بعد أيام من لقائه ببوريطة.. دي ميستورا يستأنف مباحثات ملف الصحراء بلقاء مع "البوليساريو" في تندوف    الاتحاد العام لمقاولات المغرب جهة الجديدة - سيدي بنور CGEM يخلق الحدث بمعرض الفرس    دفن حسن نصر الله "مؤقتا كوديعة" في مكان سري    الدوري الأوروبي.. تألق الكعبي ونجاة مان يونايتد وانتفاضة توتنهام وتصدر لاتسيو    ال"فيفا" تحدد موعد مونديال الفتيات بالمغرب    النادي المكناسي يستنكر حرمانه من جماهيره في مباريات البطولة الإحترافية    لحليمي: الرقمنة عامل رئيسي في نجاح عملية تجميع المعطيات    آسفي: حرق أزيد من 8 أطنان من الشيرا ومواد مخدرة أخرى    كيوسك الجمعة | جماعة الدار البيضاء تستعد لبيع ممتلكاتها العقارية بحثا عن موارد مالية    في قرار مثير..محكمة العدل الأوروبية تلغي اتفاقيتي الصيد والمنتجات الفلاحة مع المغرب    العثور على جمجمة بورش لبناء أحد المنازل المتضررة من زلزال الحوز    مصدر من وزارة الصحة ينفي شائعة تلوث ماء أطلس    وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"        آسفي.. حرق أزيد من 8 أطنان من الشيرا ومواد مخدرة أخرى    الجيش الإسرائيلي ينذر سكان بلدات في جنوب لبنان بالإخلاء فورا ويقطع الطريق الدولية نحو سوريا    وزير خارجية إيران يصل إلى مطار بيروت    المجلس الوطني لحزب الاستقلال سيكون مغلقا في وجه الصحافة وإجراءات صارمة للدخول لقاعة المجلس    تقدير موقف: انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي وفكرة طرد البوليساريو "مسارات جيوسياسية وتعقيدات قانونية"    الجمعية العامة للأمم المتحدة ال 79.. إجماع دولي على مخطط الحكم الذاتي بإعتباره المقترح الأكثر مصداقية والأوسع قبولا    عزيز غالي.. "بَلَحَة" المشهد الإعلامي المغربي    العدل الأوروبية تلغي اتفاقيات مع المغرب    هل تغيّر سياسة الاغتيالات الإسرائيلية من معادلة الصراع في الشرق الأوسط؟    بايتاس يُشيد بالتحكم في المديونية    مشفى القرب بدمنات يواجه أزمة حادة    محنة النازحين في عاصمة لبنان واحدة    "النملة الانتحارية".. آلية الدفاع الكيميائية في مواجهة خطر الأعداء    بذل عمل جديدة لعناصر الجمارك "توضح تراتبية القيادة" شبه العسكرية    غارات إسرائيلية عنيفة على ضاحية بيروت وتقارير إعلامية تتحدث عن استهداف هاشم صفي الدين    بايتاس: الحكومة تتابع عن كثب أوضاع الجالية المغربية المقيمة بلبنان    رسميا: فيفا يعلن عن موعد انطلاق مونديال كرة القدم سيدات تحت 17 في المغرب    إسبانيا على وشك خسارة استضافة مونديال 2030 بعد تحذيرات الفيفا    أسعار النفط العالمية ترتفع ب 5 في المائة    مومن: قائمة المنتخب المغربي منطقية    بايتاس: الحكومة تتابع عن كثب أوضاع الجالية المغربية المقيمة بلبنان        فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    الركراكي يساند النصيري ويكشف هوية قائد المنتخب    الركراكي: الانتظام في الأداء أهم المعايير للتواجد في لائحة المنتخب المغربي    مهرجان سيدي عثمان السينمائي يكرم الممثل الشعبي إبراهيم خاي    قراصنة على اليابسة    مقاطع فيديو قديمة تورط جاستن بيبر مع "ديدي" المتهم باعتداءات جنسية        أعترف بأن هوايَ لبناني: الحديقة الخلفية للشهداء!    استدعاء وزراء المالية والداخلية والتجهيز للبرلمان لمناقشة تأهيل المناطق المتضررة من الفيضانات    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    مؤتمر علمي في طنجة يقارب دور المدن الذكية في تطوير المجتمعات الحضرية    المغرب يشرع في فرض ضريبة "الكاربون" اعتبارا من 2025    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    مغربي يقود مركزاً بريطانياً للعلاج الجيني    الرياضة .. ركيزة أساسية لعلاج الاكتئاب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفقد التوابل طعمها في الغربة وأحياء المغاربيين تعيد الدفء إلى قلوب المهاجرين
لم يعد للشاي نفس المذاق
نشر في المساء يوم 08 - 09 - 2009

غادر حدو قريته الصغيرة ضواحي ورزازات جنوب المغرب ليعانق الحلم الفرنسي ويبني حياة جديدة بعيدا عن المغرب يكتشف فيها ثقافة جديدة ومختلفة عما تربى عليه. يرصد الكاتب المغربي الحسن آيت موح جانبا مهما من تاريخ الاستعمار الفرنسي للمغرب والدور الذي قام به الهولندي «موغا» الذي تجول في القرى النائية من أجل اختيار وانتقاء آلاف الشباب المنحدرين من الريف والجنوب للعمل في المصانع وأوراش البناء بفرنسا وهولندا التي كانت بحاجة ماسة إلى سواعد قوية لبناء اقتصادها الذي تضرر كثيرا من مخلفات الحرب العالمية الثانية..
أغلق الجيران أبواب غرفهم في وقت واحد، ليعود الهدوء إلى الممر، وخطرت لي فكرة حزينة: بدا لي أن كل العرب الذين التقيتهم متباعدون بدرجات متفاوتة عن شعورهم بجنسياتهم؟ انتابني الخوف وذهني يقلب هذه الفكرة، وتساءلت مرة أخرى: ماذا لو أصيب كل المهاجرين المغاربيين المقيمين بفرنسا بالجنون.. متى سيأتي دوي؟
بعد مرور لحظات، وبينما كنت منهمكا في ترتيب أغراضي، سمعت جلبة وصراخا في الممر مرة أخرى. فُتحت الأبوابُ في نفس اللحظة وظهرت نفس العيون الفضولية المتوجسة وهي تتساءل عن سر هذا الضجيج الذي أحدثته مجموعة من الشباب السكارى وهم يتصارعون باللكمات بسبب شابة متشردة وهي تصرخ بكل قوتها لكي يستعيدوا هدوءهم. مصدوما من هذا المشهد العنيف الذي لم أعهده أبدا، كنت أول من يغلق الباب متوسلا الله أن يحميني من ذلك الشجار وألا يصل إلي.
أخبروني بعدها أن هذا النوع من الحوادث يمثل جزءا من الحياة داخل المأوى وعلي أن أتعود عليه مستقبلا. مع مرور الأيام، أحسست وأنا وحيد في غرفتي بمرارة فراق الأهل، كان الشعور جسديا، استبد بي وتشنجت معدتي ولم أتمكن من إغماض عيني ليلا. لم أجد أي مسجد لكي يخفف من معاناتي، واختفى الحساء الساخن الذي كان ينتظرني كل مساء، لقد اختفت أشياء عديدة من حياتي إلى الأبد.. لم أحس بالأمان داخل هذا العالم الذي غابت معالمه، ربما أعاد إلي كأسُ شاي بالنعناع روائحَ قريتي، لكنني أدركت أنه لم يعد للشاي نفس المذاق وتغيرت نكهته ليصبح غريبا عني. إنه نفس المذاق الذي اكتشفته في الطواجين التي كنت أعدها بالتوابل التي أحضرتها من المغرب.. كنت أتساءل وقتها عن سر تغير هذا المذاق وأجيب نفسي بأنه يكمن في جودة الماء التي جعلت الشاي يفقد نكهته التي عهدتها فيه في الماضي، أو ربما يعود السبب إلى النعناع الذي لم يكن طريا، أو أن السر يرجع ربما إلى السببين معا. مع مرور الوقت، لم أعد أطرح هذا النوع من الأسئلة، ولم يعد الأمر يدعو إلى استعادة نفس طعم الماضي، انتهى كل شيء. يجب علي أن أعيش مع هذا الوضع مثلما نعيش مع مرض مزمن وأن أستسلم لفكرة أنه سيصبح جزءا من حياتي.
ازددت ترددا مع مرور الأيام، وكانت فكرة العودة إلى قريتي لا تغادر تفكيري، منتفضا مثل سمكة غادرت الماء وانتزعت من وسطها الطبيعي. اشتقت إلى الشمس التي أضحت ذكرى من الماضي، وضاعفت الغيوم الرمادية المنتشرة فوق رأسي من إحساسي العميق بالكآبة.
رافقني أحد شركاء السكن إلى مكان عملي الجديد لألتقي بالرئيس في العنوان الذي حملته معي، وعلمت بعدها بأنني سأشتغل في ورشة للبناء، لكن يتعين علي، أولا، أن أهيئ ملفي. «جهزت عددا كبيرا من الوثائق منذ أن وطئت قدماي هذه الأرض»، أخبرت مرافقي متعجبا، ولم يتردد في إجابتي قائلا: «ألا تدرك عدد الأرقام التي أصبحت أتوفر عليها؟ رقم الإعانات العائلية، رقم الضمان الاجتماعي، وهذا الرقم وذاك.. لكنني، رغم كل هذا، مجهول لا أحد يعرفني، بينما لم أكن أتوفر في قريتي على أي رقم لكن الجميع كان يعرفني. لن يكون مجديا أن تجري المقارنة دائما، فمع مرور الزمن ستنسى يوما تلك المقارنة لأن البداية تكون دائما بهذا الشكل». ساد المكانَ صمتٌ ثقيل وبدأت أفكر في اليوم الذي لن أصبح فيه قادرا على مقارنة حياتي الحالية بما كنت عليه في الماضي. في اليوم الذي سأنسى فيه كل شيء سأصبح مثل الخائن الذي هرب من وطنه. مجرد التفكير في هذا الأمر كان يكدر مزاجي ويجعلني أمقت نفسي. انتبه صديقي إلى حالة الصمت العميق التي انتابتني، وبادر إلى إخباري مازحا: «الآن وبعد أن تعرفت على مكان عملك، هيا معي لكي تتعرف على أبناء عمومتك»، وأجبته متعجبا: «أبناء عمومتي؟ من تقصد؟».
سرنا مشيا على الأقدام واقتربنا من حي «بونت» الذي كان يبدو من بعيد مثل باقي الأحياء، وكلما اقتربت أكثر من المركز التقط أنفي روائح بدت مألوفة لدي، منبعثة من الأزقة التي كانت تعرض أكواما من باقات النعناع الأخضر والتوابل برائحتها النفاذة والملونة. يسير ساكنة الحي وهم يرتدون جلابيبهم بخطوات غير مبالية ويلقون التحية على بعضهم في الشارع، وعُلقت الملابس في الشرفات لكي تجف في الشمس، وخلف النوافذ لم تتوقف الأعين الفضولية عن «مسح» السوق طيلة اليوم. داخل هذا الفضاء الدافئ، استرجعت شعورا بالأمن افتقدته منذ مغادرتي لقريتي الصغيرة. لم أتمالك نفسي وسألت صديقي مستفسرا: «هنا تحس بأنك في بلدك.. لا أتصور أبدا أننا في فرنسا، أين اختفى الفرنسيون؟» رد علي قائلا: «الفرنسيون؟ لقد نسيناهم هنا ولم نعد نتذكرهم أبدا».
لقد نسي الناس الذين يقطنون هذا الحي أنهم يعيشون في فرنسا التي لم تكن أبدا كما تخيلتها قبل رؤيتها، ولم أفكر ولو للحظة أنني سأجد في فرنسا مكانا يشبه السوق في المدينة القديمة ولا يمت بأية علاقة إلى الأحياء الفرنسية. حل فصل الخريف حاملا معه نسمات الشتاء الباردة، وبدأ روتين الحياة يتغير أيضا. أستيقظ كل صباح فجرا لكي لا تفوتني الحافلة الأولى وما زال الجو مظلما في الخارج. كنت أعمل طيلة اليوم في ورشة البناء، لأعود منهك القوى ليلا إلى غرفتي ولا أستطيع سوى إعداد ما أتناوله قبل أن أسقط، من فرط التعب، على سريري وأغرق في النوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.