الرؤية ليست واضحة و إمكانية توقع وتيرة منتظمة للنمو شبه منعدمة . يهم ذلك القطاع السياحي بمراكش ، بالشكل الذي يلخصه المهنيون .إذ أن المنحنى الذي يدل على إيقاع تطور القطاع بالمدينة الحمراء ، يكون تارة مرتفعا فيتنفس معه المهنيون الصعداء و تارة منخفضا فيعاودون حديثهم عن الأزمة . تفاؤل.. وقلق منذ ثلاثة أشهر فقط ، أظهر المهنيون تفاؤلا كبيرا بعد النتيجة التي تحققت في شهري مارس و أبريل الماضيين ، حيث سُجلت بستين مؤسسة مصنفة للإيواء نسبة ملء تراوحت مابين 50 و 93 بالمائة . مثلما وصل عدد الوافدين من السياح على المدينة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذه السنة ، لحوالي 426 982 وافدا ، أما ليالي المبيت فقد بلغت في نفس الفترة 1.238467 ليلة سياحية ، فيما وقفت نسبة الملء المحققة عند حدود 45 بالمائة ، و معدل الإقامة أربعة أيام . و سجلت السوق الألمانية لوحدها نموا قدرت نسبته في هذه الفترة ب106 بالمائة . و بعدها مباشرة انهارت النتائج ، و عمت أغلب المؤسسات الفندقية في شهري يونيو و يوليوز حالة قلق كبيرة إثر الانخفاض في عدد الوافدين ، و الذي بلغ حدا كارثيا في بعض مؤسسات الإيواء المصنفة . و اكتفى المهنيون بالتطلع إلى بداية شهر غشت ، منتظرين تحرك المغاربة في شهر العطلة و كذا عودة المهاجرين . و رغم أن بعض التحليلات تربط هذا الانخفاض المربك الذي سُجل في شهري يونيو و يوليوز الأخيرين ، بتزامن جزء منهما مع شهر رمضان ، الذي يفرض في الغالب إيقاعا يحد من تحرك السياح ، إلا أنها ترى أن هذا التردد في وتيرة نمو القطاع بالمدينة الحمراء مابين انتعاشة نسبية و انتكاسة مقلقة ، مع ضعف القدرة على التوقع ، يؤشر على السؤال الأكبر للسياحة بمراكش ، و شبكة العوامل التي تتحكم فيها . عوامل مؤثرة حسب هؤلاء ، إذا أخذنا الشهرين الأخيرين كنموذج ، و التراجع الخطير الذي هيمن على النشاط السياحي فيهما ، فسنجد أنهما أظهرا التكثيف النهائي لانعكاسات مسلسل بدأ مع بداية سنة 2014 ، و خاصة مع أحداث الاعتداء الإرهابي بفرنسا "شارلي إيبدو" و استمر مع حادث متحف باردو بتونس و توج باعتداء شاطئ سوسة ، و ساهمت في ذلك بعض الوقائع المتفرقة التي شهدها المغرب مثل الاعتداء على فتاتي إنزكان بسبب لباسهما ،و اللافتات السوداء التي تحذر السياح من ارتداء لباس البحر في شواطئ أكادير و الاعتداء على مثلي فاس و غيرها من الوقائع .. إذ أن الرابط بين كل هذا، أن الزبون الغربي ، يرى أن هناك خطا ثقافيا يحكم إقليما بكامله ، لا ينفصل عنه المغرب ، يشحن فضاءه بتهديدات متكررة قد تتحول في أية لحظة إلى كارثة حقيقية . فما يقع بليبيا و تونس و سوريا و مصر و العراق ، أثر كثيرا على قابلية السائح الغربي للتفاعل مع العرض السياحي المغربي ، لأن الأحداث المتوالية أثرت على اختياراته و درجة اطمئنانه ، و أقنعته أن المغرب في النهاية بلد إسلامي ، يعيش فيه مسلمون قد تكون غالبيتهم المطلقة معتدلة ، لكن قد تكون بينهم عناصر نادرة ، يحكمها تطرف أعمى قد يجعلها تقدم على سلوك أحمق في أية لحظة . مراكش حسب أنصار هذا التحليل ، ضحية صورة لم تساهم في صنعها كمدينة ، صورة ناتجة عن خلط و فوضى في الحكم و عدم إدراك للفوارق الدقيقة بين كل بلد من بلدان المنطقة . ومع ذلك يؤكد خبراء القطاع السياحي ، أن الحصيلة المتذبذبة للقطاع السياحي بمراكش ، لا يمكن إرجاعها بكاملها لعوامل خارجية تفلت من سيطرة المهنيين . لأن هناك مؤشرات جد دالة على أن جزءا من الأزمة يعود في أصله ، إلى سوء تصرف المهنيين أنفسهم ، أو درجة تحكمهم في الاهتزازات التي تعرفها السوق السياحية . بين " المصنف".. وغيره هناك مفارقة واضحة للعيان ، ففي الوقت الذي تعلن عدد من مؤسسات الإيواء أن درجة ملئها جد مقلقة ، يلاحظ اكتظاظ كبير في أسواق المدينة و ساحتها " جامع الفنا" و مقاهيها ، بالسواح . هذه المفارقة تدل على مكمن خلل كبير في التدبير السياحي بالمدينة الحمراء ، يؤكد أن المؤسسات المصنفة لا تقدم عرضا ملائما لحاجيات السائح الأجنبي و المغربي على السواء . و معنى ذلك بوضوح أن السياح يفضلون عروضا أخرى غير تلك التي تقترحها الفنادق المصنفة . و هذه المفارقة تجيب عنها ، وضعية 14 ناديا يوجد بالمدينة ، نسبة ملئها لا تنزل عن مائة بالمائة ، و كذا و ضعية 1300 دار لضيافة و أزيد من ألفي شقة مفروشة . أكثر من ذلك ، فالمهنيون الذين اقتنعوا أن تطوير السياحة الداخلية هو صمام الأمان الحقيقي في وجه الأزمات التي يمكن أن تهز القطاع السياحي بمراكش ، لم يقوموا بشيء يُذكر من أجل تقويتها و الاستفادة من إمكانياتها ، إذ مازالت الفنادق المصنفة تفرض أسعارا جد باهظة ، لا تناسب القدرة الشرائية للمغاربة ، بل إن الزبون المغربي يلمس بشكل واضح ، ليس فقط في الفنادق ، بل حتى في بعض المرافق الأخرى كالمقاهي و المطاعم ، أن ما يطبق عليه هي أسعار تحاكي أسعار الخارج و تفوقها . و هذا ما يفسر في جزء منه ، لماذا تظل نسبة الملء في الفنادق المصنفة التي تبلغ سعتها 65 ألف سرير ، عند حدود 45 بالمائة في أحسن الأحوال ، في حين أن الشقق المفروشة ، و الأندية تصل إلى مائة بالمائة . الإجابة لأن هذه الأخيرة ترضي حاجيات السياح المغاربة و الأجانب على السواء . يرى المختصون في الشأن السياحي ، أن مراكش كان المفروض أن تستقطب عددا أكبر من السياح . و ذلك بحكم جاذبيتها الثقافية و الطبيعية ، و كذا بحكم ما تتوفر عليه من بنية تحتية سياحية . و لولا السياحة الداخلية ، التي أنقذت عدة مواسم ، لكان القطاع بالمدينة قد دخل غرفة الإنعاش ، لأن السكتة كانت أقرب إليه . فقد كانت مساهمة السياحة الداخلية في السنة الماضية جد مهمة، بل و تجاوزت مساهمة بعض الأسواق التقليدية كالسوق الفرنسية التي تشكل مصدر قلق حقيقي للمهنيين . أسئلة التراجع ففي الأشهر الأخيرة بلغت نسبة تراجع عدد السياح الفرنسيين بمراكش، 30 بالمائة . الرقم يدل على انهيار حقيقي لسوق كانت مضمونة في ما مضى . سوق يسميها المهنيون تقليدية ، لكونها و منذ عقود كانت الممول الرئيسي للقطاع السياحي بمراكش بالزبناء الأجانب . ما الذي وقع بالضبط ؟ و كيف تطورت الأمور إلى هذا الحد ، حيث تخلى الزبناء التقليديون لمراكش عن منتوجها ؟ هذه الأسئلة دفعت بمجموعة من المسؤولين عن القطاع السياحي للذهاب إلى فرنسا للتباحث مع الفاعلين هناك ، حول خلفيات هذا الوضع . هناك متغيرات كثيرة يقدمها الفاعلون الفرنسيون ، أثرت على إقبال الفرنسيين على مراكش . فالمشكل الرئيسي في هذا الباب يتعلق بقدرة المدينة على استمالة السياح الفرنسيين الجدد ، لأن الفئة التي تستقطبها حاليا ، يجسدها السياح القدامى ، أو السياح المسنون . واحد من أكثر هذه المتغيرات تأثيرا ، و الذي لم ينتبه له المهنيون و صانعو السياسة السياحية بمراكش و المغرب ، هو أن وكالات الأسفار الكبرى بفرنسا ، فقدت دورها و تأثيرها على الزبون و قدرتها على توجيه اختياراته ، بسبب الإمكانيات الهامة التي أتاحتها شبكة الأنترنيت بتمكينها الزبون من الاختيار و الحجز مباشرة من دون وسيط . و هذا الدور المتعاظم للأنترنيت تزايد تأثيره على السلوك الاستهلاكي للزبون يوما بعد يوم منذ 15 سنة . و الأهم من ذلك ، فمراكش فقدت قدرتها التنافسية مع وجهات أخرى . فالمدينة التي تعتمد سياحة الشمس و المسبح ، تقدم عروضا بأسعار أكثر ارتفاعا ، و جودة أقل في الخدمات ، مقارنة مع الأسعار و الجودة التي تقترحها وجهات أخرى منافسة ، كالبرتغال و اليونان و إيطاليا و إسبانيا و تركيا . و هو ما أضعف قدرتها على استقطاب سياح جدد ،السمة الرئيسية لسلوكهم الاستهلاكي الحذر و البحث عن جودة أرفع بسعر أقل. المشكل في مراكش يرتبط بعقلية بعض المهنيين التي لم تتطور كثيرا ، و لم تفد الخرجات والزيارات التي يقومون بها إلى بلدان أجنبية في مناسبات عدة ، في تغييرها و منحها القدرة على التزحزح من مواقعها الأثيرة . و هو ما رهن الحياة السياحية بالمدينة في وضع ساكن و رتيب ، لا تتغير أزماته و لا نجاحاته . إذ من المفروض أن تتغير محاور السياسة السياحية بكاملها ، فالرهان على توسيع الطاقة الإيوائية لوحده ، لم يحقق نتائج مهمة ، لأن التوسيع ينبغي أن يرافقه شرط التنويع لخلق فرص الاستجابة لحاجيات كل الفئات و استثمار إمكانياتها و جلبها لصالح المدينة . نقائص تحت المجهر و في نفس الوقت ، ليست السياحة مشكل المشتغلين في القطاع السياحي لوحدهم ، بل مشكلة المدينة بكاملها ، و نجاحها أو فشلها هو فشل المدينة بكاملها . إذ يتأثر القطاع بالمشاكل الأبدية لهذه المدينة ، و التي تشكل موضوع الآلاف من شكايات الزوار الأجانب منذ 15 سنة . حيث ما زال السياح يتأففون من ندرة المراحيض العمومية ذات جودة عالية ، و يشتكون من مشكل الطاكسيات و الأسعار الخيالية التي يطبقها عليهم أصحابها ، أمام عجز تام للجهات المسؤولة عن التحكم في هذه الظاهرة ، و يستنكرون ضعف الإشارات في المدارات السياحية و انعدام الإرشادات ، و ضعف جودة النقل العمومي ، و إهمال المآثر التاريخية ، و مشكل السير و الاكتظاظ في الشوارع الذي عمقه البطء السوريالي في إنجاز الأشغال بها ، و ضعف المراقبة الذي يجعل السياح الأجانب يقعون ضحايا عمليات نصب متكررة بالبزارات و المطاعم و غيرها .. إجمالا هناك حالة فوضى تعيشها المدينة تؤثر سلبا على السياح و تدفعهم إلى مراجعة قرارهم بزيارة مراكش مجددا ، و الأسوأ من ذلك قد يتحولون إلى دعاية مضادة . إن مركش التي تتوفر على 170 فندقا مصنفا بسعة تتجاوز 65 ألف سرير ، و 1300 دار للضيافة ، و 145 عربة كوتشي ، 3500 طاكسي صغير و كبير ، و 150 رواقا فنيا ، و 400 مطعم و ملهى ، و 350 رحلة جوية أسبوعيا ، و تستقطب سنويا حوالي مليون و 800 ألف سائح أجنبي و مغربي ، مازالت تتلف معالم طريقها نحو رؤية ناضجة لسياسة سياحية تحتكم لشروط الملاءمة و النجاعة و الفعالية . إن مشروعها السياحي لم يتبلور بعد.