قررت الكتابة ضد النسيان والكذب والخسارة والتواطؤ، قررت الكتابة لأن الأسوأ ربما لازال قادماً ليس فقط في سوريا ... هذا الكتاب ربما يلخص معركة شعب عازم على إنهاء دكتاتورية عمرت 40 سنة . شعب يتطلع للحرية، لكنه يغرق يوماً بعد آخر في الجحيم أمام أنظار مجتمع دولي غير مبال ... هذا الكتاب هو حكاية ربيع سوري بدأ كميلاد للحرية لينتهي في خراب جهادي له أبعاد وتداعيات إقليمية ودولية ... رغم ذلك، لم يتوجه حاكم دمشق الى درعا لمشاطرة أهالي الضحايا الشباب ألمهم وحزنهم، واكتفى بإرسال نائب وزير الشؤون الخارجية فيصل مقداد. ويوضح احد أفراد عشيرة ابا زيد قائلا"» لو جاء بشار الاسد شخصيا، ربما كنا سنسامحه على العذاب الذي عاشه ابناؤنا الصغار«"مذكرا بأنه في التقاليد العشائرية، هناك حساسية خاصة لإشارات الاحترام والاعتراف بالخطأ والتوبة. ولكن اذا كانت درعا »المقهورة« ربما مستعدة لتضميد جراحها بندم رئاسي، فإنه في باقي ارجاء البلاد، بدأ يظهر ان كتاب الشعارات على الجدران هومحرك الانتفاضة،"انهم أمثال البوعزيزي اوخالد سعيد بالنسبة لنا«- يؤكد عمر احد نشطاء الثورة في دمشق- أطفالنا لم يموتوا، اسماءهم لا يعرفها العموم ولكنهم ابناؤنا. واذا هاجم النظام الاطفال, فإنها النهاية فحتى الرعب لا يمكن ان يجدي«" فبعد أن أشعل النظام الشرارة، فإنه سيعطي قريبا للثورة شهيدها وبدأ يتعامل بغباء لا يصدق، حيث اعاد الكرة مرة أخرى في درعا مع تعذيب حمزة الخطيب حتى الموت. وهو الطفل ذو الثلاثة عشر ربيعا الذي اعتقل يوم 29 ابريل 2011 على هامش مواجهات درعا. سلمت جثته للعائلة يوم 27 ماي في كيس بلاستيكي, كان وجهه يحمل اثار كدمات وقد كسروا عنقه وفكيه وبتروا عضوه التناسلي وكان جسده الصغير يحمل اثار الرصاص. انها قمة الوحشية والإهانة. جريمة حرب بشعة هدفها ارهاب واجهاض عزائم المتعنتين واقناعهم بأن حالة القتل ليست لها ادنى ذرة من الإنسانية. اهانة أخرى قاسية للاهالي، والد حمزة اعتقل لأنه سمح بنشر وبث فيديو يظهر الجثة المشوهة لإبنه الشاب. أجبر على اتهام جماعات سلفية علانية بأنهم عذبوا ابنه حتى الموت، بل ولقاء بشار الأسد لتقبل تعازيه. لكن الدعاية البليدة للنظام لم تنطل على أحد. وبث مشاهد الجثة المشوهة لحمزة أسفرت عن خلق صفحة خاصة على الفيسبوك بعنوان "»كلنا حمزة الخطيب« تلقت مئات الآلاف من رسائل الدعم والمساندة خلال بضعة أسابيع. التعذيب الذي تعرض له حمزة حشد عزائم المعارضين وأدى الى مظاهرات ضخمة عبر كل انحاء البلاد. وتحول حمزة الخطيب إلى أيقونة ثورة لم يعد بالإمكان وقفها. ومن ميشيل كيلو الى حمزة الخطيب مرورا بسهير الاتاسي وأطفال درعا ثلاثة أجيال وجدت نفسها جنبا الى جنب فاعلة في هذا الزلزال السوري. فالسوريون لم يكونوا اخر من انتفض وعازمون على النهوض بكرامة وبشكل سلمي. "سلمية، سلمية" رافعة التمرد هم، بدون منازع، الشباب السوري، هذا الجيل الجديد الذي لم ير ميشيل كيلو بروزه. جيل متعطش للتغيير ومستعد لأداء الثمن، جيل عازم على اللجوء الى أسلحة عصره: شبكات التواصل الاجتماعي والنضال السلمي، محركا الربيع العربي اللذان اثبتا فعاليتهما في تونس وفي القاهرة. في سوريا هناك شبكتان اجتماعيتان اساسيتان عبئتا المعارضين، اتحاد منسقي الثورة السورية، ومن أبرز دعائمها سهير الاتاسي, ولجان التنسيق المحلية التي تنسق التعبئة ضد النظام عبر ربوع البلاد التي تنشطها المحامية رازان زيتونة الناشطة الحقوقية البارزة. واذا كانت رياح الاحتجاجات قد بدأت تهب عبر شبكة الأنترنيت السورية منذ بداية شهر فبراير. فإن السوريين لبوا لأول مرة النداء عبر نداء صفحة الفيسبوك بعنوان" »الثورة السورية ضد بشار الاسد 2011 يوم 15 مارس". طيلة عدة ايام، ظل هذا التاريخ معلنا كموعد مؤقت, وهو ما يبين قلق مسيري هذه الصفحة وتخوفهم في نفس الوقت من آلة القمع الامنية ومن احتمال فشل التعبئة. ولكن عندما اندفعت الثورة في التاريخ المحدد، دعا أصحاب النداء السكان الى المشاركة في "جمعة الكرامة"«، اول جمعة للانتفاضة يوم 18 مارس 2011. وعلى نهج المثال المصري، اطلقوا اسماء وشعارات لكل جمعة، وفي سوريا التي تعيش تحت قانون الطوارئ، يبقى المسجد المكان الذي يمكن التجمع فيه قبل التظاهر في الشوارع. نداءات 15 و 18 مارس لقيت استجابة.وتجاوبا مع احداث درعا, انتقل النشطاء الى المرحلة الموالية. رأى اتحاد منسقي الثورة السورية النور. في الميدان ينشر افراده النداءات وينظمون المظاهرات ويصورونها قبل بثها في فيديوهات على موقع الاتحاد وتوزيعها على وكالات الانباء المحلية والدولية. ويبقى الأنترنيت أهم وسيلة عمل وايضا مكان التبادل الاكثر أمنا. في الزيداني, المدينة الواقعة على بعد 4 كلمترات عن العاصمة، قبل عماد، الملقب محمد علي، استقبالي بتوصية من اوسيان. المنسق الشاب وضعني في الصورة قبل أن أغادر غرفة الفندق بدمشق للالتحاق به. اذا ما تم توقيفي في احدى النقط الأمنية علي أن أزعم أنني في طريقي الي بلودان. الموقع السياحي المطل على هضبة الزيداني المعروفة بمركباتها السياحية وغاباتها وعيون مياهها ومناخها. بعد ان طلبت سيارة أجرة يعرف صاحبها منطقة بلودان، وضعت صليبا حول عنقي، فقوات الامن لا تشك في المسيحيين. كما انني تأكدت من أن الكاميرا التي معي لاتتضمن سوى صور سياحية، موجهة للامن السوري. ففي سوريا امكانية الاعتقال، واردة يتعين توقعها بمجرد ما يضع المرء قدميه في الشارع. وكصحفية هذا الإحتمال قائم باستمرار. وصل السائق، ركبت السيارة وطلبت منه نقلي الى الزيداني واوضحت له انني »سأسلم شيئا لاحد الاصدقاء هناك، تم سأتوجه الى بلودان« وفي حالة الاعتقال لن يقول السائق عني انني أكذب بخصوص وجهتي. ودون ادنى مشاكل وصلنا الى الزيداني التي كانت دائما منتجعا للبورجوازية الدمشقية. أديت أجرة السائق وقدمت له كذبة معدة بعناية: »اصدقائي في الزيداني يصرون على دعوتي لتناول الشاي. سيرافقوني بعد ذلك الى بلودان. يمكنك العودة».