في معرض خطابه بمنظمة الإتحاد الإفريقي، يوم الثلاثاء الأخير، وجه الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، نصيحة للأفارقة في البلدان تحت الصحراء، كي يتجنبوا نموذج البلدان العربية، حيث قال "ما علينا إلا أن ننظر إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حتى نرى أن عددا كبيرا من الشباب العاطلين عن العمل، أفواههم مكممة، يشعلون في المنطقة عدم الاستقرار والفوضى". مثل هذا التصريح من رئيس أكبر دولة في العالم، يستحق التأمل والتعليق. وفي البداية لابد أن نتساءل عن المنهج الذي استند إليه أوباما في تحليله لما يحصل في المنطقة التي يحذر باقي الأفارقة من اتباع نموذجها. إذا كان الأمر يتعلق ببطالة الشباب وغياب الحريات، فالوضع ليس حكرا على شمال إفريقيا والشرق الأوسط، حيث تعيش بلدان هذه المنطقة تطورا متفاوتا على المستوى التنموي والسياسي، لكن هل هذا هو سبب الإرهاب؟ هل ما أوصل الوضع في العراقوسوريا وليبيا، إلى ما هو عليه الآن، سببه بطالة الشباب، كما يقول أوباما؟ الصورة واضحة، وتكذب ما صرح به الرئيس الأمريكي، الذي يروج لخطاب ديماغوجي، يحاول من خلاله إعفاء إدارته وحلفائه الغربيين وغيرهم، من مسؤولية الزج بالمنطقة في سعير الحروب الأهلية والطائفية والإرهاب. الذي يغذي عدم الاستقرار والفوضى، هو من حاصر العراق، بمبرر حيازتها لأسلحة الدمار الشامل، والذي تبين أن الأمر يتعلق بكذبة كبرى، وهو الذي احتلها وفكك مؤسسات الدولة والجيش، وأطلق يد المخابرات الإيرانية فيها، لإشعال الفتنة الطائفية بين الشيعة والسنة. كل هذا حصل بدعم واضح من الحلفاء الغربيين ومن دول عربية مثل قطر والسعودية وأيضا من تركيا، حيث تواصلت نفس العملية، بشكل آخر في سوريا، وتحولت "الثورة الديمقراطية" إلى عمل مسلح تقوده جماعات إرهابية "إسلامية"، واكتمل المخطط بقيام ما يسمى ب"الدولة الإسلامية في العراق والشام"، المعروفة ب"داعش". في ليبيا واليمن، وفي العديد من المناطق العربية، التي تشهد حروبا أهلية وإرهابا، هناك يد واضحة أو خفية، لأمريكا وحلفائها من البلدان الغربية أو من منطقة الشرق الأوسط، لأن الحروب والجماعات الإرهابية، تحتاج إلى تمويل وتموين وذخيرة وقطع غيار وأجور للمقاتلين وتنظيم إداري وعسكري، وكل هذا لا يتم لأن هناك "شبابا عاطلا أفواهه مكممة"، كما ادعى أوباما. الأمر يتجاوز هذا التحليل المبسط، الذي يثير السخرية، لكن من قال إن أوباما كان لا يسخر من الأفارقة، الذين ليسوا أغبياء حتى يصدقوا ما يقول لهم، فهم يعرفون حق المعرفة كل ما يجري في العالم، ويعرفون مسؤولية أمريكا في كل ما يحصل في المنطقة العربية، التي باع لها الأمريكان القرد وضحكوا على الذي اشتراه.