في العقود الماضية ظهر الكثير من المطربين والفرق الغنائية وأغلبها لم يرسخ في الذاكرة، لكن بقي الكثيرون من أبناء جيل السبعينيات يتذكرون فرقة جيل جيلالة التي ضمت مجموعة متميزة من مطربين وشعراء وعازفين مثل المايسترو مولاي الطاهر الأصبهاني من مؤسسي الفرقة سنة 1972، حيث عملت الفرقة مع المخرج المغربي الطيب الصديقي بالتزامها بخط الأغاني الشعبية المغربية التي تخدم القضايا الاجتماعية والسياسية تعتمد الآلات الإيقاعية والوترية. أطلقت الفرقة على نفسها ?جيل جيلالة? بهدف المواءمة بين الأصالة والمعاصرة، ف ?جيلالة? هي فرقة صوفية موجودة بالمغرب ، ومن هنا كانت رسالة الفرقة وهدفها بتوظيف التراث برؤية جديدة وبشكل معاصر كي يتفاعل معها "الجيل" الحديث من الشباب. اتسمت أغاني ?جيل جيلالة? .. بنفس صوفي يعتمد على التراث المغربي المعبّق بالروح والطقوس الصوفية والحس الوجداني الديني، ومما عزز أيضا من خبرة وأهمية الفرقة أنهم خاضوا تجربة مسرح الهواة، في بداياتهم مما كوّن لديهم معرفة وخبرة متميزة بقيمة التراث والغناء الصوفي. جيل جيلالة من المجموعات الفنية المغربية التي استطاعت أن تنتزع الريادة في مجال الأغنية الملتزمة إلى جانب اهتمامها بالتراث الذي اختارت منه ما هو هادف، و هذا بمجهود مجموعة من المخضرمين في الزجل مثل محمد الدرهم و الباحثين في التراث مثل مولاي عبد العزيز الطاهري، ناهيك عن صوت المايسترو المخضرم مولاي الطاهر الأصبهاني إن عناصر جيل جيلالة كلها وبدون استثناء من العازف الماهر حسن مفتاح والباحث محمود السعدي، رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه والذي كانت له مجموعة من الأعمال مثل الأغنية الشهيرة الجفرية و الخلايق وكذا ألبوم واعدونا.. جيل جيلالة كانت وتظل وستبقى حتى وإن تفكك العقد، مجموعة من أبرز المجموعات التي أثرت مسار الأغنية في المغرب، فتحية صادقة إلى جميع عناصرها. شاركت الفرقة في مهرجانات عدة بدول أوروبية وأمريكية وآسيوية، وحصدت جوائز كثيرة منها جائزة مهرجان المسيرة الخضراء عام 1975 والجائزة الأولى في مهرجان طوكيو للأغنية الأفريقية. فالفرقة التي تتألف من مولاي الطاهر الأصبهاني، مصطفى يابقيوق، عبد الكريم قصبجي، وحسن مفتاح ، كانت بدايتها في عام 1973م في مدينة الدارالبيضاء، وكان معظم عناصر المجموعة يمارسون مسرح الهواة في مدينة مراكش ، ثم انتقلت بعض العناصر ، إلى مدينة الدارالبيضاء سنة 71 - 1972م وكانت هذه الفترة هي العصر الذهبي لمسرح الهواة، وكانت المسرحيات تتخللها بعض الأعمال الموسيقية، وهذه الأغنيات وجدت تجاوبا كبيرا من لدن الجمهور المغربي، و أدى ذلك إلى تكوين المجموعة في بدايتها من : حميد الزوغي ، محمود السعدي ، مولاي الطاهر الأصبهاني ، سكينة الصفدي ، محمد الدرهم . و يعد مولاي الطاهر الأصبهاني من بين الأعمدة الأساسية لمجموعة جيل جيلالة، بل من أعمدة المجموعات الغنائية ككل، صوته أطرب الكثيرين، منهم مسؤولون في الدولة، بل أكثر من هذا كان قد أثنى عليه العندليب الأسمر في أواخر السبعينيات، عندما كان في زيارة للمغرب ودعاه أحد المسؤولين إلى حفل ستحييه فرقة جيل جيلالة، أدت خلالها أغنية ?ليغارة?، ولأن الأغنية استهوته كثيرا، صعد العنديب الأسمر إلى الخشبة، وأخذ البندير في يده وبدأ يغني مع المجموعة، وبعد انتهائها سيمسك العندليب بيد مولاي - كما يناديه المقربون منه - ويعلن في الحضور بأن صوته من أجمل ما سمع في حياته. و تعد مجموعة جيل جيلالة المعادل الجمالي والفني لآلام الشعب المغربي وآماله، فيصعب أن تسأل شابا أو مثقفا أو طالبا عن جيل جيلالة تتردد على ألسنة فئات متعددة ومتنوعة من أبناء الشعب المغربي، بل أصبحت هذه أغانيهم في حقبة معينة من تاريخ المغرب، ومازالت هي ملاذ هروب سياط الفقر وقلة ذات اليد، والمثير في مجموعة جيل جيلالة أنها استطاعت أن تكسب نصوصها الغنائية خلودا فنيا مثيرا، أولا من حيث احتماليتها المضمونية، وثانيا من حيث قوة أدائها الموسيقي، فالاحتمالية المضمونية تتجسد في إقبال الناس عليها باختلاف طبائعهم وأيديولوجياتهم وطموحاتهم. فمثلا شكل صوت مولاي الطاهر الأصبهاني رنة خاصة في أذان الأجيال، حتى أن الشباب الذي يقلد المجموعة غالبا ما يقلدون صوته، الذي أسكن في أذهان المتلقين ، بمعية أصوات الدرهم والطاهري وعبد الكريم وسكينة والسعدي- أما قوة الأداء فيظهر في التناغم الرهيب في الإيقاع والقدرة على الاستمرار واستثارة الخيال الموسيقي المتنوع والثري للمواطن المغربي. فن الملحون وجعله فنا مشاعا لدى الشباب الذي كان يستثقل الطريقة التي يؤدى بها من طرف شيوخه. استطاع فنان المسرح الطيب الصديقي أن يقلب حياة مولاي الطاهر الأصبهاني رأسا على عقب. فهذا الشاب القادم من مراكش إلى أدغال الدارالبيضاء في أوائل السبعينيات، كان يمارس المسرح في مسقط رأسه كهاو. وكسائر خلق الله تمكن من الحصول على وظيفة بوزارة الفلاحة. كان ينفق مدخوله منها على أعضاء الفرق التي يشتغل معها بمراكش ويوزع ما تبقى على العائلة، ومع ذلك "كايشيط الخير" كما يقول مولاي الطاهر. الولع بالمسرح والعشق له جعل مولاي الطاهر يشارك، يتعقب آي تكوين في هذا الباب كي يصقل موهبته. يذكر مولاي الطاهر انه منذ الصغر كن مولعا بل مسكونا بالمسرح والخشبة. لم يكن يتجاوز عمره السبع سنوات عندما صعد إلى الخشبة أمام المهدي بن بركة وعبد الله إبراهيم ووطنيين آخرين، ليشبعهم ضحكا، كان ذلك في إطار مخيمات الكشفية، في سنة 1971 كان الصديقي يشرف على تكوين بالمعمورة بمعية الطيب لعلج. وكان على معرفة سابقة بمولاي الطاهر،حيث كان يراه خلال مهرجانات مسرح الهواة. فطلب منه ترك الوظيفة والالتحاق بالمسرح البلدي بالدارالبيضاء ، حيث شارك مع الصديقي في مسرحية "الحراز" عندما سجلها للتلفزة، وقد شكل الدور الذي أعطاه إياه قفزة في حياته الفنية. كما شارك معه في "النور والديجور" وغيرها من الأعمال. فالمايسترو مولاي الطاهر الأصبهاني وكافة الفرقة بكفاءتها النادرة وانضباطية إيقاعية صارمة، يعتبرها البعض من سلبيات أداء جيل جيلالة لم تكن المجموعة تعتقد أن أغنية "العيون عينيا" التي عبأت الشعب المغربي قاطبة للمشاركة في المسيرة الخضراء ووحدته من أجل قضيته الوطنية، وتغنى بها الكبير والصغير وحتى الأمراء، ستقلب مسار المجموعة وتضعها في محك صعب. فبقدر النجاح الذي حققته هذه الأغنية بقدر المعاناة التي ستعيشها المجموعة في مسارها الفني، حيث اتصفت "بفعل" الإشاعة، أنها مجموعة مخزنية، وهو ما جعل معظم منظمي الحفلات والسهرات بأوربا يبعدونها عن المشاركة في الخارج، الذي كان سوقاً مفتوحاً أمامهم في السابق. يقول مولاي الطاهر: "كان لزاماً علينا كمواطنين أولا، وكفنانين ثانيا ، أن نعلن موقفنا من قضية صحرائنا وبكل إيمان وقناعة بقضيتنا، أنجزنا هذه الأغنية، وكان علينا أيضاً أن نعبىء المغاربة لقضيتهم الأولى في البلاد، ولم نكن نعلم أنها ستجر علينا وابل الإشاعات التي واجهناها بفننا وبحبنا لوطننا، واستمرت المجموعة في أدائها المعتاد رغم كل تلك العراقيل..". "العيون عينيا" من الأغاني التي أزعجت البوليساريو، كما أزعجت الجارة الجزائر التي كانت قبل ذلك تستقبل مجموعة جيل جيلالة بالورود، خصوصاً وأن المجموعة خلقت جمهورها الثاني هناك، وقد اعتبرت الأجهزة الاستخباراتية الجزائرية بأن هذه الأغنية هي بمثابة صفعة، لأن الجمهور في الجزائر سيتغنى بها، كما تغنى بها المغاربة وستدحض المجهود الذي بذل في إقناع الشعب الجزائري بعدم مغربية الصحراء . في هذا الإطار يقول مولاي الطاهر الآصبهاني ل" الاتحاد الاشتراكي بمناسبةإعداد هذه الورقة عن المجموعة وعن أحد اعمدتها "التاريخيين" البدايات بدايتي الفنية كانت من دار الشباب ، و التي كانت قبالة المنزل الذي أقطن به بمدينة مراكش ، كنت في سن 14 ، عندما توجهت لها فسروا لي أن الأطفال في سني يمارسون كرة الطاولة و الرسم و المسرح ، و اقترح علي أحد المسؤولين ما أود فعله، فاستهواني المسرح. و أذكر أن قسم المسرح كان مسؤولا عنه الفنان التشكيلي عبد اللطيف الجواي ، كانت له طريقة خاصة لتلقين أدبيات المسرح. كان يساعدنا كثيرا في تقمص الأدوار و كيفية إبداء الأحاسيس .. فحولنا الأستاذ الفنان التشكيلي عبد اللطيف الجواي إلى مؤلفين شفهيين ، كان الجواي يفهم في كل التقنيات المسرحية ، و من الأعمال التي أبدعها : فوال بغداد " و الدكتور ويل الدجاجة و الميمون . فعملنا على عدة أعمال مع الأستاذ عبد اللطيف الجواي ، إلى أن لم نعد نعرض مسرحياتنا فقط بدار الشباب بل خرجنا بعروضنا إلى عدة فضاءات بمراكش انذاك. فكانت بدايتي مع المسرح بمدينة مراكش مدينتي الأصل ، و كان قد أصبح اسمي متداولا آنذاك بين المهتمين بالمسرح بدار الشباب التي كان من روادها عشرات المبدعين ، وقد تحولت الآن إلى "قيسارية" . الظاهر الغيوانية ؟ الظاهرة الغيوانية هو نمط غنائي اختار نبرة احتجاجية على الواقع المعيش، وأبرز أنواعا من الزجل الشعبي بمرجعياته الشعبية والإثنية المختلفة، و برز كظاهرة نجاح الأغنية الشعبية، وذلك بفضل الآخر الذي أضفى على ميراثه البدوي والتقليدي قيمة جديدة، ويعود أيضا إلى النظرة المتعاطفة لمجموعة من الفنانين الأجانب، الذين لم يتوقفوا لحظة عن توجيه الاهتمام لذلك التراث الفني المحلي. قدمت الظاهرة الغيوانية الشيء الكثير... قامت بإحياء الغناء الجماعي بزخم كبير... و بالإصرار على السير في تشييد عالم تتناغم فيه الأشياء والأقوال والناس، و بخطاب يعلن عن التواصل الشفاف، ومن ثمة أعطت مكانة مرموقة للمتلقي المتعدد، فكان النص الغيواني متعددا وجامعا. متعددا من حيث التأويلات الممكنة وفق العوامل الممكنة غير المتحققة، ومتعددا من حيث انكشاف النص الغيواني عن النصوص المكونة له. لقد كانت الظاهرة الغيوانيد ظاهرة ثقافية عميقة ارتبطت بمجمل التحولات الفكرية والفنية والاجتماعية والسياسية التي أفرزتها الفترة الممتدة من 1965 إلى 1972 , وما أنبأت به ظاهرة ناس الغيوان لا ينفصل عما أنبأت به الشروط العامة التي أطرت مجمل الممارسات في تلك الحقبة. واقع جيل جيلالة اليوم جيل جيلالة الفرقة المناضلة أو المجموعة الغنائية المغربية الأسطورة، ريبيتوارها تغنى بالفقر والتهميش والحمد لله لدينا جمهور كبير.. لكن الفرقة تأسف على عدم تشجيع المسؤولين سواء بوزارة الثقافة وغيرها في الوقت الذي تصرف أموال باهضة على الأنماط الشرقية والخليجية. بصفة عامة فرقة جيل جيلالة تعاني التهميش والإقصاء في أكثر المنابر الإعلامية الهامة، خاصة السمعية والبصرية منها. وهي مهمشة في المهرجانات الوطنية الضخمة والكبيرة باستثناء القليل جدا .كمهرجان المحمدية السنوي فقط . فمثلا نجد مهرجانات أصبحت عالمية مثل مهرجان "موازين" أكبر مهمش .. يأتي بفنانين من كل صوب وحدب و تصرف الملايير لجلبهم إليه .ألسنا ننتمي لإيقاعات العالم فأين نحن ، إن لم نعترف بمثل فرق جيل جيلالة في مثل هده المهرجانات العالمية ببلادنا، و أنا أظن أن الوزارة هي الجهة المسؤولة عن رعاية واستقطاب الفنان ، ودعم جميع احتياجاته، وفتح المجال أمام جميع فناني المملكة للمشاركات الداخلية والخارجية، من غير استثناء، وحفظ حقوقهم الفكرية وأعماله الفنية الموسيقية . العيون عينيا كان لازما علينا كمواطنين أولا و كفنانين ثانيا أن نعلن موقفنا من قضية صحرائنا و بكل إيمان و قناعة بقضيتنا ، أنجزنا هذه الأغنية ، و كان علينا أيضا أن نعبئ المغاربة لقضيتهم الأولى في البلاد ، و لم نكن نعلم أنها ستجر علينا وابل الإشاعات التي واجهناها بفننا و بحبنا لوطننا ، ثم أن أغنية "العيون عينية" هي من الاغاني التي أزعجت الجارة الجزائرية حيث خلق الجمهور الثاني للاغنية هناك بالجزائر حيث تغنى بها الجمهور الجزائري. الجديد؟ استطعنا إخراج ألبوم جديد يتكون من ثماني أغاني منها "البوراقية" "إن دندن الموال" و "لهلا إخيرنا فضرار" ...، بحكم اختصاصنا في الملحون أخدنا ثلاث قصائد من الملحون التي هي البوراقية ، فاطمة و الجافي و الخلطة . بما أنه لا زال لي الحنين للمسرح ما زلت أشتغل بمسرحية الحراز " ومعا أنا كبرت الله يستر وليت كا نلعب أنا هو الحراز".