كيف يمكن حمل كاميرا والقيام بالتصوير في مثل هذه الظروف؟ إضافة إلى أنه يستحيل الحصول على كاميرا خفية في لبنان. في أحد أدراج المكتب وجدت ساعة يدوية وبعض الأقلام للتجسس تتوفر على كاميرا فيديو صغيرة تسمح بسرقة بعض الصور في الظروف الصعبة. صور أقل جودة من تلك التي ينجزها النشطاء السوريون بواسطة هواتفهم النقالة. معدات غير احترافية، ولكنها تبقى وسائل للتصوير في حالة حصول مواجهة مع الجيش. قبل 48 ساعة على سفري، كانت سهير (الملقبة أوسيان)، ومن مخبئها السري في سوريا هي من هدأت من القلق الذي غمرني به كل من أطلعتهم على مشروع سفري، أكدت لي أنه بمقدور رفاقها في لجان التنسيق المحلية، مصاحبتي من مدينة إلى أخرى» »يمكنك تصوير ما تريدين ونحن عازمون على إبقائك حية« «تمازحني سهير. جرى إعداد الرحلة، توجهت إلى سوريا بالسيارة وحاولت الحصول على تأشيرة سياحية عند الحدود. عن طريق البر قادماً من لبنان، حيث السكان متعودون نسبياً على أجواء العنف، منقسمون بين موالين ومعارضين للأسد، وحيث مازال أنصار نظام دمشق يزورون باستمرار المناطق السورية التي لم تصلها الاحتجاجات من أجل العمل أو من أجل الاستجمام بأسعار رخيصة، وبالتالي يمكن أن أعطي الانطباع بأنني سائحة فرنسية من أصل عربي، معتادة على جو انعدام الأمن بحكم إقامتي في لبنان، ومتعاطفة مع النظام بدافع القومية العربية. جهزت حقيبة سفر، كان محتواها مدروساً بعناية: بعض ألعاب للأطفال، يمكن اعتبار أنها منسية في قاع الحقيبة وللإيهام بأنني أم لي أطفال، وهو وضع ربما لا يتلاءم مع وضع صحافية في تصور الأمن السوري. كاميرا احترافية صغيرة بما يكفي لعدم الانتباه، والكثير من الصور السياحية الملتقطة في لبنان، وصور مصافحة بين بشار الأسد وحليفه حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني. تذكارات تحمل صور الرجلين وأشرطة لأغاني وأناشيد تمجد المقاومة. وفي حالة التفتيش مثل هذه الأشياء، من شأنها أن تطمئن الأمن السوري ولا تثير شكوكه. أنجزت كذلك بطاقات زيارة شخصية مزورة »كدكتورة في التاريخ« مجال أفهم فيه. لم أحمل معي هاتفي النقال، بسبب عمليات التنصت شبه الشاملة في سوريا. وهذه الوسيلة في التواصل يمكن كذلك أن تسمح لمصالح المخابرات السورية من تحديد مكان تواجدي. وبالتالي حفظت أربعة أو خمسة أرقام هاتفية مهمة وخبأت أرقاماً أخرى مهمة في أحشاء ذاكرة حاسوبي الشخصي، حملت فيه كذلك تطبيق VPN، وهو عبارة عن شبكة افتراضية خاصة تسمح لي في دمشق بتأمين ارتباطي بالأنترنيت حتى أتمكن من التواصل مع النشطاء دون أن تتمكن المخابرات السورية من تعقب اتصالاتي. وأخيراً، وكخلفية لشاشة الحاسوب، اخترت صورة لحسن نصر الله وهو يبتسم لحاكم دمشق أسميتها »أبطال الرفض«. 4 غشت 2011، العاشرة صباحاً الوجهة المركز الحدودي »المصنع«. نقطة عبور بين لبنانوسوريا. العملية غير مضمونة تماماً. فبعد رحلتي الأولى إلى سوريا، والتي دخلتها بنفس الطريقة، هناك ثلاثة احتمالات: إما أن السوريين سيرفضون دخولي إلى البلاد دون إعطاء أي سبب، وإما أن يعطوني تأشيرة الدخول عند الحدود، وإما أنهم رأوا تحقيقي الأخير حول المعركة التي تخوضها سهير وميشيل كيلو، وبالتالي لابد أن أواجه المخابرات السورية، لأنني دخلت سوريا قبل ستة أشهر وأخفيت صفتي كصحافية وصورت التحقيق سرياً. العبور سيتم دون مشاكل. كنت جالسة في المقعد الخلفي لطاكسي استأجرته بالمناسبة، كنت ألبس هنداماً أنيقاً وحذاء بكعب طويل ووضعت أحمر الشفاه على شفتي، خلافاً تماماً للمظهر المعتاد لصحافية في مهمة. الكاميرا الصغيرة مخبأة بين لُعب الأطفال وجزء من معدات العمل مخبأة في كيس لمناديل التنظيف، اخترتها عمداً لاحتمال العفة الشرقية لرجال الجمارك، والتي قد تمنعهم من إمكانية التفتيش أكثر في أغراض تخص المرأة. وكما تفعل بعض المسافرات الغنيات لتفادي الزحام والفوضى داخل مبنى شرطة الحدود السورية، كلفت السائق القيام بالاجراءات دون أن أعرف إن كان هذا الامتياز جائزاً. ومع ذلك، اختفى الرجل داخل المبنى الخاص بالناس وهو واثق. داخل السيارة كنت أتفحص مجلة للمشاهير، كما لو أنني لا أبالي، في انتظار الحكم. هل سيعود بجواز سفري وعليه تأشيرة أم سيعود مصحوباً برجال شرطة يطلبون مني مرافقتهم إلى داخل المبنى؟ بعد عشر دقائق طويلة، عاد السائق وعلى وجهه ابتسامة ارتياح. سلمني جواز السفر وهو يقول: »سيكون واجب الخدمة 20 دولاراً إضافية وضعتها في جيب رجل الشرطة حتى لا أقف في الطابور. لقد حصلت على تأشيرتك».