لماذا مولاي العربي الشابي الشتوكي؟. ولماذا النبش في قصة حياته؟. وأية غاية لنا في ذلك؟. إن الجواب، هو أن سيرة الرجل تستحق أن تروى، عنوانا عن معنى مغربي، لجيل فتح عينيه على الإستعمار، وسكنته تلك الرغبة الجامحة في أن ينحث له مكانا تحت الشمس، مختلف عن تجربة من سبقه من أجيال مغربية. بصيغة أكثر دقة، إن في الكشف عن قصة حياة هذا الرجل البطل (وهو بطل فعلا في الحياة وفي المواقف الوطنية)، بعض من ملامح معنى التحول الهائل الذي عاشه المغاربة كإنسية، بعد صدمة الإستعمار. فهي تجربة حياة، من الغنى والكثافة والتميز والإثارة، ما يجعل حياة فرد (مثل حياة مولاي العربي) عنوانا على قصة المقاومة التي قاوم من أجلها أولئك المغاربة، الذي عاشوا ما بين 1912 و نهاية القرن 20. أي أننا من خلال تجربة حياة فرد، نلج إلى معنى ثقافي سلوكي لمجتمع جديد، صهرته قوة ذلك التحول وتلك المقاومة من أجل شكل حياة مختلف. مختلف، بدفتر تحملاته القيمية، التي تعلي من فكرة النهوض. النهوض الذي عنوانه الأكبر عندهم، هو استحقاق التقدم وشروط المدنية والحداثة. وهنا يكمن السر في معنى التحول التاريخي الذي يعيشه المغاربة، منذ أكثر من قرن من الزمان، لأنه انتقال هائل من معنى حياة إلى معنى حياة. وتجربة رجل إسمه مولاي العربي الشتوكي، الذي تقاطعت عنده مسارات تجارب متعددة: حياتية، نقابية، سياسية، مقاومة، تقدم لنا بعضا من المثال الخصب على ذلك. عمليا، فقد فتح الفتى مولاي العربي الشابي الشتوكي، عينيه على سياسة ضباط الشؤون الأهلية الفرنسية، كون بلاد سوس وضمنها شتوكة، رغم قربها من أكادير، قد كانت مندرجة ضمن المناطق العسكرية وليس المدنية، للإستعمار الفرنسي، بتعاون مع الخونة من القياد، خاصة الكلاوي والمتوكي. وهناك تشكل وعيه الوطني، ضد "الحكرة"، وضد المهانة، فقرر التمرد على سلطة الأخ الأكبر عائليا وعلى سلطة النظام الإداري الجديد، الإستعماري العسكري، بالمغرب كما عاينه في منطقته. فقرر الهجرة والرحيل في أول فجر يوم ربيعي من سنة 1929، بمباركة من والدته السيدة فاطمة بنت علي، قريبة الفقيه العلامة السوسي الشهير "سيد الحاج محمد الحبيب" مؤسس مدرسة وزاوية "تنالت" الشهيرة. ونسب أخواله، وكذا شجرة أنساب والده من الشرفاء الأدراسة المنحدرين من زاوية "آزاريف"، قرب تزنيت، الذين منهم اختار إسمه العائلي الرسمي "الشابي" (نسبة إلى عائلة الفقهاء والشرفاء بتلك الزاوية "الشبي" المعروفة، التي ينحدر منها مولاي العربي وشجرة عائلته موثقة ومذكورة في كتاب المعسول للمختار السوسي. والإسم مقتبس أصلا من عبارة "آزاريف" التي تعني بالأمازيغية السوسية تاشلحيت نبتة "الشبة"). أقول إن نسبه العائلي، من جهة والده ومن جهة والدته يستحق قصة مستقلة، لأنه عمليا، لا يمكن تحقق استيعاب جيد لشخصية المقاوم الوطني مولاي العربي الشابي الشتوكي، دون العودة لفروع مركزية من عائلته، هما فرع أعمامه وفرع أخواله. قبل البدء بفرع أخواله (لأن الخال والد كما يقال)، لأن والدته فاطمة بنت علي، ليست سوى إبنة عمة الفقيه العلامة السوسي الكبير سيد الحاج محمد الحبيب البوشواري، مؤسس زاوية ومدرسة تنالت الدينية الشهيرة، ودفينها بعد أن غادر دنيا الأحياء يوم 17 يناير 1977. لنتوقف قليلا عند أصل عائلة والده مولاي عبد القادر التي تنحدر من بلدة "آزاريف"، التي هي واحدة من أهم مرابط العلم بسوس العالمة، كما فصل فيها القول العلامة محمد المختار السوسي، في كتابه القيم "خلال جزولة"، قبل أن يهاجر أحد أجداد والده إلى منطقة شتوكة ببيوكرى. ومن هنا يكمن السر في ذلك الوعي الديني الصوفي الكبير الذي عرف به المقاوم مولاي العربي الشتوكي طيلة حياته، ومعنى تشربه لمعنى الوفاء، الذي سبق وتحدثنا عنه من قبل، الذي هو من تربية الزوايا الصوفية. مثلما يفهم، حرصه على إحياء ليلة القدر كل سنة في مسجد قريته منذ الأربعينات، حتى وهو معتقل بسجن القنيطرة، حتى وفاته في أواسط التسعينات. إن مما يشير إليه المختار السوسي في كتابه القيم ذاك، أن بلدة "أزاريف" المتواجدة في قمة جبل بمنطقة "آيت حامد" غير بعيدة عن الزاوية الجزولية الأصل، بمنطقة سهلالة قرب إيليغ بسوس، كانت مدرسة للفقه والعلوم، في العهد السعدي ثم في عهد مولاي اسماعيل العلوي، وأنها تضم مخطوطات نادرة ضمنها ظهائر من السلاطين السعديين إلى عائلة الشبي، الذين تأسس ملكهم أصلا بسوس وجعلوا من مدينة تارودانت عاصمتهم الأولى قبل الإنتقال إلى مراكش سنة 1525 م. ولقد ذكر المختار السوسي من ضمنها ظهائر اطلع على نسخ أصلية منها للسلطان الغالب بالله السعدي. ها هنا تكمن الخلفية التي وجهت المقاوم الوطني مولاي العربي، حين قرر اختيار لقب له ولعائلته الصغيرة، بعد أن أصبح إلزاميا التسجيل في سجلات الحالة المدنية زمن الإستعمار. إذ، لم يبتعد كثيرا عن المعنى الرمزي الرفيع للقب من ألقاب أصوله العائلية من جهة الأب، من قرية "أزاريف" وهو لقب عائلة العلم "الشبي"، فاختار لقب "الشابي" (عكس ما قد يعتقد أنه قد اختاره إعجابا بالشاعر التونسي الأشهر أبو القاسم الشابي، صاحب القصيدة الخالدة: "إذا الشعب يوما أراد الحياة/ فلا بد أن يستجيب القدر"، الذي توفي سنة 1934). بالعودة إلى إبن عم والدة مولاي العربي الشتوكي، العلامة الفحل، القطب الرباني، المتصوف، الحاج سيد محمد الحبيب البشواري، والذي كانت علاقة مولاي العربي قوية به حتى اختاره لله إلى جواره سنة 1977 عن عمر ناهز 109 من السنوات. فإن لأثر سيرة ذلك العلامة عليه، منذ طفولته الأولى الأثر الكبير الحاسم. ليس، بسبب مكانته العلمية فقط وإيمانه أن التعليم معركة هائلة لتحرير الإنسان المغربي بسوس من الجهل، ومن هنا تفرغه لتوسيع زاوية العلم بتانالت. بل، أيضا لدوره النضالي في مقاومة التغلغل الإستعماري الفرنسي بالجنوب المغربي، إلى جانب قائد تلك المقاومة سنة 1912 الشيخ الهيبة ماء العينين وباقي أشقائه. ينحدر خال مولاي العربي، العلامة سيد الحاج الحبيب، من قرية "آيت الطالب" من قبيلة آيت ميلك الهشتوكية غير بعيد عن بلدة بيوكرة (أي أنها قريبة من موطن والد مولاي العربي الشتوكي)، التي ولد بها سنة 1868 ميلادية، كما يورد ذلك المختار السوسي في كتابه الشهير "المعسول". مؤكدا أنه تتلمذ على يد شيوخ فطاحلة كبار من ضمنهم الشيخ ماء العينين الأب، مؤسسة الزاوية المعينية بالسمارة، دفين تزنيت، وعنه أخد "الإجازة المطلقة". قبل أن يتتلمذ على يد ابنه الشيخ أحمد الهيبة ماء العينين، ويصبح زمن مقاومة التدخل الإستعماري الفرنسي بسوس وآيت باعمران، من مساعديه الأقربين وكذا من أقرب مساعدي ومستشاري شقيقه الشيخ مربيه ربه وشقيقه الآخر الشيخ النعمة. وأن دوره النضالي الوطني ذاك، قد دفع القوات الفرنسية أن تقصف بطائراتها العسكرية مدرسته الفقهية بتانالت، سنة 1932، حين هجومهم الكاسح على جبال تزنيت. مما اضطره إلى الإلتجاء إلى منطقة آيت باعمران وبقي بها سنوات، قبل أن يعود إلى تنالت ويعيد بناء مدرسته الشهيرة. بالتالي، فإن مولاي العربي قد روي وشرب من تلك البئر النضالية والفقهية باكرا. + هامش: هذا البحث التاريخي، حول شخصية مولاي العربي الشتوكي، مندرج ضمن مشروعات أبحاث مؤسسة محمد الزرقطوني للثقافة والأبحاث.