على بعد أيام قليلة عن فاتح يوليوز، قرّر وزير الصحة، البروفسور الحسين الوردي، إبن «دار الصحة»، أن «يفعّل» أحد مرتكزات دستور فاتح يوليوز 2011، الذي كان ثمرة حراك مغربي شارك في تقديم مقترحاته كمّ كبير من الفاعلين والفقهاء، وعرف ترجمة جملة من المطالب، ومن بينها الشق المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة، الذي وجد الوزير نفسه وجها لوجه معه وذلك على إثر «انتفاضة» من مديرة مستشفى السقاط بمنطقة عين الشق بالدارالبيضاء، التي أكدت أنها رفعت شعار «محاربة الفساد»، فتبين لها فيما بعد وعمليا على أنه شعار مرفوض من قبل حزب الوزير المشارك في الحكومة، علما بأنها تتحمل المسؤولية ضمن أجهزته، مادام الشعار الذي رفعه رئيس الحكومة الحليف الذي مكّن حزب الوردي من بعض المقاعد، هو «عفا الله عما سلف»! مديرة مستشفى السقاط سابقا، يبدو أنها خلّطت الأوراق، وعدّدت الجبهات، ووجدت خصوما أمامها أكثر تموقعا منها في المنظومة الحزبية، فهي تارة طرف في مشكل مع مواطنين، تدخلت فيه عوامل انتخابوية، إلى أن قدمت تنازلا عن المتابعة، وتارة أخرى صرّحت بأنها وقفت خلال فترة تعيينها على رأس المستشفى التي لم تتجاوز مدتها 3 أشهر، على اختلالات مالية كثيرة، مشددة على أن تدبير هذه المؤسسة الاستشفائية يتم وفق نمط لايتماشى والمعايير المعمول بها، سواء بالنسبة للصفقات أو تعلّق الأمر بسندات الطلب، مبرزة أن الاعتباطية تطبع كل معاملات المستشفى. تصريحات لم تقف عند هذا الحد، بل استفاضت المديرة في بسط تفاصيلها مؤكدة على أنها طالبت المقتصدة بمبررات فواتير تتجاوز قيمتها 80 مليون سنتيم وأكثر، دون أن تمكّنها من ذلك، مشددة على أن هناك خروقات شتى على مستوى طلبات العروض التي تخص التغذية، وبأن المقتصدة أقصت شركات ومهّدت الطريق لأخرى، مضيفة بأن مطالبها الإدارية ووجهت بإقفال المستودعات الخاصة بتخزين المعدات، وبعدم تسليمها الملفات الخاصة بالصفقات العمومية، وعدم تفاعل مصالح وزارة الصحة المركزية مع مراسلاتها؟ مسلسل من الأخذ دون ردّ، انتهت فصوله جزئيا بقرار من وزير الصحة، الذي عوض أن يرسل لجنة للبحث والتحقيق في حقيقة الاتهامات والوقوف على تفاصيل الوضع بهذا المرفق الصحي، اختار أن يريح نفسه من وجع الدماغ، وأصدر قرارا بإعفاء المديرة المشتكية والمشتكى بها التي ليست سوى المقتصدة بذات المؤسسة الصحية؟ قرار إداري، قررت المديرة المقالة الطعن فيه وعدم الاكتفاء بذلك فحسب، بل أكدت أنها ستطرق أبواب القضاء من أجل ردّ الاعتبار، يطرح أكثر من علامة استفهام، لأننا أمام واقعة اتهام متعددة المستويات، فعوض تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة بهدف وضع حدّ لهدر المال العام، لو تأكد ذلك فعلا في حالتنا هذه، أو بالمقابل تحمّل الطرف الثاني لمسؤوليته حيال تصريحاته، وعوض السعي لإعمال الحكامة الجيدة في التدبير التي مازالت مفقودة في عدد كبير من تدخلات الأشخاص والأجهزة والمؤسسات والهيآت المكلفة بمهام تدبير الشأن العام، فقد أصدر الوردي قرارا، تؤكد المديرة السابقة للسقاط، بأنه مجحف وهي التي منعت من ولوج مكتبها لتسلم أغراضها! في الوقت الذي يتابع المتتبعون للشأن الصحي تداعيات الواقعة، متسائلين إن كانت الكيفية التي تم بها اختزال الموضوع ليست بدعوة صريحة للفساد ولرموزه لكي يعبثوا بدواليب المؤسسات الصحية كيفما شاؤوا، وللشرفاء كي يغوصوا في هذا المستنقع بدورهم أو فليلتزموا الصمت، ما دام المتورطون المحتملون سيجدون أنفسهم في أقصى حالات العقاب أمام قرارات للإعفاء بنكهة العفو وعدم المحاسبة، ترفع شعارا بات سمة مميزة للحكومة الحالية وهو «عفا الله عما سلف»!