف صغيرة في كل المدن المغربية، تؤرخ لرجالاتها من المبدعين بصفة عامة. أما المطلب الأخير فهو دعم الجمعيات الجادة، وتحفيزها على الاشتغال ومراقبة سير أشغالها على مستوى الحضور، وجودة الإنتاج، مع توفير جميع اللوازم الضرورية لذلك، والعمل على تكريم المبدعين وتسمية بعض الشوارع والأزقة والأحياء على أسمائهم. n الفنان التشكيلي عبد الكريم الأزهر: العبث الحقيقي هو ابتعاد المثقف والمبدع عن السياسة لكل إنسان دوره في الحياة، وكيفما كان هذا الدور فهو يرتبط أساسا بالسياسي، لكن السياسة عندنا تتخذ مسارا آخر يستغله بعض السياسيين في التفنن عن طريق التحايل والمراوغات على المواطنين للحصول على المبتغى بطرق لا يهمه من ورائها سوى مصالحه الخاصة. هذا شيء اعتاده المواطن وساهم فيه، خاصة من شريحة المثقفين والمبدعين الذين لا يدلون بمواقفهم وأصواتهم في الانتخابات، ذلك أنهم يتركون المجال لتلاعب المفسدين بعزوفهم عن التصويت الذي يجعل المجال فارغا لصالح الانتهازيين. والآفة العظمى أنك تجدهم يتشدقون بالانتقادات التي ليست في الحقيقة سوى هروب وادعاء واه. إن العبث الحقيقي -في رأيي- هو ابتعاد المثقف والمبدع عن السياسة، فالمبدع له دور آخر يكمن في الاهتمام بمشاعر وأحاسيس الناس من آلام وأفراح، حيث يتعين عليه الارتقاء عن طريق الإبداع الفني بكيفية أو أخرى لما فيه صالح قضايا المواطنين حتى يلامس واقعهم وطموحهم. صحيح أن الفنان في الغالب لا يستطيع التسيير السياسي، لكن من المؤكد أن له وجهة نظر تنطلق من قناعاته وموقعه الأقرب بالحس الإنساني وبطبيعة رؤيته التي تسعى للتجديد والتطور. من هذاالمنطلق، يتعين على المبدع أن ينخرط بالمساهمة الفعلية بدل الانزواء في برجه العاجي الذي يبعده عن خاصية المجتمع وطموحه.