بعد سؤاله عن صحتنا والأحوال مرة أخرى يسأل صاحبي عن بلدته فيما يمسد الأخير ظهر القطة الكبيرة ارتاحت له وهي قرب المجمر تستدفئ لم تكن هناك موسيقى، راديو من الحجم الكبير قريب من فراش الرجل أغلب الظن إنه كان يستمع اليه وفي نهاية الغرفة. تلفزيون بالأبيض والأسود من نوع سوني14 كانت عيناي تجولان في الغرفة ترخي السمع الى حركات خلف الباب بالضبط هي حركات الصغار وعطر الفتاة التي تتملى بطلعتنا عن قرب وتختار أيهما يصلح ان يكون عريسا لها ,,أشم رائحة الطاجين ويمد لي كأس الشاي المنعنع لأضع حدا توهماتي الكثيرة وهو يقول : كاس برزتو الدكالي ، ذوق وتذوق وقل الجواب . حبست ابتسامتي ثمة صور عديدة على الجدار للرجل وهو بلباس العسكر أكيد انه من الجنود الذين حاربوا مع فرنسا تحتها صورة الابن او الأخ .. لا أدري ليس ثمة صورة لامرأة بل هناك كؤوس الورد والأزهار وصورة مكبرة لعين الحسود وسيدنا علي على فرس قرب نخلة كبيرة . غمسنا أصابعنا في الزيت البلدي والأركان والزبدة والعسل ، رحب بنا كالعادة في انتظار حلول فقيه الجامع الذي جاء متأخرا أم بنا الصلاة في نفس الغرفة .. كان مذاق الطاجين لذيذا وبنكهة خاصة لم أستطع أن أغسل وراءه يدي كعادتي أن أظل أتنسم رائحته ومذاقه. قريبا من الحادية عشرة ليلا عدنا الى قواعدنا وسط الحصى وكرم الضيافة والشكر والامتنان على الفرصة السعيدة ، مصباح الجيب لا يكفي لكي ينير ظلمة الطريق نتعثر هنا وهناك دخلنا الغرفة وبدا صديقي يحك جسمه قائلا .. إنه البرغوث اللعين ولن يتركنا ننام الليلة. بقينا الليل كله نحك ونلعن الساعة التي خرجنا فيها، نقاتل البراغيث صديقي يمد يده الى تجاويف ثيابه يفتش بين شعيرات صدره ويجذب هاهي واحدة صارخا ، أقول حذار بأن تفلت منك ، يتركها دائخة بيننا وأنا أحطم بكل قوة عضلاتها وينسكب دمها الأحمر ، إنه دمنا الذي جمعناه طوال سنين ، الغربة والمعاناة والنضال من اجل البقاء ويأتي هذا الأسود اللعين في لحظة ليستمتع به أنظر الى صاحبي كأني في حلم ؟ نستمر في البحث والتسابق للإيقاع بالبراغيث على ضوء الشمعة التي تذوب ومرة مرة يضع احداها في المذاب ويتأملها بشهية الكبار ، ازداد يقيني تلك اللحظة هو في حقيقته يحاول الهرب باستمرار لذة القتل ، أراقبه يهز رأسه ليستأنف جملته المتكررة .. هل كنت مخدوعا طوال هذه السنين فيه، يشبه الطفل الصغير الذي كنته مرة أمامه تكون صلاتي طويلة متأنية كموسيقى كلاسيكية قديمة. تهمته الآن بالنسبة الي أنه قاتل من نوع خاص أراه يحمل بندقية فيها كم هائل من الرصاص وفي المقابل الكثير من الأهداف المتحركة والجامدة .. كأني أقاتل البراغيث يقول ... احمر جلدي بحبيبات هنا وهناك . هذه الحشرة اللعينة تنتقل بسرعة فائقة داخل تجاويف الثياب ومن مكان إلى آخر، وسط هذه الحمى هل تأتيني القصيدة ..؟ بدا صديقي في خلع ملابسه غاضبا قطعة تلو الأخرى . أقبح ما في صديقي تعريته أمامي، يمضي في الغرفة طولا وعرضا بدون وجل عاريا كما ولدته أمه.. كل شيء يبدو له شيئا واحدا عاديا يفعل ما يحلو له والعالم الآن مظلم بين يديه هل ينتبه لجودي؟ أضحك وينتبه لترديدي مقولة البراغيث والحشرات السامة تصب غضبها عليك وحدك.. انعس اصاحبي غدا نشري الدوا من السوق .. ولكي أداري الاحمرار أسرعت الى ذهن بعض المناطق من جسمي بالزيت البلدي لكي انام .. في السوق أمام مول الدوا وخيمته الممتدة بأوتادها وأدويتها المختلفة المصففة طلبت منه بعفوية أن يسلمني درهمين من دوا البرغوث .. رفع رأسه كثعلب بري وأخذ الميكرفون وهو يكرر بصوت جوهري مكرر.. - اعطي الموعاليم جوج دراهم دوا البرغوث .. -اعطي الموعاليم جوج دراهم دوا البرغوث .. حينها التفت الى صديقي الذي لوى وجهه وانصرف غاضبا علي وعليه ..