تعد منطقة أسكاون التابعة لإقليم تارودانت دائرة تالوين من أبرز المناطق التي عانت، مع سبق الإصرار، من ويلات الإقصاء والتهميش الممنهجين والمقصودين على مدى عقود من الزمن، حيث تعيش أزمة بنيوية من بنية تحتية منعدمة أو تكاد، وسوء تسيير وتدبير لما هو كائن ومتوفر، والمضي في النهج غير السوي وغير القويم الذي لم ينتج إلا الفقر المدقع في أقصى تجلياته تفاقم معه الوضع المعيشي المأساوي أصلا للساكنة، لا لشيء إلا لكون المنطقة من جهة، تنتمي إدارياً الى عمالة تارودانت المعروف عنها أنها لا تولي أي اهتمام يذكر للعالم القروي، خاصة الجبلي على مستوى كل المجالات التنموية أساساً الاقتصادية والاجتماعية والرياضية، ومن جهة أخرى، ساكنة بعض الجماعات المحلية لمنطقة أسكاون، وعلى رأس قائمتها جماعة أسكاون المركز ، كانت ولاتزال ضحية مجالس جماعية سلطت على الساكنة والمنطقة كرهاً تعاقبت على تسيير وتدبير مفلسين لشؤونها الجماعية، مجالس خلقت هوة وبوناً شاسعين بينها وبين الساكنة وهمومها ومشاكلها تتحكم في توجيهها «جماعة» لا تتقن في تدبير الحكامة المحلية إلا التربع على كراسي المسؤولية في وضعية اللامعني بكل ما هو مرتبط بوضع أسس ومقومات جماعات محلية لها من الإمكانيات والمؤهلات ما يجعلها في مستوى تطويع الإكراهات والاستجابة للانتظارات، مما أدى الى شل المجال التنموي في كل أوجهه الاقتصادية والاجتماعية والرياضية وحتى الثقافية، وبالتالي جعل المنطقة تدور حول نفسها في حلقة مفرغة تتجرع ساكنتها مرارة الانعكاسات السلبية، ولن تجد الى الخلاص سبيلا، مادامت العقلية السائدة تأخذ بزمام أمرها، مع العلم أن إبقاء الوضع على ما هو عليه، واعتبار الشأن الجماعي والمشترك شيئا مشاعا وفرصة للاستغلال، لن يزيد الوضعية إلا تأزماً وتعقيداً. إن المشاكل العويصة التي تعاني منها المنطقة وساكنتها على السواء، ليست عرضية، بل هي متجذرة ولا تهم مجالا واحداً في حد ذاته أو مجالات محددة، بل متعددة بعدد المجالات المرتبطة بحياة ومعيشة إنسان، من تعليم، صحة، تشغيل، تجهيز، طرقات، وسائل نقل وتنقل، وسائل اتصال وتواصل، إرشاد... المشاكل التي نجمت عنها وضعية لا يمكن تصنيفها إلا بالوضعية الشاذة التي تقع مسؤولية إنتاجها بالدرجة الأولى على مؤسسات الجماعات المحلية التي عليها أن تشارك الساكنة في همومها، وتتبنى قضاياها ومشاكلها مع البحث عن إيجاد الحلول المناسبة للتي تدخل ضمن اختصاصاتها وتطرح دونها على الجهات المعنية بملفات مدروسة ومدققة والدفاع عنها لتمكين المنطقة من الالتحاق بركب التنمية الشاملة المستدامة التي تعرفها المناطق المجاورة التي كانت إلى عهد قريب تعاني نفس المعاناة، كما تقع المسؤولية أيضاً على مؤسسات الإقليم والجهة والسلطات الوصية التي عليها الالتفات إلى الأوضاع المزرية التي تعيشها المناطق الجبلية والنائية، وألا تتمادى في تكريس التدبير الخاطىء الذي وسع الهوة بين المناطق وأفرز مغرباً نافعاً ومغرباً غير نافع، مع العلم أن المغرب بجميع أرجائه نافع ولا يحتاج إلا إلى الإرادة الصادقة والعزيمة القوية والتجرد من الذاتية والركض وراء المصالح الشخصية والتسابق على المواقع. ويكفي سرد المجالات التالية في هذه الإشارة، للاستدلال بها عربوناً ودليلا قاطعاً على أن المنطقة في وضعية شاذة بكل ما للكلمة من معنى، دون التطرق إلى البقية التي سيأتي دورها لاحقاً، وهذا لا يعني أنها أحسن حال، بل هي على مستوى واحد: المؤسسات التعليمية وأحوالها السيئة مدارس تفتقر إلى أبسط الضروريات في حدودها الدنيا، جلها في وضعية سيئة للغاية ، من نوافذ مكسرة الزجاج يضطر المعلمون والتلاميذ إلى سد فراغاتها بالاستعانة بالورق المقوى (الكارطون) للحد من قساوة البرد وتدفقات الهواء، مرافق صحية منعدمة تجبر التلاميذ والتلميذات على السواء أثناء الاستراحة وبعد الحصص على الهرولة إلى الخلاء لقضاء حاجاتهم، تجهيزات بعض الأقسام من طاولات وسبورات متهالكة يرجع تاريخ بدء استعمالها إلى عقود خلت، مطاعم مدرسية تدبر بشكل سيء للغاية دون مراقبة، حيث لا ينال المستفيد من حصصها سوى فتات لا يمكن اعتباره وجبة أكل حتى في أزمنة المجاعة، بالإضافة إلى كون عمليات الطهي تتم خارج فضاء المدارس، لعدم وجود بنايات معدة لذلك، دون اتخاذ الاحتياطات اللازمة، الوقائية والصحية، أثناء الطهي والتوزيع بشكل يضمن سلامة الوجبة ويجعل المستفيد في منأى إلى حد ما من الأضرار الصحية التي يمكن أن تنجم عن التعفنات الجرثومية التي يمكن أن تلحق بها، إنارة كهربائية منعدمة، حيث لم يتم ربط أية مدرسة بالشبكة منذ كهربة العالم القروي، مع الإبقاء في بعض الحالات على الطاقة الكهربائية الشمسية رغم قلة نصاعة إنارتها والأعطاب المتكررة التي تصيب الألواح الشمسية والبيطريات في الوقت الذي يتم فيه تجهيز المدارس بالحواضر بالحواسيب والربط بالأنترنيت لجعل التلميذ يتمرس على استعمالها واستغلالها ومسايرة التطور الحاصل في مجال التعلم والتكوين، لكن يبدو أن الوزارة المعنية لا تولي أهمية في الوقت الراهن لتمكين المدارس بالمنطقة من التزود بالإنارة مع العلم أنها من الضروريات المساعدة على القيام بالواجب، بنايات إدارية ومساكن للمدراء غير متوفرة، باستثناء المركزية الأولى التي يرجع تاريخ بنائها إلى منتصف الخمسينيات، وهي من الأسباب التي تجعل إدارة المدارس التابعة للمركزيات شاقة ومضنية ومكلفة أيضاً. إن الأحوال السيئة للمؤسسات التعليمية بالمنطقة بكل هذا الخصاص المهول في الضروريات، دون الخوض في جوانب أخرى لها أهميتها، بالإضافة الى الإخلال بالمسؤولية في بعض الحالات، لهما انعكاسات جد سلبية على المردودية التعليمية بالمنطقة، مع العلم أن تهييء الظروف المناسبة وتوفير الضروريات الأساسية عاملان مساعدان على العطاء والتلقي. الطرقات والعزلة التامة تعيش المنطقة في عزلة تامة ودائمة وتتفاقم وضعيتها بتساقط الأمطار والثلوج مما يحول دون التنقل داخل المنطقة أو منها وإليها، جراء كون كل الطرق المؤدية إليها متهالكة بسبب الإهمال الذي طالها ولم تعد صالحة لا للاستعمال ولا للإصلاح، إلا إذا خصص لها اعتماد مالي مهم، حيث أجزاء كبيرة منها زال وانمحى أثره، خاصة بكل من طريق خزامة، أَگَنْدي وإگَرْمَزْدَتْنْ ويبقى المنفذ الوحيد هو الرابط بتالوين الدائرة، ورغم أنه عُبِّد في السنوات الأخيرة، إلا أن أضرارا بليغة لحقت بأجزاء كبيرة منه، جراء انعدام الصيانة، إضافة إلى كون تعبيده أصلا لم يكن في المستوى المطلوب من حيث اعتماد واتباع المسلك الأصلي الذي يرجع تاريخ شقه إلى حقبة الاستعمار الفرنسي دون تغييرات تذكر وطريقة التعبيد ورداءة المواد المستعملة، ما جعل الطريق لا يقوى على التحمل، الشيء الذي نتج عنه اقتلاع أجزاء من قارعته على مستوى عدة نقط وتآكل جنباته، كما لم يصمد طويلا أمام الانجرافات التي يتعرض لها، أو التي تتعرض لها الجبال والتلال المطلة عليه، خاصة بمنعرجات أَگْني نَطْلاَطَة، أَگُرْضْ نُدْرَارْ وأَسَفْزِمْرْ، وتغمره بأكوام من الأحجار والأوحال توقف حركة المرور والتنقل لمدة قد تطول أياماً وأسابيع تتقطع معها أوصال المنطقة، خاصة بجماعتي أسكاون وتاويالت ويحصل خصاص مهول في بعض المواد الأساسية مثل: السكر، الدقيق، الخضروات، قنينات الغاز... الكهرباء المنزلية ومعاناة التعبئة رغم أن الساكنة ، بفقرها المستشري، تحملت التبعات المالية المكلفة للتزود بالإنارة المنزلية، تعلق الأمر بالربط الداخلي أو الخارجي الذي حددت له مبالغ مالية باهظة، مقارنة مع المستوى المعيشي لساكنة لا موارد مالية لها تعيش العطالة المستديمة، أثقلت كاهلها بديون لا قبل لها بها لولا أن الإنارة المنزلية من الضروريات التي يتوقف عليها قضاء حاجيات أساسية لا يمكن الاستغناء عنها في الحياة اليومية، وتزداد معاناة الساكنة في هذا الجانب بتحمل مصاريف إضافية تتعلق بعملية ملء بطاقة التعبئة، كون العدادات تشتغل بالبطاقة، حيث يضطر الراغب في تعبئة البطاقة إلى السفر الى مركز التعبئة الممركز بأولوز الذي يبعد عن أقرب نقطة بمنطقة أسكاون بخمسين كيلومترا، وما يتطلبه ذلك من نفقات التنقل والتغذية والمبيت أحياناً لعدم توفر وسائل النقل بشكل منتظم، النفقات التي يفوق مبلغها في الغالب أضعاف مبلغ التعبئة، وهو ما يشكل استنزافاً لساكنة لا حل لها إلا الخضوع للاجراءات غير المنطقية التي تسنها الهيئة التي تشرف على تدبير الكهرباء ومراكز التعبئة والاستخلاص، في ظل المؤسسات الجماعية المحلية والتمثيلية النيابية الحاليتين للمنطقة، التي يقع على عاتقها لوحدها مسؤولية تبني مشكل الساكنة وطرحه بجدية على الجهة المعنية والبحث عن إيجاد حل مناسب له يخفف من معاناة المتضررين. الهاتف النقال وإشكالية الانقطاعات المتتالية يعتبر الهاتف النقال أداة الاتصال والتواصل الواسعة الانتشار بالمنطقة، كون مراكز الهاتف الثابت قليلة العدد وممركزة غالباً في النقط التي تتواجد بها الأسواق الأسبوعية، إلا أن تغطية شبكة الربط المعدة للهاتف النقال تتعرض لتوقفات ولانقطاعات قد تدوم شهوراً وفي نقط متعددة، جراء الأعطاب التي تصيب محطات الهوائيات المرحلة، سواء التي في ملكية اتصالات المغرب أو التي في ملكية ميديتل، وبما أن المنطقة جبلية تتعرض لتقلبات جوية شديدة الوقع من هبوب رياح قوية وعواصف رعدية وتساقط الثلوج وأمطار غزيرة، كان على الشركتين المدبرتين للهاتف النقال وضع هوائيات قوية الاستقبال والإرسال تتوافق وطبيعة المنطقة، وفي أماكن متعددة لضمان تغطية الشبكة والربط بشكل مستمر ودائم. إن الخروج بالمنطقة من دوامة الإقصاء والتهميش وإدماجها في ركب التنمية الشاملة والمستدامة، يقتضي اتخاذ اجراءات ملموسة وعملية تشمل جميع المجالات لترابط بعضها البعض، ولن يتأتى ذلك إلا بتظافر جهود كل الأطراف من مؤسسات رسمية محلية، إقليمية، جهوية، سلطات الوصاية والساكنة عبر جمعياتها المدنية التي تعد بالمنطقة بالعشرات، تشتغل غالبيتها بشكل انفرادي على مستوى الدائرة الترابية الخاصة بها في مجالات تهم شق الطرقات والمسالك للربط الداخلي وبعض الإصلاحات من قبيل تدبير قنوات الري والماء الشروب... لكنها تحتاج إلى مساعدات مادية ومعنوية للرقي بعطاءاتها، كما تحتاج الى من يوجهها للاشتغال على مشاريع اقتصادية واجتماعية تعود بالنفع على المنطقة بأكملها والانخراط في مشروع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية للاستفادة من الإمكانيات الإنمائية التي توظفها للتقليص من حدة الإقصاء والتهميش والرفع من المستوى المعيشي للمواطنين.