قررت الكتابة ضد النسيان والكذب والخسارة والتواطؤ، قررت الكتابة لأن الأسوأ ربما لازال قادماً ليس فقط في سوريا ... هذا الكتاب ربما يلخص معركة شعب عازم على إنهاء دكتاتورية عمرت 40 سنة . شعب يتطلع للحرية، لكنه يغرق يوماً بعد آخر في الجحيم أمام أنظار مجتمع دولي غير مبال ... هذا الكتاب هو حكاية ربيع سوري بدأ كميلاد للحرية لينتهي في خراب جهادي له أبعاد وتداعيات إقليمية ودولية ... 4 غشت 2011 الواحدة زوالاً كان جو من الرعب الخفي يخيم على دمشق. في الشارع، في النظرات في تصرف الشباب، كان الخوف واضحاً. الوجهة حي باب طوما المسيحي، في المدينة العتيقة تناسق رائع من الحضارات والهندسات والأضرحة والكنائس مثل كنيسة أنانيا، أقدم كنيسة في سوريا، حيث ألقى القديس بول أولى تعاليمه. هنا سأكون بأمان. وراء باب خشبي عتيق بالكاد يمكن رؤيته، يوجد فندق أجينور، وهو عبارة عن بناية رائعة من القرن 19، بنيت على طراز الإقامات الدمشقية التقليدية، فهي محمية من الحر والأصوات الخارجية بجدران عالية. وتحت سقف بعلو 10 أمتار، يوجد فناء مركزي فسيح ينتظر زواراً من السياح المفترضين، وحده صوت الماء المنبعث من نافورة يعطي الانطباع بوجود حياة في المكان. بعدما أغلقت غرفتي بإحكام، ارتبطت بالأنترنيت وحاولت تشغيل تطبيق الحماية VPN، طبقاً لإرشادات التقني المعلوماتي في بيروت، حتى أتمكن من الاتصال بالنشطاء في أقرب وقت، حاولت تشغيله مرة، مرتين، عشر مرات دون جدوى. لامجال لتشغيل هذه الخدمة. نزلت إلى مكان الاستقبال وطلبت من إحدى العاملات بشكل عادي جداً، كيف يمكن الإبحار عبر الأنترنيت بشكل آمن، لأنني »أريد التحدث إلى خطيبي بحرية«. بابتسامة، تركت لي مكانها أمام حاسوب الفندق وشرحت لي قبل أن تنسحب، أن دخولها للأنترنيت محمي بواسطة تطبيق جديد: اسمه TOR، وأكدت لي أن شاشة الحاسوب بعيدة عنها بما يكفي لترى ما تكتبه على الشاشة، اتصلت بأوسيان (سهير) عبر رسائل مكتوبة على سكايب حتى أخبرها أنني وصلت وأشرح لها مشاكلي التقنية وأطلب رؤيتها. لكن سهير لم تقبل أن ألتحق بها من أجل أمنها وأمني. من الأفضل تفادي أي لقاء. شخص واحد في سوريا يعرف أين تختبىء: إنه أحد النشطاء الذي يجلب لها الطعام ويعمل كوسيط لها مع العالم الخارجي. مخبأها الآمن حالياً مستأجر باسم هذا الشاب المناضل لتفادي أي وشاية، ويوجد هذا المخبأ خارج دمشق. لكن كما اتفق، سيرافقني رفاق سهير في لجان التنسيق في رحلتي عبر البلاد. ولحل المشكل المستعجل، زودتني سهير بعنوان سكايب لأحد النشطاء مسؤول عن المعلوميات داخل الحركة اسمه الإلكتروني هو »لوجستيك« تكفل بتأمين ارتباطي بالأنترنيت. على الفور، اتصل بي هذا الناشط الذي لن أعرف أبداً اسمه الحقيقي، وطلب مني العودة إلى غرفتي والسماح له بالتحكم في حاسوبي عن بعد بواسطة شفرات توأمة. وطيلة ساعات، بقيت جالسة مكتوفة الأيدي أمام حاسوبي وأنا أشاهد نوافذ تفتح وتغلق على شاشة الحاسوب. اكتشفت لحسن حظي أن السلطات السورية تبدو متجاوزة تماماً في مجال متابعة وسائل الاعلام الغربية رغم محاولاتهم ملاحقة أي صورة غربية، لكنها بالمقابل، عدوانية عندما يتعلق الأمر بمراقبة الشبكة العنكبوتية. فتطبيق VPN الذي حملته في بيروت غير فعال في سوريا، ولذلك لجأ النشطاء لتطبيق TOR الذي لازال دركيو الشبكة العنكبوتية السوريون لم يصلوا إليه. بدأت الشمس تطلع وكنت قد غفوت من التعب، عندما أخبرني لوجستيك بافتخار أن ارتباطي بالأنترنيت أصبح آمناً، وأنه بإمكاني التواصل بكل حرية. كنا في عز رمضان، النشطاء ينامون في النهار ويشتغلون في الليل. المظاهرات تنظم في الليل بعد الإفطار عند الخروج من المساجد، الأماكن الوحيدة التي مازال يسمح بالتجمع فيها. نمت بضع ساعات وعند حلول الليل، اتصلت بطالب شاب ينتمي لشبكة سهير (اسمه على الشبكة هو »دمشقي نبيل«. أخبر باتصالي وسيأتي لمرافقتي حوالي الثامنة مساء في سيارة رمادية اللون ستكون مركونة على بعد 20 متراً من الفندق الذي أقيم فيه. 5 غشت 2011. الثامنة مساء كما اتفقنا، كان مرافقي الشاب ينتظرني في زقاق الفندق. كان برفقته ناشط آخر طالب كذلك. الوجهة ميدان، حي مجاور لمركز المدينة، وأحد من الأحياء الأولى التي انتفضت في دمشق منذ بداية الثورة. يجب الوصول إليه قبل نهاية الصلاة حتى أتمكن من تصوير المظاهرة. الحي حساس بشكل خاص، لأن به مسجدين مهمين يقابل أحدهما الآخر، مسجد الحسن ومسجد زين العابدين. في الطريق، تبادلت الحديث مع مرافقي, »النظام ينعتنا بالإرهابيين والسلفيين، لكنه يعرف جيداً أننا شباب، سلميون وأغلبنا متعلم ، الدين ليس محركنا الرئيسي، ونحن لا نذهب للمسجد إلا للتظاهر«. ومع ذلك، القمع يتم بالرصاص الحي وقوات الأمن تطلق النار من أجل القتل. بالأمس رفيقي دفن إثنين من أصدقائه، الأول أصيب برصاصة في القلب والثاني برصاصة في الرأس.