عمر بوسنة الرجل المراكشي الذي جعله التجنيد الاجباري في بداية السبعينات يعشق الجندية، فانخرط في القوات المساعدة ليجد نفسه أسيرا لدى جبهة الانفصاليين.. عمر بوسنة، واحد من 56 أسيرا من ابناء مراكش مازالوا يلتقون كل أسبوع بباب الجديد, يستحضرون تلك السنوات الطوال التي كانت بالنسبة إليهم جحيما وسعيرا.. عمر بوسنة، حكاية لمأساة إنسانية، يحكيها عمر للاتحاد الاشتراكي من خلال هذه الحلقات، حيث يكشف عن جرائم البوليساريو ضد الانسانية.. عن وحشيتهم في مخيمات ومعتقلاتهم, حيث القتل، والتعذيب والاغتصابات الجماعية للمحتجزات، ورمي جثث ضحاياهم للكلاب والذئاب والوحوش الضارية.. حملتنا حافلة إلى الثكنة العسكرية ( ترانسبور ) بأكادير ، وقد استقبلنا الكولونيل المسمى أَحْدَا استقبالا يليق بالأسرى المغاربة التابعين للقوات المساعدة بترحاب كبير أنسانا استقبال الوفد الوزاري المغربي بالمطار ، حيث أعطى تعليماته أول الأمر بإطعامنا أحسن طعام ، بعده وزعت علينا حقائب أمتعة بكل واحدة منها مجموعة من السراويل والقمصان التحتانية القصيرة ولباس كله أبيض مكون من طاقية وجلباب وقميص طويل ( ضراعة ) بالإضافة إلى علبة موس حلاقة ومذياع صغير وما قدره خمسة آلاف درهم مصروف الجيب لكل واحد منا ، لكن ذلك في هذه اللحظة لم يكن لدينا أكثر أهمية من تزويدنا بهواتف نقالة لكي نخبر عائلاتنا برجوعنا إلى أرض الوطن ، حيث استجاب الكولونيل لمطلبنا على وجه السرعة، فأحضر إلينا خمس هواتف نقالة غير معبأة ، وأخبرنا بأنه يمكننا استعمالها مادمنا في هذه الثكنة ، وعندما نريد مغادرتها من المفروض علينا إرجاعها إلى الإدارة ، وبعدما انتدبني الإخوان وقعت على وثيقة تثبت بأنني تسلمت هذه الهواتف من إدارة الثكنة ، حيث قمت بدوري بتكليف عدد من الإخوان بالعمل على تعبئتها وجعلها رهن إشارة كل من يريد مكالمة عائلته ، وقد ساعدنا على تعبئتها عدد من الجنود العاملين بهذه الثكنة، لأنه لم يسمح لنا بعد من الخروج منها ، وهكذا بدأت الاتصالات بعائلاتنا في هذه الليلة التي ما إن علم أفرادها بعودتنا إلى المغرب حتى انطلقت سيارات وحافلات يركبونها في اتجاه مدينة أكادير قادمة من عدد من المدن والقرى المغربية ، حيث أشرق عليهم نور صباح يوم الخميس 19 غشت 2005 وهم واقفين أمام باب الثكنة العسكرية ( ترانسبور) بأكادير ، بعدما منعوا من الدخول عندنا بدعوى أننا مازلنا لم نخضع بعد لعدة فحوصات طبية كان من المقرر إجراؤها لجميع الأسرى المغاربة الذين كانوا لدى البوليساريو قبل ملاقاة عائلاتهم ، وبما أنه كان لي أخ جندي سبق له أن عمل فيما مضى بهذه الثكنة ساعده عدد من أصدقائه الجنود على الدخول بعدما أعطوه بذلة عسكرية قام بارتدائها ، فأخذ يبحث عني بين الأسرى وعندما التقى الوجهان فتم عناق حار بيني وبينه وانهمرت الدموع على خذينا فرحا بلقائنا بعد زمن طويل من فقدان الأمل ، حيث أخبرني بقدوم أمي وأختا لنا تسكن بفرنسا تزامن تواجدها بالمغرب بمحض الصدفة ، وقدوم زوجتي وابني الذي تركت عمره ثلاث سنوات وابنتي التي كانت تبلغ سنة واحدة من عمرها عندما أسرت، وحضورهم جميعا واقفين ينتظرون الدخول بباب الثكنة ، ولما طال انتظار عائلات الأسرى على هذا الحال ، بدأ نوع من الاحتجاجات من طرف أفرادها ، مما جعل المسؤولين يتلقون تعليمات من قاداتهم تأمرهم بالسماح للجميع بزيارتنا ، وهكذا وأنا واقف وأخي بجانبي بدأت تلوح لنا من بعيد طلائع الزوار قادمين وهم يجرون في اتجاهنا ، وفجأة لاح شاب وشابة على بعد عشرة أمتار لم أعرفهما حيث بادر أخي بالقول : »ها هما ابنك وبنتك « ، وما هي إلا ثوان قليلة وأنا أمعن النظر إليهما وأسمع صوتين يناديان من بعيد : » بابا ، بابا « حتى فقدت الشعور بكل ما من حولي في هذه اللحظة ولم أفق من غفوتي و أسترجع وعيي إلا عندما أحسست بوجودي بين أحضان أمي وابني وبنتي وزوجتى وأختي وأخي وهم يعانقونني بكل حرارة والدموع لا تفارق عيون الجميع ، وهم يرددون الحمد لله على سلامتك ، لا أخفي على أحد فقد كان هذا اللقاء بين الأسرى وعائلاتهم عبارة عن مشهد يعجز اللسان عن وصفه ، حيث عشرات أفراد عائلات الأسرى يبكون هنا وهناك ولا يدري أحد أهو بكاء حسرة ومواساة أم هو بكاء فرح وسرور وتهاني بمناسبة رجوعنا إلى أرض الوطن، وتذكرت هنا قول الشاعر أبوالعلاء المعري حين قال :أبكت تلكم الحمامة أم غنت? على فرع غصنها المياد .