لا يعلم الكثير من متتبعي أعمال المجموعات الغنائية المغربية أن أغنية »»العيون عينيا»،« التي تغنى بها المغاربة طيلة عقود، وكانت محركا أساسيا في تعبئة المواطنين للمشاركة في المسيرة الخضراء سنة 1975، كادت أن تعصف بمستقبل جيل جيلالة، إذ بقدر النجاح الذي سيحققه هذا العمل، بقدر المعاناة التي ستعرفها الفرقة. معلوم أن جيل جيلالة، رأت النور في سياق تاريخي جد حساس، شأنها شأن ناس الغيوان.. وعند ظهورها اعتبرت صوت الشعب ،خاصة وأن الظرفية العالمية كانت تعرف موجة ثورات متلاحقة، وارتفاع صوت اليسارفي أكثر من بلد... المغرب لم يكن بعيدا عن هذا السياق، إذ كان اليسار في أوج ظهوره، وكان اصطدامه مع الدولة قويا، وهي الأيام التي عرفت العديد من الاغتيالات والاعتقالات والاختطافات، بذلك كان صوت المجموعات الغنائية يعتبر لدى الجماهير سلاحا في صالحها، خاصة أن جيل جيلالة برزت عند ظهورها، بأغنية اعتبرت ثورية، عكس ناس الغيوان التي ظهرت بالصينية، فجيل جيلالة جاءت بأغنية »»لكلام المرصع»«، ذات المعاني والأبعاد السياسية. «لكلام المرصع فقد المذاق والحرف البراق ضيع الحدة ياك الذل محاك ب يا سدي عفاك وكلمة عفاك ما تحيد شدة» وهي أغنية تدعو إلى الثورة والانعتاق، وتذهب إلى كون الاستجداء لن يضع الانسان إلا في موضع الذل والهوان، بالاضافة إلى أغان أخرى أدتها المجموعة ك «»ليام تنادي»« و»»آه يا جيلالة«« وغيرها، وهي كلها تذهب في نفس الاتجاه الثوري. إذن من هذه الأغاني، ستعرج جيل جيلالة، على أغنية وطنية وهي »»العيون عينيا«« التي أضحت بمثابة «شعار وطني»، بل كانت دافعا حقيقيا للجماهير للانخراط في المسيرة، كل هذا وضع علامة استفهام كبرى لدى المتتبع. بالنسبة لجيل جيلالة، فقد كان رأيها واضحا، إذ في العديد من المناسبات صرح أعضاؤها بأن المسألة تعني الوطن وكان على جيل جيلالة وأعضائها كفنانين أن يكون لهم رأي وموقف، وقد أعلنوا موقفهم فنيا وهو: لا نسامح بأي شبر من أرض الوطن» . سي محمد الدرهم، وفي استجواب مطول معه، عبر عن استغرابه من موقف البعض من جيل جيلالة حين غنت «»العيون عينيا««، إذ قال بالحرف: إن زعيم اليسار المغربي ورمزه عبد الرحيم بوعبيد، كان من المدافعين الأولين عن قضية صحرائنا، حتى أنه رفض الاستفتاء في هذا الشأن ودخل السجن بسبب هذا الموقف. فكيف لفرقة فنية تواجه كل هذا الإجحاد بسبب موقف اتفقت عليه كل مكونات الأمة؟» وحوله كان إجماع. يعلم الكثيرون أن حتى الاسم الذي اختارته جيل جيلالة، كان يوحي بالمعارضة، فهي لم تختر الإسم اعتباطا ،كما يتم الترويج لذلك، ففي اختيار الاسم كانت هناك دلالة . فجيلالا تحيل على العمق التراثي والتشبع بالتراب، لكن تركيبة الكلمة كانت جيل جيلالا «»جيل لا لا««، أي جيل لا يؤمن بنعم. إذن من هذا المنطلق كان عتاب الكثيرين على الفرقة، لكن اللافت هو ما ستواجهه المجموعة خارج أرض الوطن. إذ أن معظم منظمي الحفلات والسهرات بالخارج، كانوا من الشقيقة الجزائر أو تونسيين يساريين، بذلك وضعت مجموعة جيل جيلالة في خانة المرفوضين من طرفهم، وكان الخارج بالنسبة للمجموعات الغنائية بمثابة ملاذ مالي، إذ هناك كانوا يتقاضون تعويضات أكبر مما يتقاضونه داخل أرض الوطن. »»العيون عينيا«« بالفعل أزعجت أعداء الوحدة الترابية، إذ يجب أن يعلم الشباب المغربي على الخصوص، أن مجموعات جيل جيلالة وناس الغيوان ولمشاهب كانت شعبيتها وسط الجمهور المغربي نفسها عند الجماهير الجزائرية والتونسية والليبية، بل كانت هناك مهرجانات في هذه البلدان لا تقام إلا بحضور مجموعاتنا الغنائية، حتى أن معظم نجوم الراي كالشاب خالد ومامي وغيرهما، كانوا يقلدون أغاني جيلالة والغيوان قبل وصولهم إلى ما وصلوا إليه اليوم من نجومية ،ولما غنت جيل جيلالة «»العيون عينيا««، اعتبر النظام الجزائري إذاك، أن هذه ضربة في الصميم، لأن محبي جيل جيلالة في الجزائر أصبحوا يرددونها، حتى أن مسؤولا في الجزائر، كان قد كشف بأن أغنيتي »»العيون عينيا«« لجيل جيلالة، و»»أنا الصحراوي»« للفنان عبد الوهاب الدكالي أزعجتا السلطات الجزائرية، نظرا للمكانة التي يحتلها الدكالي وجيلالة في قلوب الشعب الجزائري .تقول الأغنية: «العيون عينيا والساقية لحمرا لي والواد وادي يا سيدي نمشيوا في كفوف السلامة الله والنبي والقرآن معنا الله ونوار اليقين سابقانا إيمانا يحطم كل طاغي جبار على بلادي ياسيدي وعلى بلادي اليوم بان الحق ينادي وباتت دموعي بالفرحة تسيل اليوم واليوم قوى نشادي على بلادي يا سيدي قوى نشادي يا سيدي اليوم الميعاد نسالو الرحيم تربة تعانق تربة علامنا في العيون يقبل السما ويقول للتاريخ هاك المزيد هاصفحات جديدة من امجادي يا سيدي نمشيو في كفوف السلامة الله والنبي والقرآن معنا» هذه الأغنية أعدت في ثمان ساعات، إذ أن المقدمة الخاصة بالأغنية كانت طيلة سنوات ترددعلى لسان مولاي عبد العزيز الطاهري، واجتمعت المجموعة بعد «نداء الصحراء» وجلست مدة ثمان ساعات متواصلة أنجزت فيها الأغنية، وقد كتب خاتمتها المرحوم شهرمان: «بجاه العظيم الرحمان العدل جا وبان البرهان وافي حقنا الميزان عمامة فوق روس العربان حاملين القرآن صليوا ع النبي العدنان» وسيتم تسجيل الأغنية في الصباح الموالي للإعداد، لتذاع مساء ذات اليوم وظهر الأمير مولاي رشيد بعد ذلك ،وهو صغير، يؤدي مقطعا منها أمام الكاميرا .يقول مولاي الطاهر الأصبهاني، « إنه كان على جيل جيلالة أن تقول موقفها، خاصة إذا علمنا، أن إذاعة البوليساريو كانت تذيع بعض أغانيها هي والغيوان، وتقدمها على أساس أنها مناهضة للدولة ، لكن «العيون عينيا» كذبت هذا الكلام « رغم الاقصاء الذي ستعانيه المجموعة بعد ذلك .