أوضح النائب البرلماني سعيد بعزيز، عضو الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، خلال تدخله باسم الفريق في اجتماع لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة يوم الاثنين 25 مايو 2015، حول ظروف وحيثيات الفاجعة الوطنية المتعلقة بحادثة السير بطانطان وإشكالية السلامة الطرقية وكذا سياسة الحكومة في هذا المجال، أن طلب عقد اجتماع اللجنة توجه به الفريق الاشتراكي منذ 13 أبريل 2015 لدى رئيس اللجنة، بعدما فتحت الحادثة المروعة التي وقعت بجماعة الشبيكة بإقليم طانطان من جديد ملف حرب الطرق، وبما أن هذه المأساة اعتبرت كارثة وطنية بمختلف المقاييس، لذلك طلب الفريق دراسة ارتفاع عدد حوادث السير بالمغرب وسياسة الحكومة في هذا المجال. وفي إطار تقديمه لطلب الفريق، أوضح سعيد بعزيز في ما يتعلق ببلاغ النيابة العامة، أن التحقيق لم يكشف عن السبب الحقيقي لوقوع الحادثة وركز على مناورة السائق دون معرفة العوامل التي دفعت به إلى القيام بذلك. وأنه ورد في بلاغ وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بطانطان «أن سائق الحافلة فقد السيطرة على السياقة وخرج عن مساره، وانحرف نحو الشاحنة التي كانت قادمة من الاتجاه المعاكس فاصطدم بها بقوة على مستوى وسطها من جانبها الأيسر وتحديدا بالجزء الأمامي من المقطورة.» وهذا يعني أن نتائج التحقيق ظلت سطحية ووقفت عند النتيجة المتمثلة في فقدان سائق الحافلة السيطرة على السياقة، لكن لم يقل البلاغ أي شيء عن السبب الذي أدى إلى ذلك: هل هو النوم أم التعب؟ أو ضيق الطريق وتجنب احتكاك الحافلة والشاحنة أثناء عملية التقابل؟ أم سبب آخر؟ خاصة أن هذه الطريق تعتبر بمثابة طريق للموت كما سبق أن وصفها الفريق الاشتراكي منذ أزيد من سنتين لما تعرفه من تهريب ممنهج للمحروقات والمواد الأجنبية. وعن ضعف التشوير وتجهيزات السلامة بالطرق الوطنية والذي تتحمل الحكومة مسؤوليته، فإنه بناء على الصور المنشورة بالعديد من المواقع الإلكترونية والمشاهد الملتقطة في الأشرطة السمعية البصرية المبثوثة عبر وسائط الإعلام، يتبين أن هناك اختلالا تقنيا على مستوى البنية التحتية وخاصة على مستوى العناصر المرتبطة بالتشوير الطرقي، وهو اختلال تتحمله وزارة التجهيز والنقل واللوجستيك ومصالحها الجهوية والاقليمية المسؤولة عن مكان وقوع الحادثة. فالخلل التقني المقصود يكمن في غياب التشوير اللازم خاصة على مشارف منعرج طرقي، حيث نلاحظ وجود علامة عمودية في يسار الصورة تشير إلى المنعرج وغياب الخط الأبيض الجانبي المتصل على جانبي قارعة الطريق لإبراز الحدود الجانبية التي لا ينبغي للسائق تجاوزها، والتي تساعد على السير في المكان المخصص له فقط. كما سجل أيضا في أسباب تقديم طلب انعقاد اللجنة عدم انسجام العلامات التشويرية الموجودة في مكان وقوع الحادثة إذ يلاحظ معطى أول: وجود علامة عمودية في يسار الصورة تشير إلى المنعرج ومعطى ثان: وجود خط أبيض منفصل في وسط قارعة الطريق، مما يعني أن للمعطى الأول مقتضى قانونيا يمنع التجاوز وللمعطى الثاني مقتضى قانونيا يسمح بالتجاوز. والمنطق القانوني السليم أن تتعزز علامة المنعرج قبليا بتشوير الخط الأبيض المتصل. وأن غياب التشوير الطرقي اللازم والمنسجم والمرئي يعتبر بشكل واضح من مسؤوليات القطاع الوصي لأن من شأن ذلك أن يؤطر سلوكات السائقين، من خلال عدم تجاوز الخطوط البيضاء والتزام كل سائق بالسير في الحيز المخصص له لتجنب الاحتكاك الجانبي أو الاصطدام وجها لوجه الذي تكون له نتائج كارثية خاصة خلال الليل أو في الساعات المبكرة كما هو توقيت وقوع الحادثة. وردا عن تصريحات الحكومة في خروجها الإعلامي، أوضح بعزيز أن التذرع بانخفاضات السنتين الأخيرتين التي لا تشكل مؤشرات هيكلية، وعدم استقراء الوقائع التاريخية أبرز أن الحادثة الأخيرة وما خلفته من ضحايا، وأن الانخفاضات الأخيرة المسجلة ليست هيكلية وغير قابلة للتراكم والاستمرار زمنيا كما وقع خلال الفترة الزمنية ما بين 1993 و1996 التي شهدت انخفاضا في المؤشرات الإحصائية، وسرعان ما اتجهت نحو الارتفاع في عدد حوادث السير وضحاياها. أي أن الانخفاض غير الناتج عن استراتيجية واضحة المعالم، يبقى مرشحا للارتفاع وبالتالي لا ينبغي الأخذ به كمرجع. وأضاف أنه لا يمكن بلوغ المؤشرات الهيكلية إلا بتكريس البعد الاستراتيجي للعمل الحكومي. ويكفي التذكير أن هذا البعد الاستراتيجي بدأ مع حكومة التناوب وأسفر في ما بعد عن تبني وتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للسلامة الطرقية الممتدة لعشر سنوات (2004 - 2013). وللأسف تميز عمل الحكومة بالاضطراب وانعدام الرؤية الاستراتيجية حيث تم تمديد الاستراتيجية التي كان من اللازم انتهاؤها سنة 2013 دون القيام بأي تقييم علمي وموضوعي في السنة الأخيرة (وليس الانطباعات الإدارية عن الحصيلة) قصد بلورة استراتيجية جديدة دون المرور بفترات البياض التي نعيشها اليوم في انتظار الإعلان عن المشروع المشترك بين البنك الدولي والمغرب، ومتى سيتم الشروع في تنفيذه. وعن بطء الإصلاحات الحكومية وانعدام المبادرات الناجعة، أكد بعزيز أن التعثر في وضع سياسة ناجعة لسلامة نقل المواد الخطرة، إذ لا يكفي فقط تقنين هذا النوع من النقل، بل من أولوياته توفير شروط سلامته لأنه يشكل خطرا محتملا على حياة المواطنين (التقنين الصارم لمجموعة من الجوانب: أيام العمل، التجهيزات الضرورية، مسؤوليات المقاولات، تكوين الموارد البشرية الملائمة، حصر خاص لساعات السياقة وأماكن التوقف للاستراحة ...). فالحكومة ليست لها قضايا استعجالية وما زالت تفكر في إصلاح هذا القطاع ربما إلى أن تتكرر لا قدر الله حوادث مماثلة أخرى، وأنها لم تعالج قضية النقل المدرسي خاصة في الألعاب المدرسية إذ لم تأخذ العبرة من الحوادث المماثلة خاصة وأنه وقعت حادثة سير بمنطقة الدروة ذهب ضحيتها حوالي 13 بطلا رياضيا مدرسيا أثناء عودتهم من أكادير في اتجاه الدارالبيضاء وكذا الحادثة الأخيرة بخنيفرة، وهو ما يطرح جدية القطاعات الوصية (النقل، التربية الوطنية والتكوين المهني، الصحة، الداخلية، الشباب، ...) في التعاطي مع موضوع سلامة النقل المدرسي. وعن الحديث الدعائي لوزير التجهيز والنقل واللوجستيك عن الاستثمارات المهمة في البنيات التحتية، دون التركيز على ما تم إنجازه في ما يتعلق بتجهيزات السلامة الطرقية (الحواجز الجانبية، التشوير الطرقي المناسب، ...) كشف عن ضعف مسايرة الاستثمار في تجهيزات السلامة للاستثمار في الطرق، محملا الحكومة مسؤولية التقصير في مجال تعبئة وتوعية المواطنين لأخذ الاحتياطات الضرورية في فترة حرجة من فترات السنة لتزامنها مع العطلة المدرسية وبرمجة أنشطة رياضية، حيث تم تسجيل غياب تام للعمل الميداني للأجهزة المكلفة بالتوعية والمباشرة والاقتصار على البلاغات الإعلامية والتلفزة والإذاعة التي ليس لها نفس تأثير عمليات القرب. واستنكر بعزيز في سياق تقديم الأسباب التي ساهمت في طلب عقد هذا الاجتماع، تحميل المسؤولية للسائقين دون تحمل الحكومة لمسؤوليتها في إقرار حقوقهم، موضحا عبر التذكير أن الهدف من إقرار البطاقة المهنية هو الإسهام في تأهيل النقل الطرقي وتمكين السائقين المهنيين من مجموعة من الحقوق المهنية والاجتماعية (احترام قانون الشغل، التصريح بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، التغطية الصحية، السكن الاجتماعي). لذلك، وقعت عدة قطاعات حكومية مكلفة بالداخلية والمكلفة بالتجهيز والنقل ووزارة بالإسكان الإسكان والمكلفة بالصحة، والمكلفة بوزارة التشغيل ومجموعة التهيئة العمران بتاريخ 20 فبراير 2009 اتفاقية شراكة لتمكين مهنيي النقل الطرقي من الاستفادة من الخدمات الاجتماعية في مجال التغطية الصحية والتقاعد والسكن الاجتماعي (برامج التهيئة العمران، إحداث تعاونيات سكنية، الاستفادة من قطع أرضية بأثمنة تفضيلية). وللقطع مع الخطاب الجائر تجاه السائقين وتحميلهم المسؤولية كاملة كما سمعنا ذلك على لسان وزير التجهيز والنقل واللوجستيك في أحد اللقاءات التلفزية، نتساءل عن مآل هذه الاتفاقية ومدى الإيفاء بالالتزامات والتعهدات الخاصة بالخدمات الاجتماعية التي قدمت لمهنيي النقل الطرقي في مجال التغطية الصحية والتقاعد والسكن الاجتماعي. والمؤسف أننا في هذه الحقوق التي ناضل من أجلها السائقون المهنيون، نجد تنكرا مطلقا لالتزامات الحكومة وتراجعا خطيرا عن كل ما تم الاتفاق بخصوصه. وأكد بعزيز من جهة أخرى، أن المطلوب في هذا السياق هو توفير وقاية قبلية من الحوادث، لكن ما أن تقع إلا ويتطلب الأمر معالجتها، والمعالجة تنطلق من تغيير وتعديل ظهير 02 أكتوبر 1984 المنظم للتعويضات المتعلقة بحوادث السير، لكونه لا يساير الواقع المعاش في المجتمع المغربي، إذ لا يعقل أن يحصل أبوا الهالك الأعزب عن تعويض رمزي لا يزيد عن 30 ألف درهم تشمل التعويض المعنوي وصائر الجنازة، وطلب من الحكومة أن تكون لها الجرأة الكافية لمعالجة الأمر بدل الرضوخ للوبي التأمين. كما طالب أيضا بتفعيل مقتضيات مدونة السير عبر الطرق المتعلقة بإجراء خبرات ميدانية لأمكنة وقوع الحوادث، لتحديد مسؤولية الحكومة التي تنطلق من مسؤوليتها من صيانة وإنجاز الطرقات، وأن عدم تفعيل هذا المقتضى يجعل الحكومة خارج المحاسبة، ويدفع بالجميع إلى تحميل المسؤولية للعامل البشري، وتحديدا للسائق، والحال أن العامل البشري اصطلاح واسع، حاضر في كل الأفعال بدءا من ضعف البنية التحتية ومراكز الفحص التقني ومراكز تسليم رخص السياقة والتهور وعدم إصلاح النقط السوداء وغيرها، كلها أمور يتحمل فيها العامل البشري مسؤولية كاملة لكن لا يرتبط بالسائق فقط بل حتى بالمسؤول في القطاع الحكومي المعني. كما تساءل عن الأجهزة الثابتة لمراقبة السرعة ومآلها، وعن أسباب فرض تغيير حافلات تعليم السياقة بعد استعمالها لمدة 10 سنوات، في حين حافلات النقل العمومي لا يوضع لها أي حد لفترة الاستعمال رغم أنها تحمل عشرات المواطنات والمواطنين. وأضاف أنه إن كانت نسبة 94 بالمائة لا تحترم علامة قف، فأين الخلل؟ حيث أن هناك إشكالا ما يتطلب التشخيص لمعالجته، سواء تعلق الأمر بسوء فهم القانون المنظم للسير والجولان أو غير ذلك، مضيفا أن المطلوب من الحكومة هو زحزحة ترتيب المغرب على المستوى العربي والدولي حتى لا يبقى في المراتب الأولى في مجال حوادث السير وضحاياها، وتقليص تكلفتها الاقتصادية التي تصل سنويا إلى أزيد من 11 مليار درهم، ووضع حد لمأساة الأسر المغربية التي تفقد يوميا من 9 إلى 11 شخصا في حوادث السير.