كان من الممكن أن يكون عنوان أغنية، وكان من الممكن أن يكون مغنيها مارسيل خليفة أو بلال.. غير أن «عبروا عن رفضكم» هو عنوان كتاب يلقى حاليا رواجا كبيرا في فرنسا، حيث تم اقتناؤه كما تقتنى «البوتي بان»، حسب التعبير الفرنسي الشائع. اشعروا بالخجل من أنفسكم، أو أدينوا أنفسكم، عنوان بديل أيضا للكتاب، يتجه إلى كل الذين يجب أن نعلن التمرد ضدهم. عبروا عن اشمئزازكم، هو كتاب لأحد شيوخ اليسار والديبلوماسية الفرنسي ستيفان هيسيل. لا يتجاوز عدد صفحاته 20 صفحة، وهو مثل بيان ناري ضد الحاضر الفرنسي والعالمي، ودعوة ثابتة إلى المقاومة المدنية والفكرية ضد كل الانزلاقات. إنه كتاب - فعل نضالي ضد كل الدكتاتوريات الواضحة والملتبسة، المالية والإديولوجية.. ضد الثراء الفاحش والماجن للبعض في الوقت الذي ينزل فيه الآخرون، الأغلبية إلى جحيم الفقر والحاجة.. إنه صفعة أيضا لكل الذين اعتقدوا بأن الفكرة المواجهة ليست فكرة عتيقة وعجوزا، بل مازالت تحرك الناس، حتى في الدول التي قطعت وادي الديموقراطية والرخاء ونشفت رجليها.. ومع ذلك مازال الناس يجدون في سؤال الإدانة ما يجمعهم، وما يجعل الخطاب ناجحا. ففي زمن الالتباس، والذي يعبر عنه الكتاب بسؤال «من يحكم، ومن يسير؟» يكون فعل المقاومة هو فضح التواطؤات والتداخلات والارتباطات المشبوهة بين النخب .. إن الإدانة والشعور بالخجل، هو بوابة أو عتبة للالتزام بالحد الأدنى من الأخلاق ومن الوطنية في سياق الكتاب، لأن الذي لا يشعر بأن تخريبه لبلده أو لمبادئ حرمتها الوطنية إنسان لا يمكن أن يعول عليه، ولا يمكنه أن يقنع بالإلتزام. إنه كتاب بعيد عن «سياسة الصفقة» والتراخي المؤسساتي لفائدة الصورة العطوفة. كتاب يقول بالكلمات البسيطة، وليس الشعبوية - لأن صاحبه يلتزم بالديموقراطية الاشتراكية - ولكنه دفاع عن العدالة الاجتماعية .. في المغرب اليوم ألف سبب لكتابة كتاب من هذا القبيل، دفاعا عن فعل المقاومة، كما هي مدنية اليوم ضد كل ما يمس بإنسانية الانسان،ولكن أيضا بكل ما يخضع الأفق المشترك للمغاربة للحسابات الذيلية والضيقة والعابرة للقناعات! كتاب يمكن أن تقرأ تقارير المجلس الأعلى للحسابات أو تقارير الأوراق السياسية للأحزاب في مؤتمراتها أو محاضر اجتماعات النقابات، وتقرأ تقارير المؤسسات الرسمية والاستشارية ، لكي تلخصه في دعوة مفتوحة للرفض والتمرد.. وما بين المجلس الأعلى والتكوين المهني وحده سبب كاف لكي نشرع في كتابة الإدانة بألف يد مغربية نظيفة. ولعل الكثيرين يشعرون بذلك، ومنهم مواطن سمى نفسه بالمتتبع أرسل لي رسالة اعتبرها من صميم المقاومة اليوم، وقد ورد فيها «من المرجح أن يحل قضاة المجلس الأعلى عما قريب بالإدارة المركزية لمكتب التكوين المهني للتدقيق والتحقيق في حساباته المالية، التي يبدو أنها ظلت لسنوات خلت تسير، شكليا بمساطر الرقابة، وضمنيا «بأرانب السباق» التي أينعت رؤوسها وتجذرت بتحايلها على القوانين والمساطر لصبغ الملفات المالية وجعلها تظهر وكأنها مستوفية للشروط المطلوبة التي تعبد الطريق أمام أبطال راغبين في حصد أرقام مغشوشة بجرعات منشطة. فهل بإمكان قضاة المجلس الأعلى قطاف الرؤوس اليانعة والكشف عن طبيعة المنشطات التي تحقن بها الملفات المالية لمكتب التكوين المهني؟. نطرح هذا السؤال، ليس استخفافا بعمل السادة القضاة، بل لأننا ندرك حجم الصعوبات التي ستواجههم وهم يقومون برقابة بعدية في غياب رقابة قبلية ناجعة إن لم نقل متواطئة، ولعل الأساسات المغشوشة التي بني عليها اللاتركيز المالي المعتمد من طرف مكتب التكوين المهني منذ التسعينيات خير دليل على ما نقول. فقد تم وضع ميزانيات للتسيير وأحيانا للاستثمار وحسابات خارج الميزانية رهن إشارة المديريات الجهوية والمؤسسات التكوينية التي تحول مديروها إلى آمرين بالقنص عفوا بالصرف، وبعض مستخدميها إلى مفوضين ماليين للقيام «بالنقابة » عفوا الرقابة المالية في ظل تداخل وتشابك الاختصاصات، فكم من مفوض مالي وجد نفسه يشتغل كمستشار للسيد الآمر بالصرف، لأنه إداريا من أتباعه، وكم من آمر بالصرف وجد نفسه بسبب فقر التكوين في التدبير المالي، يشتغل وفق ما يمليه عليه المفوض المالي الذي يتحول إلى آمر حقيقي بالصرف. ويكفي قضاة المجلس الأعلى - إن كانوا لا يخشون أن تشيب رؤوسهم - الاطلاع على ملفات السنوات الأولى من التدبير المالي للمؤسسات التكوينية ليروا الصناديق بأرصدة سلبية وأوراق محاسبة تقود إلى إعلان الإفلاس، وأن يتساءلوا مع أنفسهم لماذا ظل المكتب ممتنعا وإلى يومنا هذا عن خلق مصالح للحسابات والمالية بالمديريات الجهوية، تمنح لرؤسائها الذين يشتغلون تحت رقابة المدير الجهوي ورقابة المفوض المالي صفة آمرين بالصرف، فلا يعقل أن يظل التدبير المالي تحت رقابة مفوض مالي يخضع إداريا للآمر بالصرف وأن تستمر المديريات الجهوية بدون هيكلة لمصلحتها المالية التي تسير بمن هب ودب، وهي التي مازالت تتوفر على مصلحة للإعلام والتوجيه ومصلحة لمراقبة الجودة ومصلحة التكوين المستمر، علما بأنه قد تمت تصفية هيأة الموجهين وهيأة مراقبي جودة التكوين، وعلما بأن التكوين المستمر أصبح في خبر كان منذ أن تفجرت فضيحة العقود الخاصة ومنذ أن انتهى العمل ببرنامج «تكوين - تشغيل» الذي ينام بمجمرته جمر مستعر، لو تفضل قضاة المجلس الأعلى وأزاحوا عنه رماده لاحترقت كثير من الجيوب ولبيعت عقارات في المزاد العلني. وفي انتظار أن يعطى الضوء الأخضر لقضاة المجلس الأعلى للحسابات للكشف عما جرى ويجري بالمديريات الجهوية، وحتى لا نتهم بأننا نستبق الأحداث نود لو تفضل مدير الموارد البشرية وافتتح سنة 2011 بندوة شبيهة بالتي اختتم بها سنة 2010 ليطلعنا مثلا على - المقاييس المعتمدة في تعيين أصدقاء الدراسة وأقارب السيد مدير المكتب على رأس بعض المديريات وتكليفهم في بعض الأحيان بمهام تتجاوز اختصاصاتهم لدرجة أن فرائص مدراء المؤسسات التكوينية ترتجف كلما سمعوا أن أحد أقاربه سيقوم بزيارتهم، وتعيين من يدخلون في خانة «أوصيك بهم خيرا» على رأس البعض الآخر من المديريات ويكفي أن نشير إلى الوافدة الجديدة التي تم تعيينها في شهر شتنبر على رأس مديرية التنمية وتسلمت مهامها من دون أن تلتحق بمكتبها ليتم تعويضها في شهر نونبر بوافد جديد، ثم عادت للظهور في أواخر شهر دجنبر في انتظار مديرية جديدة، وهي من دون شك ستتلقى راتب سلم يأخذ بعين الاعتبار أقدميتها في الوزارة التي كانت تشتغل بها كرئيسة مصلحة وتعويضات عن مسؤوليتها كمديرة مركزية فائضة. - الخبرة والتجربة المهنية التي تعتمد كقياس في التعاقد لمدة سنتين مع بعضهم وإلحاق بعضهم من إدارات عمومية للعمل بالمكتب وكيف يصبح هذا البعض بقدرة قادر من المستخدمين المرسمين في سلالم لن يكتب لمستخدمي المكتب الحصول عليها إلا وهم على مشارف التقاعد. - الأساليب الحقيقية والشواهد الوطنية وغير الوطنية المعتمدة في التوظيف وإن كانت تتطابق مع ما هو منصوص عليه في القانون الأساسي، وإخبارنا إن كانت مسألة «تأنيت» التوظيف (إذ يظهر أن عدد الموظفات الجديدات يفوق بكثير عدد الموظفين الجدد) الذي يطبع أسلوب سيادته في التوظيف بالمكتب مجرد صدفة أم أمرا مقصودا ينم عن نظرة دونية للمرأة لأنها ستكون في نظره مثالا للطاعة وعنصرا غير مزعج لا قدرة له على الاحتجاج على ظروف العمل المتدنية. - سياسة التقشف التي يدعي مسيرو المكتب أنها وفرت أمولا طائلة للدولة والتي لا تطبق إلا على الاعتمادات المخصصة للتكوين الأولي بالمؤسسات التكوينية والتي أصبحت نتائجها الفظيعة ظاهرة لا غبار عليها، وكيف أن ذات السياسة لم تعرف بعد طريقها إلى الاعتماد المخصص لتنقلات مسؤولي المكتب ومن يدور في فلكهم داخل المغرب وخارجه، فإذا كان المدراء السابقون يكتفون عند زيارتهم للمديريات الجهوية بالتنقل في سيارة المصلحة الجهوية، فيبدو أن هناك من لا يقبل إلا بالكات الكات ولازالت الألسن تتناقل تضايق أحد المقاولين من الابتزاز الذي تعرض له من طرف مدير جهوي أرغمه على تأدية نفقات إقامة وكات كات ... ناهيك عن السفريات للخارج التي لم تعد لها من انعكاسات إيجابية إلا على المستفيدين منها من حيث «التحواس» والتعويضات المحصل عليها. - هل هناك احترام للهيكلة التنظيمية للمكتب؟ فمركزيا لماذا تحتفظ مديرية الموارد البشرية بمصلحة الأجور ضمن هيكلتها بينما مكانها الطبيعي هو مديرية المحاسبة والمالية وهل لذلك علاقة بالتعويضات الجزافية والساعات المضافة في آخر لحظة (وليست الإضافية)، ومنحة المردودية التي لا تتجاوز الصفر لغالبية المستخدمين بينما تحسب بالملايين لثلة من المحظوظينن، وجهويا ما هي المقاييس المعتمدة في خلق المصالح ومركبات التكوين وكيف تم الانتقال داخل المؤسسات التكوينية من مديري الدراسات إلى المدراء البداغوجيين ثم المدراء فقط وعلى أية مقاييس تمنح هذه المسؤوليات. - الهدف من لجوء المكتب إلى استبدال حظيرة السيارات المملوكة بأخرى مكتراة من إحدى الشركات في إطار صفقة تقدر بالملايين من الدراهم، وهو السؤال الذي يقودنا إلى طرح أسئلة مشروعة حول كيفية تدبير هذه الصفقة وغيرها من الصفقات التي يقال أنها تفصل على المقاس المطلوب بالمكتب، والتساؤل إن لم تكن تكلفة هذه الصفقة شبيهة بتكلفة الآبار التي تم حفرها وإعادة حفرها إلى أن تبين في إحدى المؤسسات التكوينية أن تكلفة الكهرباء المستهلك من طرف المضخة ومواد المعالجة تفوق بكثير تكلفة فاتورة المكتب الوطني للماء الصالح للشرب. - الوضع الشاذ للأعمال الاجتماعية إذ منذ اكتشاف إحدى الفضائح التي كانت بطلتها الشريكة الاجتماعية والإدارة تتصرف كما تشاء في ميزانيتها من دون رقيب ولا حسيب. - من سمح لبعض المسؤولين بالترامي على السكن الوظيفي لبعض المؤسسات التكوينية (هي في الأصل مخصصة لمدراء هذه المؤسسات) وندعو سيادته لإلقاء نظرة على ورقة أداء أجورهم الشهرية لمعرفة ما إذا كانت منحة السكن لازالت تصرف لهم، علما بأن القانون الأساسي لمستخدمي المكتب لا يسمح بذلك. - مبالغ الاعتمادات المالية الممنوحة لبعض المديريات الجهوية في إطار ميزانية الاستثمار وطرق صرفها وإن كان المكتب يتوفر على دراسة جدوى للمشاريع المستمر فيها، فلا يعقل أن تصرف عشرات الملايين من طرف مدير جهوي لتحويل مرافق داخلية لمركز استقبال لن يستقبل إلا سيادته إن كان راغبا في قضاء عطلته الأسبوعية بمليلية المحتلة.